علاقات » تركي

العالم العربي وقضية خاشقجي: كياسة سياسية أم اتقاء غضب الرياض؟

في 2018/10/18

عماد حسن- DW- عربية-

رغم مرور فترة ليست بالقصيرة على اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي عقب دخوله قنصلية بلاده في اسطنبول، إلا أن ردود الفعل العربية حيال القضية كانت في أغلبها خافتة. فما السبب وراء ذلك؟

مع نشر معلومات وتفاصيل بصفة يومية حول قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي يزداد موقف الدول العربية ضبابية. فالكثير منها يرتبط بشكل وثيق بالنظام السعودي سواء سياسياً أو اقتصادياً ولا يريد أحد التورط في تصريح رسمي قد يجلب له مشاكل وتوترات فيما بعد.

وبعيداً عن موقف الإعلام السعودي الذي يرى أن القضية كلها  هجوم مدبر على الدولة السعودية ضمن مؤامرة كبرى تستهدف الرياض، لا يبدو واضحاً موقف أغلب الدول العربية من القضية، اللهم إلا بعض الدول القليلة التي أصدرت بياناً يؤكد على دعم السعودية بشكل كامل كالإمارات والبحرين والأردن وسلطنة عمان ومصر:

وعلى مستويات أخرى، لم تتحرك أي من النقابات الصحفية العربية بشكل واضح حتى الآن. لكن على الجانب الآخر هناك حرب شرسة تدور على مواقع التواصل الاجتماعي بين من يتهمون السعودية بالضلوع في إخفاء أو قتل الصحفي المرموق وبين مدافعين عنها.

ضباب يلف المشهد

في مقابلة له مع DW عربية، رأى الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن كون السعودية دولة ذات وزن كبير في المنطقة اقتصادياً وسياسياً، هي عوامل تدفع الكثير من الدول العربية لعدم إغضابها إن لم تكن بالفعل قد تبنت مواقف الرياض نفسها. ويضيف نافعة بأنه حتى الآن لم يصدر بيانا رسميا واحدا عن تركيا يتضمن معلومات مؤكدة بشأن القضية ما حدا بالكثير من الدول للنأي بنفسها عن الدخول في مشهد يلفه الضباب.

لكن هناك سبب آخر لضبابية المشهد دفعت أغلب الدول العربية إلى عدم الدفاع بشكل رسمي عن السعودية، فيما ترك بعضها إعلامه يقوم بتلك المهمة وهو "الاعتقاد بوجود شخصيات سعودية متورطة في حادث خاشقجي، لكن الحكومات العربية تريد الحفاظ على علاقاتها الطيبة مع السعودية ولذلك فهي تلتزم بتأييد الموقف السعودي من حيث أن السعودية حريصة على إجراء تحقيق وأنها ليست مسئولة عن الحادث" بحسب ما قال الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في مقابلة له مع DW عربية.

فيما رأى الكاتب والحقوقي الجزائري أنور مالك  أن التحقيقات الجارية لم تصل إلى نتيجة لذلك لا يمكن للدول أن تعلق على أمر لم تصدر بشأنه الدول المعنية السعودية وتركيا أي تصريح رسمي بشأنه.

حساسية قانونية وسياسية

قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي ليست كأي قضية، فوفق ما تم تسريبه حتى الآن من معلومات غير مؤكدة تناقلتها كبرى الصحف ووسائل الإعلام في العالم - ما يشير من طرف خفي إلى استنادها إلى معلومات حصلت عليها – أن الرجل تم الإيقاع به للدخول إلى قنصلية بلاده في اسطنبول وهناك جرى الاعتداء عليه وقتله وتمزيق أوصاله وفق ما أوردت صحيفة نيويورك تايمز، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ الدبلوماسية الدولية بحسب ما قال الدكتور حسن نافعة

لكن الكاتب والحقوقي الجزائري أنور مالك يرى أن هناك حملة على الدولة السعودية من أطراف لديها حسابات وقامت بتسييس القضية "لهذا صارت أغلب الدول حذرة في التعامل مع هذه القضية إلى حين الفصل التام فيها".

مؤامرة على السعودية؟

يدفع الإعلام السعودي بضلوع دول معادية للرياض في تضخيم القضية ومحاولة توريط أسماء كبيرة مثل ولي العهد في قضية تعذيب وقتل مفترض داخل هيئة دبلوماسية خارج البلاد بهدف هز عرش المملكة ولتصفية الحسابات نتيجة خلافات سياسية، وهو ما وصفه المحلل السياسي علاء بيومي في تغريدته بالـ "تهريج":

يقول الدكتور مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية إن أغلب أجهزة الإعلام العربية اعتمدت تلك الرواية السعودية وأن موضوع خاشقجي اتخذ حجة للهجوم على الدول العربية لتجد السعودية نفسها في موقف مماثل لما حدث مع مصر بتركيز الإعلام الدولي على أحداث معينة.

أما الدكتور حسن نافعة فيرى أن هناك دولاً عربية "أطلقت أجهزتها الإعلامية للدفاع عن السعودية بشكل مطلق والحديث عن مؤامرة كونية ضد السعودية والنموذج الواضح جداً على ذلك هو النظام المصري، فأجهزة الإعلام المصرية كلها أخذت الموقف السعودي تماماً".

"دخول دول على خط المواجهة مع السعودية بشكل غير رسمي عبر التصعيد الذي تمارسه بعض الفضائيات في كل ما يتعلق بالقضية منذ بدايتها بجانب التسريبات المتتالية للإعلام التركي والتي تتهم ضمناً وعلناً شخصيات سعودية رسمية بالضلوع في القضية جعل الكثيرين يرون ما يحدث في إطار تصفية الحسابات".

هذا ما رآه الكاتب الجزائري أنور مالك، الذي أضاف بأن ذلك من أكبر الأخطاء التي تمارس بحق القضية، مضيفاً أن "ما يقوم به الإعلام القطري به جانب لا يتماشى مع المشاعر، خاصة عند نشر أخبار عن تقطيع جمال خاشقجي بمنشار خلال استماع من قام بالجريمة إلى موسيقى".

حرج عربي

يحمل التاريخ العربي قصصاً مشابهة تمت فيها تصفية أو إخفاء معارضين سياسيين بارزين مثل قضية المعارض المغربي المهدي بن بركة الذي اختفى في فرنسا والمعارض الليبي منصور الكيخيا الذي اختفى في القاهرة والمعارض السعودي ناصر السعيد الذي اختفى لبنان.

يقول الدكتور مصطفى كامل السيد إن تورط بعض الحكومات العربية في تلك الوقائع التاريخية واحتمالات تورط الرياض في قضية اختفاء أو مقتل خاشقجي قد يكون أحد العوامل المسببة للحرج لتلك الدول للتعقيب على قضية الصحفي السعودي.

يتفق مع هذا الرأي الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الذي أضاف بأن "جميع الدول الاستبدادية في العالم صفت خصومها، لكن المختلف هنا أن الجريمة تمت على أرض دولة أجنبية وداخل قنصلية تابعة للدولة في مكان يفترض أن يكون مقدساً وبعيداً عن الشبهات تماماً وهو أمر محرج للغاية لأي دولة أن تعقب عليه".