علاقات » تركي

بالمال والعلاقة مع ترامب.. هكذا صنعت السعودية نفوذها في أمريكا

في 2018/10/23

صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية-

كشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تفاصيل مثيرة عن الطرق التي انتهجتها السعودية لترسيخ نفوذها في أمريكا، مشيرة إلى أن المملكة باعتمادها على المال الذي ضخته بالولايات المتحدة، نجحت في تجنيد العشرات من الكُتاب ومراكز التأثير والجنرالات المتقاعدين، واستفادت أسرة آل سعود من علاقتها المميزة بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي كان بمثابة غطاء كبير لها وداعم لنفوذها.

وتعود الصحيفة إلى الثاني عشر من مارس الماضي، عندما اجتمع السفير السعودي لدى أمريكا، خالد بن سلمان، بمكتبه قبيل زيارة شقيقه ولي العهد، حيث دعا إلى اجتماعه أعضاء سابقين بالكونغرس ممن يُعرف عنهم أنهم جماعات ضغط داخل أمريكا، بالإضافة إلى مستشاره الأمريكي نورم كولمان، العضو السابق بمجلس الشيوخ الأمريكي.

وحاول خالد بن سلمان أن يضع الحضور في خطة عمل ولي العهد الذي سيزور الولايات المتحدة في جولة طويلة، ويبدو أن هذا الاجتماع والجولة التي أعقبته نجحا في تجنيب السعودية عقوبات كان من المقرر أن يفرضها الكونغرس بسبب تورط التحالف العربي بقيادة المملكة في جرائم حرب باليمن.

حيث كانت هناك توجهات لحجب المساعدة الأمريكية للمملكة في حرب اليمن، غير أن اللوبي الذي صنعته السعودية نجح في إعاقة مثل هذا القرار.

النجاح السعودي في التأثير بصاحب القرار الأمريكي لم يكن وليد اللحظة، فهو نتيجة عقود من التعاون الوثيق، حيث نجح تأثير المملكة هذا في مقاومة العديد من الانتقادات التي كانت توجَّه للسعودية، خاصة أن الرياض خصصت مبالغ كبيرة من عائدات النفط لدعم مثل هذه الجماعات. وبحسب مذكرة في عام 2017، فإن المدفوعات السعودية تضاعفت ثلاث مرات عن العام الذي سبقه.

ومرة أخرى تأتي قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتل داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية، يوم الثلاثاء (2 أكتوبر)، على يد فريق اغتيال سعودي مكون من 15 شخصاً، ومرتبط بولي العهد، لتختبر قوة تأثير الرياض ونفوذها داخل واشنطن.

وتتساءل الصحيفة الأمريكية: "هل ستنجح السعودية ودوائرها الخاصة في الإفلات من غضب أمريكا، خاصة بعد أن تواترت العديد من الأدلة على أن قتله كان بأوامر من ولي العهد؟".

وتقول "واشنطن بوست"، إنه إلى جانب الإنفاق السعودي الكبير على تشكيل دوائر ضغط داخل أمريكا، نجحت السعودية في أن تخلق علاقة متينة مع ترامب؛ فلقد عقد الرئيس الأمريكي العديد من الصفقات مع أثرياء سعوديين، فضلاً عن العلاقة الخاصة التي تربط صهره، غاريد كوشنر، مع بن سلمان.

وأوفدت السعودية أيضاً كبار مسؤوليها إلى واشنطن؛ لزيادة التأثير والنفوذ. ولعل من بين من حضر إلى أمريكا نائب رئيس المخابرات الجنرال أحمد عسيري، الذي تمت إقالته مؤخراً؛ بسبب اغتيال خاشقجي، حيث زار مراكز الأبحاث والتقى محللي الدراسات.

وتذكر الصحيفة الأمريكية أن السعودية دعت قادة الرأي والكُتاب الأمريكيين إلى حفل عشاء فخم أُقيم على شرف ولي العهد، في قاعدة أندرو دبليو ميلون، حيث سعى فريق الضغط المحيط بالسفارة السعودية، لتوجيه الدعوات بنفسه؛ لضمان حضور أكبر عدد ممكن.

وفي وقت سابق من هذا العام، قدَّم مسؤولون سعوديون تذاكر سفر على درجة رجال الأعمال لعدد من النجوم والإعلاميين مثل جيك تابر، من "سي إن إن"، وبريت باير من "فوكس نيوز"، وفي وقت رفضت السفارة السعودية الرد على استفسارات "واشنطن بوست"، قال الاثنان إنهما بالفعل تلقَّيا مثل هذه التذاكر.

- زيادة الضغط

وتقول الصحيفة، إنه وخلال العامين الماضيين، كثف السعوديون جهودهم لتعزيز العلاقة مع أمريكا، من خلال الإنفاق بسخاء على أنشطة مختلفة منها شركات استشارات، فبعد أن انخفض الإنفاق السعودي على مثل هذه الشركات إلى 3.14 ملايين دولار خلال عام 2015، ارتفع إلى 7.7 ملايين دولار في عام 2016. وفي 2017، وصل إلى أكثر من 27 مليون دولار، بحسب السجلات العامة.

ومن بين الجهات التي تتقاضى أموالاً سعودية، مجموعة "ماكيون" التي يشرف عليها هوارد بي، الرئيس السابق للجنة القوات المسلحة في مجلس النواب؛ و"بي جي آر" التي أسسها الجمهوريان البارزان إد روجرز وهالي باربور؛ و"جلوفر بارك كروب"، التي أطلقها عدد من الاستراتيجيين الديمقراطيين؛ وشركة "بوديستا غروب"، التي كان يملكها الديمقراطي السابق توني بوديستا.

وفي الأسبوع الماضي، أعلن كل من روجرز وإيسكو اللذين يسهمان في مقالات الرأي بصحيفة "واشنطن بوست"، أنهما فسخا عقدهما مع السعودية بعد أن أبلغتهما الصحيفة أنه لن يكون بإمكانهما الكتابة لديها في ظل علاقتهما مع المملكة.

وبشكل منفصل، تقول الصحيفة، تتدفق أموال الإمارات، الحليف الوثيق للسعودية، على مراكز أبحاث بجميع أنحاء واشنطن، وضمن ذلك مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومعهد بروكينغز ومعهد الشرق الأوسط، حيث أعلنت المراكز الثلاثة الأسبوع الماضي، أنها بصدد مراجعة أو إلغاء عقودها مع المملكة.

معهد الشرق الأوسط، أحد المستفيدين من الأموال السعودية، الذي لطالما وصف نفسه بأنه مصدر غير متحيز ويقدم المعلومة والتحليل، ويرأسه ريتشارد كلارك، الذي سبق أن شغل مناصب عدة خلال فترة رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون.

وبين عامي 2016- 2017، تلقى المركز ما بين مليون إلى أربعة ملايين دولار من السعودية، وفقاً للسجلات العامة، كما تلقى عام 2016 نحو 20 مليون دولار من الإمارات.

ويقول سكوت زوك، المتحدث باسم المعهد، إنهم يوضحون للجهات المانحة أن كُتّابهم مستقلون، وأن المعهد لا يقبل أي تبرع من أي جهة أو فرد أو مؤسسة تسعى لتقييد حريته الأكاديمية.

وتعزو الصحيفة نشاط السعودية لخلق مراكز تأثير في أمريكا إلى فشلها في منع صدرو قانون "جاستا" عام 2016، الذي سمح لعائلات ضحايا 11 سبتمبر برفع دعاوى قضائية على الحكومة بالمملكة، واعتمد الكونغرس القانون على الرغم من رفض الرئيس السابق باراك أوباما والوقوف ضده.

ترامب وعندما كان مرشحاً عن الحزب الجمهوري، وصف قرار أوباما الوقوف ضد "جاستا" بأنه مخجل، لكن صهره سرعان ما أقام علاقة مع بن سلمان والتقاه في البيت الأبيض، وبعد ذلك بأشهر قليلة، أقنع كوشنر، ترامب بجعل السعودية أولى الدول الخارجية التي يتوجّه إليها رغم اعتراضات مسؤولين داخل الإدارة الأمريكية.

ثم توالت الزيارات المتبادلة، فلم يكن ولي العهد هو المسؤول السعودي الوحيد الذي زار أمريكا، وإنما كانت هناك زيارات عدة قام بها مسؤولون كبار، من بينهم عسيري الذي قال للصحفيين هناك، إن ترامب وعد بزيادة التبادل الأمني والاستخباراتي بين البلدين.

كل ذلك جاء في إطار الجهود التي بذلتها السعودية من أجل التأثير وصناعة قوة ضغط داخل مؤسسات القرار الأمريكي، لتواجه الأموال التي أنفقتها المملكة، والعلاقة المميزة بينها وبين ترامب، تحدياً جديداً في ظل الحديث عن أوامر عليا بقتل خاشقجي.