الخليج أونلاين-
خلال مدة شهر، ومنذ اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول، تعاملت السلطات التركية مع القضية بدرجة عالية من الدبلوماسية مع سلطات المملكة، ولكن مع استمرار أجهزتها المختلفة التحقيق في القضية من أجل الوصول للحقيقة الدامغة حول جميع من لهم علاقة بالجريمة، وتكرار مطالبتها للرياض بإعلان "من أعطى الأوامر؟".
وعملت القيادة السياسية التركية خلال الأيام التي تلت اغتيال خاشقجي، ضمن الأساليب المعمول بها بين الدول حول عمل السفارات، إذ دخلت القنصلية بعد الحصول على إذن من السلطات السعودية (رغم تأخره لأيام)، وفتشت منزل القنصل، والسيارات السعودية، بعد الحصول على نفس الإجراء.
وبعد كل هذه الإجراءات القانونية للتركيا، جمعت دلائل وحقائق دامغة حول الجهة التي تقف وراء قتل خاشقجي، وسربت الكثير من المعلومات للصحافة، حول فريق الاغتيال السعودي المكون من 18 شخصاً جميعهم يعملون في الدولة، وهي التسريبات التي أكدتها لاحقاً الاعترافات السعودية أو البيانات الرسمية التركية.
ويوم الأربعاء، أعلن المدعي العام التركيوفي بيان رسمي، أنه تم تقطيع جثة خاشقجي بعد مقتله "خنقاً" والتخلص منها، مؤكداً أنه سأل النائب العام السعودي عن مكان الجثة ولم يحصل على إجابات.
التقطيع والقتل والتخطيط للعملية ثم إخفاء الجثة، لم يكن بداية سوى تسريبات تصدرها وسائل إعلام أجنبية وتركية، وهو ما بات اليوم حقيقة وباعتراف سعودي ولو جزئياً، فيما كان الحديث عن تورط مسؤولين كبار توقعات أكدتها الإقالات التي نفذها الملك سلمان، والتغييرات المحورية في جهاز الاستخبارات.
ولم توجه السلطات التركية طيلة الفترة التي تلت إقرار السعودية بارتكابها جريمة قتل خاشقجي، اتهامات رسمية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بل اكتفت بالتلميح بوجود أدلة تدين شخصية كبيرة بالجريمة، وصفت بـ"رأس الهرم" بالسلطة.
ويبدو أن كل الإرهاصات وأصابع الاتهامات التي تلمح عنها تركيا، تدور حول شخصية ولي العهد بن سلمان، كون فريق الاغتيال يضمن شخصيات مقربة منه، كالعقيد ماهر المطرب الذي أجرى عدة اتصالات به خلال تنفيذ عملية الاغتيال.
وجاءت آخر التلميحات التركية عن طريق حزب العدالة والتنمية الذي ينتمي له الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان بأن جريمة قتل خاشقجي، "تصرّف لا يمكن تنفيذه دون توجيهات من مناصب عليا".
إجراءات لم تعتق رقبة بن سلمان
ولم تعتق الإجراءات الرسمية للديوان الملكي رقبة بن سلمان من تحمل مسؤولية القتل، من خلال تقديم عدد من الشخصيات كـ"كبش فداء" لقضية خاشجقي، كان أبرزها المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب رئيس الاستخبارات العامة، أحمد عسيري.
ويعد تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحليف الأقوى والأقرب لبن سلمان، الأخير حول إمكانية تحمله المسؤولية والذي قال فيه إن: "الشخص الذي يدير مثل هذه الأمور بالسعودية على هذا المستوى، هو الأمير محمد؛ ومن ثم إذا كان هناك أحد له علاقة بالحادث فسيكون هو".
وأمام هذه الأدلة القوية، والضغط الدولي الكبير، وإمكانية إعلان تركيا رسمياً تورط بن سلمان بعملية الاغتيال في الفترة القادمة، تكون القيادة السعودية قد دخلت في أزمة كبيرة كون ولي عهدها متهم في القتل أمام العالم.
وهنا يتوقع قيام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز عزل ابنه، تماشياً مع مطالب العالم كحد أدنى في تهدئة الحلفاء والأعداء، والحفاظ على ما تبقى من حكمه للسعودية المأزومة في هذه الأيام، والتي تمر بالعديد من الأزمات كحرب اليمن، وقضية حقوقية الإنسان الداخلية.
ويبدو أن هذه الفرضية بدأ العمل عليها من الآن في السعودية بالتوافق مع الولايات المتحدة التي وجدت بالفعل بديل لولي العهد الحالي، وهو الأمير السعودي المعارض أحمد بن عبد العزيز الذي وصل إلى العاصمة الرياض بعد عام من الغياب، بضمانة أمريكية.
وستكون الأنظار متجهة هذه الأيام صوب الأمير أحمد وهو الشقيق الأصغر للملك سلمان، وإمكانية تنصيبه ولياً للعهد بديلاً لبن سلمان، وكخروج من أزمة اغتيال خاشقجي، وإرضاء العالم من خلال هذه الصفقة.
وتعزيزاً لإمكانية تنصيب الأمير أحمد، اجتمعت هيئة البيعة في السعودية سراً لاختيار ولي لولي العهد الجديد، في ضوء الضغوط الدولية المتزايدة التي سبَّبها مقتل خاشقجي،
ويريد الأمير المعارض أداء دور في إحداث تغييرات، والتي تعني إما أنه سيقوم بنفسه بدور محوري بأي ترتيبات جديدة (داخل البيت الملكي)، أو أنه سيساعد باختيار بديل عن بن سلمان، وفق موقع "ميدل إيست آي" البريطاني،
وبالعودة إلى التحقيقات التركية في قضية مقتل خاشقجي، بات من المتوقع أن تأخير كشفها لكامل الحقائق حول القضية يتم بتنسيق مع الولايات المتحدة الأمريكية التي أعطت القضية اهتماماً واسعاً من خلال إرسالها لفريق تحقيق مختص، وتواصل سياسي مستمر.
وهنا يظهر للعالم عودة العلاقات التركية الأمريكية التي شهدت اضطرابات مؤخراً بسبب قضية القس أندرو برونسون الذي أفرجت عنه في تركيا بعد عامين من الاحتجاز بسبب قضايا تتعلق بالإرهاب.