علاقات » تركي

الحريري والقنصل ونجلا خاشقجي.. قضايا كشفت صور أسرارها!

في 2018/10/24

الخليج أونلاين-

تكتسب المشاهد والصور أهمية مضاعفة في القضايا الساخنة، التي يكون فيها قدر كبير من تورية المعطيات، وعدم كشف تفاصيلها.

ويتعامل الجمهور مع هذه المواد على أنها قد تنبئ بشيء معين، ويشرع في تحليلها، لكن ليس بالضرورة أن يكون كل شيء دقيقاً، أو أن يبالغ في بعض الجزئيات أو يهمل تفاصيل أخرى، أو حتى أن تتوصل هذه التحليلات بالنهاية إلى الحقيقة.

وحين تنشر وسائل الإعلام الرسمية في الدول الصور ومقاطع الفيديو تختار مشاهد منتقاة بعناية، ولكن في حال ظهر فيها إشارة لافتة للانتباه، فقد يعني أن هناك حالة أكبر مما جاء بهذه الصور.

وتتعاظم أهمية الصور في حالات تعطّش الجمهور للحقائق، وجرى ذلك مؤخراً بقضية الصحفي جمال خاشقجي، منذ اختفائه، ثم تأكيد اغتياله، حتى زيارة أبنائه للملك السعودي وولي العهد، كما ظهر تحليل الصورة بقضية استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية.

- ارتباك دولة

واختفى خاشقجي عقب دخوله قنصلية بلاده بمدينة إسطنبول التركية بالثاني من أكتوبر الجاري، واتُّهمت القنصلية حينها بإخفائه، ليخرج القنصل محمد العتيبي نافياً التهمة عنهم بمشهد مرتبك.

وحلل كثيرون المشهد بأنه يعكس كذباً وتزييفاً للحقائق، وهو ما أُكّد بعدها، إذ إن خاشقجي اغتيل في القنصلية وقُطّع جسده، ولم تعرف أين جثته.

ومنذ ذلك الحين، منحت إطلالات المسؤولين السعوديين، التي كانت شحيحة منذ اندلاع أزمة خاشقجي، أهميةً كبيرة للمَشاهد والصور الواردة، وتعامل الجمهور معها كقراءة لما يجري، وكأن هناك سراً كبيراً يُفحص من خلال الإيماءات والحركات، وفق ما يقول حسام شاكر، الكاتب والمحلل في الشؤون الدولية وقضايا الاجتماع والمسائل الإعلامية.

ويضيف شاكر لـ"الخليج أونلاين": "واضح أن الموقف الرسمي السعودي ليس في وضع مريح على الإطلاق، والدبلوماسية السعودية غابت عن المنصات، ولم تُحدّث جمهورها المباشر السعودي والعربي ما أوحى بوجود مأزق".

وأثار كل ما يحدث الفضول، وسلّط الأضواء على الصور والمشاهد القليلة التي نُشرت مع التوسع في تأويلها، وكانت هناك إشارات يمكن التقاطها تعكس قدراً كبيراً من الارتباك والاضطراب في التعامل مع الموقف، فالمسؤولون الذين كانوا بالسابق يظهرون إعلامياً في ظروف مريحة، باتوا يظهرون بمواقف مأزومة، وفق ما يرى المحلل.

مشاهد القنصلية مثلاً كانت ذات تأثير كبير، وأعطت انطباعاً يوحي بحالة ارتباك معينة، إذ بدا فيها زيغ للبصر، وعدم تجاوب بشكل جيد بين اتجاه النظر والطرف المخاطب، وكذلك جلسة القنصل وطريقة وضع يديه بعضها فوق بعض، فضلاً عن فتح الخزائن الذي أثار فضولاً كبيراً.

ويعود هذا إلى شيء آخر فضلاً عن إخفاء الحقيقة، وهو يرتبط بالموقف، إذ إن القنصلية كانت مغلقة سابقاً، وبات عليها الآن أن تُكشف للناظرين، وأخفق الإعلام الرسمي بشكل كبير بهذا الأمر.

محمد العتيبي

القنصل

ويقول المحلل شاكر لـ"الخليج أونلاين": إن "القنصلية ذاتها بإسطنبول أصبحت تتصدر أغلفة العالم والصحف من خلال شقي الباب عندما ينفتح قليلاً ويظهر منه رأس يلتفت، وعبّر ذلك بصفة رمزية عن حال دولة بكاملها لا مجرد مقرّ قنصلية صار موضوعاً في بؤرة المتابعة العالمية".

القنصلية

-لاح ونظرات تحدٍّ وحزن

عقب مشهد القنصلية، وتأكيد انكشاف كذب الرواية السعودية بنفيها اغتيال خاشقجي، سارع ناشطون لتحليل مشهدٍ آخر لنجلَي خاشقجي اللذين التقيا بالعاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد "محمد".

وفي كل مرة يكون لدى الجمهور شغف في معرفة الحقائق والتنبؤ بها.

ووسط الشبهات التي تحيط بولي العهد حول مسؤوليته عن عملية الاغتيال، ظهر الملك سلمان ونجله وهما يستقبلان أفراداً من عائلة خاشقجي داخل القصر الملكي، عصر الثلاثاء 23 أكتوبر.

وقالت جهات حقوقية إن صلاح، نجل خاشقجي، أُجبر على لقاء الملك ونجله.

وخلال تحليل الصور التي نشرت لهذا اللقاء، لفت ناشطون ومحللون الانتباه إلى حالة الحارس المسلح الذي يضع يده على سلاحه، بالإضافة إلى صورة ولي العهد واضح لصورة ونظراته غير المتصلة بروح التعازي، ومصافحة صلاح، وعدم شدّ قبضة يده على يد ولي العهد.

وبدا في الصورة ولي العهد واقفاً كالنادم على فعلته، ووالده بجانبه كمن يقول لصلاح لن يحدث هذا مرة أخرى، ويتعهد بذلك، وفق ما قال ناشطون.

بن سلمان

كما ظهر "صلاح" في ثوب دون كَيٍّ، ومن غير العادة أن يجري شخص لقاء مع المسؤولين السعوديين بحالة الثوب الذي يرتديه نجل خاشقجي، وفق ما قال ناشطون.

وفسروا هذه الحالة بأنه إما جُلب على عجل، أو تشاجر معهم رافضاً القدوم.

وكتب مراسل صحيفة "ديلي تلغراف" الخاص بالشرق الأوسط، راف سانشيز ، أن "نجل خاشقجي استدعي للقصر لمصافحة رجل متهم بقتل والده".

وأعرب مجلس جنيف، وهو منظمة حقوقية دولية، في تصريح لـ"الخليج أونلاين"، عن إدانته الشديدة لما قال إنه "فرض السلطات السعودية حظر سفر على عائلة خاشقجي ونجله صلاح الذي أجبر اليوم على تلقي العزاء من قبل الملك السعودي وولي عهده".

وكانت تسريبات دعمت ذلك، منها ما ذكره الناشط السعودي المعارض المقيم في كندا، عمر بن عبد العزيز، بأن السلطات السعودية قامت- منذ مغادرة خاشقجي المملكة- بمنع أسرته وذويه من السفر.

كما كشفت شبكة "سي إن إن" الأمريكية النقاب عن منع السلطات السعودية نجل خاشقجي من السفر خارج المملكة منذ 3 شهور، من خلال إبطال جواز سفره.

ونقلت الشبكة، في 13 أكتوبر الجاري، عن مصادر مقربة من عائلة خاشقجي، أن نجله الأكبر صلاح غير قادر على السفر خارج المملكة، دون إعطائه أي تفسيرات حول أسباب المنع من قبل السلطات السعودية.

بن سلمان

- بدلة الحريري

وتعود الذاكرة عقب هذا اللقاء إلى احتجاز رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في السعودية، بشهر نوفمبر 2017، حين أعلن استقالته من هناك. 

وقبل معرفة ظروف وجوده في السعودية وإعلان استقالته، اتُّهمت المملكة بأنها تحتجزه لديها، وتابع العديد من الصحفيين والسياسيين الصور والمقاطع التي تنشر له خلال وجوده هناك.

ووجهت إحدى الصحفيات اللبنانيات سؤالاً لممثل السعودية في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، خلال لقاء له، حول ملابس الحريري وارتداءه لذات البدلة، ما يشير إلى وضعه رهن الإقامة الجبرية.

ورد عليها العلمي، قائلاً: "لست مسؤولاً عن خزانة ملابس الحريري"، ووصف الاتهامات الموجّهة للسعودية بفرض الإقامة الجبرية عليه، بأنها "مضحكة".

إلا أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كشف بعدها أن الحريري كان محتجزاً في العاصمة الرياض، وقال إنه لو لم تتدخل بلاده في أزمة احتجازه "لربما كانت هناك حرب الآن في لبنان".

وأضاف ماكرون، في حديث لقناة "بي إف إم" الفرنسية عن دبلوماسية بلاده، أن توجهه إلى الرياض لإقناع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بحل أزمة الحريري جعل لبنان يخرج من أزمة خطيرة.

وقدّم الحريري، يوم 4 نوفمبر الماضي، استقالته بشكل مفاجئ من العاصمة السعودية الرياض، مُتهماً حزب الله وإيران بـ"السيطرة" على لبنان، وبقي أسبوعين هناك وسط ظروف غامضة، ليغادرها إلى باريس ومنها إلى بيروت، إثر وساطة فرنسية.

الحريري

وعقب هذه المواقف المتلاحقة، يرى المحلل شاكر أن "الرياض استثمرت عبر العلاقات العامة والإعلام وتحسين الصورة، ثم فجأة باتت تشهد انهيارات جسيمة في صورتها العالمية على مرأى من الجميع".

وبين أن "ما يروي تعطش الجمهور للحقيقة أو يجعله يقتنع بعدم الذهاب بعيداً في تأويل الصورة، هو حصوله على رواية متماسكة من الرياض"، مؤكداً أن "اضطراب الحكايات يدفع الجمهور إلى تشكيل فرضياته ونسج تأويلاته، وخاصة مع وجود إشارات متعددة لما جرى بالقنصلية من قتل وملابسات مفزعة".

وسيواصل الجمهور متابعة الصور والمشاهد التي تتعاقب في هذه القضية الساخنة ومحاولة تأويلها على طريقته، خاصة إن واصلت القيادة السعودية احتجابها، وهو ما ظهر بوضوح في إلغاء كلمة ولي العهد في مؤتمر مستقبل الاستثمار الذي انطلقت أعماله الثلاثاء، ما سيحفز الجمهور على التقاط إشارات أكثر، وإن لم تكن قطعية الدلالة إلا أنه يُستأنس بها، وفق ما يرى شاكر.

ويقول في هذا السياق أيضاً: "نلاحظ بوضوح الفجوة الهائلة بين الصور الرسمية الدعائية النمطية التي تدفع بها العواصم العربية، والصور التي يبدو بها المسؤلوون في لحظات الحقيقة الصعبة؛ الأولى منمقة ومختارة بعناية، والثانية تعكس صورة الواقع، وهو ما يتضح مثلاً في الموقف الحرج للغاية الذي ظهر فيه القنصل".