علاقات » تركي

السعودية في فم التنين فهل يستمر الرهان على ترامب؟

في 2018/11/08

مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-

تحدثت صحيفة "واشنطن بوست" في واحدة من تعليقاتها حول أزمة مقتل خاشقجي أن "سياسة غض النظر التي مارستها واشنطن عن الأعمال التي يقوم بها محمد بن سلمان هي التي شجعته على المضي في استباحة كل القوانين والاندفاع نحو تجاوز كل الحواجز لاطمئنانه بأن أحداً لن يجرؤ على محاسبته".. هذا الاستنتاج ليس موجّهاً إلى ولي العهد بقدر ما هو انتقاد لسياسة ترامب، ولكنه للأسف شكّل قاعدة استند إليها كل من يهاجم ابن سلمان، واندفع إليها معظم العواصم الأوروبية ومعها تركيا التي تبدو مطمئة أنها ستخرج من المنازلة منتصرة، حتى لو جاءت نهاية الملف بموجب تسوية سياسية أو مالية، ولكن في الخلاصة لا يمكن لأي أحد في البلاط الملكي الاختباء خلف أصبعه، خصوصاً مع الاعتراف الرسمي بضلوع مسؤولين مقرّبين من ابن سلمان في الجريمة.

مقتل خاشقجي في البازار الانتخابي

أما وبعد أن حطّت الإنتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأمريكية رحالها، وبعدما تبدّت خارطة التمثيل الطاغي للجمهوريين في مجلس الشيوخ وللديمقراطيين في الكونغرس، ها هي قطعان الأفيال والحمير قد لملمت أنفاسها بعدما ألهبت الإعلام العالمي والرأي العام الأمريكي، في حملات غير مسبوقة على مستوى التجييش وصرف الأموال الطائلة، وبدأت تدرس خياراتها الدستورية والسياسية في المرحلة المتبقية من عهد الرئيس دونالد ترامب، سواء على مستوى تطوير النظم والقوانين الداخلية أو الملفات الخارجية، ومنها الملف العربي (الخليجي – السعودي)، الذي كان على مدى الشهور الماضية مدار شدّ وجذب، وشعاراً استهلاكياً في خطابات المنابر قاد الناخبين إلى صناديق الاقتراع، فماذا جنى العرب من حلبة الصراع الأمريكية؟!

السعودية.. حراك مضطرب

لا شيء تغيّر، وأي شيء لن يتغيّر في واقع كون العرب مطيّة دائمة في مشاريع الشرق والغرب، الأوروبي سابقاً والأمريكي حالياً وما بينهما الصيني والروسي، وتتجلّى هذه الحقيقة اليوم في مجريات الصخب الإعلامي – السياسي الذي انطلق من دويّ جريمة قتل الصحافي التركي الأصل، الأخواني الهوى جمال خاشقجي، حيث لم يبقَ أحد على وجه البسيطة إلا وأدلى بدلوه باتهامات ومواقف ومطالبات إجراء تحقيقات واقتياد المجرمين إلى العدالة، فيما يدور في المملكة حراك مضطرب يفتش عن مخرج لأزمة قنصلية اسطنبول.. هذه الأزمة التي تقاذفتها دماء خاشقجي وأعضاؤه المقطعة وأشلاء جثته المختفية، فكأن البصمات قد امتدّت من تركيا إلى واشنطن والعواصم الكبرى لتنتشر في أروقة قصور الملك وولي العهد والأمراء ومكاتب المؤسسات العسكرية والأمنية في السعودية، لتلطّخ تاريخها وحاضرها ولا توفّر المستقبل.

ابن سلمان في فوهة البركان

وتبدو المملكة اليوم في واحدة من أسوأ أوضاعها، تفوق في سوئها مرحلة المخاضات العسيرة التي عاشتها في بدء تشكّلها، وما رافقها من انقلابات وحروب داخلية ما بين أبناء البيت الواحد، وبين القبائل التي انضوت أخيراً تحت المظلّة السعودية؛ وما يسبغ على الواقع الحالي قتامته أن المملكة باتت اليوم ساحة مفتوحة للابتزاز السياسي والمالي من كافة جهات الأرض، والأمور مرشّحة للانحدار أكثر مع ازدياد الضغوط الداخلية والخارجية على الحكم، وبالأخص على ولي العهد محمد بن سلمان الذي اختصر بشخصه كل مقوّمات الملك ومفاصل القرار وأمسك بزمام الحكم، وبالتالي وضع نفسه في واجهة التحدّيات وفي فوهة البركان، ومن هنا يمكن أن نفهم الحملة الشعواء التي يتعرّض لها شخصياً، ليس فقط على خلفية مقتل خاشقجي وضلوعه في إعطاء الأوامر بتنفيذ العملية، بل أيضاً باستمرار الحرب على اليمن فضلاً عن عدم رضا الغرب عن الإصلاحات التي أجراها ويجريها في أنظمة المجتمع السعودي، واتهامه بضرب الحريات وانتهاك حقوق الانسان وعدم السماح بحرية التعبير واعتقال الناشطين وسجن المعارضين لحكمه.

السعودية بيدق على رقعة شطرنج

لطالما بالغ ترامب في ابتزاز السعودية منذ أن تسلّم الحكم في الولايات المتحدة، لا بل كان الابتزاز في صلب سياسته الإنتخابية التي قادته إلى الرئاسة، وكرّرها في حملة الانتخابات النصفية الأخيرة سعياً لاجتذاب أصوات الناخبين، ولكن التاريخ يسجّل أن هذه السياسة إزاء السعودية كانت معتمدة لدى كل الرؤساء الأمريكيين منذ إنشاء المملكة واكتشاف الذهب الأسود فيها، ولم يزهد الملوك السعوديون في إغداق أي مطلب كان يمليه عليهم هؤلاء الرؤساء بناءً على اتفاق يكفل بقاء المملكة واستقرارها، وتأمين سبل تطوّرها نظامها السياسي والإداري والاجتماعي ودعمها بالمقدّرات الأمنية والعسكرية، ولكن لم يسبق أن تعرّضت المملكة أو أحد من ملوكها لهجمة من هذا النوع قد تطال جوهر وأصل وجودها وتشكيل بنيتها، فما الذي تغيّر؟! وما هو الهدف من هذه الهجمة؟!

إن الإجابة على هذين السؤالين تقودنا إلى تلمّس ما سيلي هدوء العاصفة، ولا يبتعد أي تغيّر في هذا المجال عن احتمال تغيّر أداء الإدارة الأمريكية مع انتصار الديمقراطيين، نظراً لارتباط أي معطى داخلي في السعودية بالسياسة الخارجية لواشنطن، فهل سيبقى ترامب داعماً لابن سلمان، مع الأخذ بعين الاعتبار توصية رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بذلك؟ أم أن النيران المستعرة في ملف خاشقجي لن تهدأ إلا بالتضحية برأس كبير في حكم المملكة؟ وعلى أي حال، وبقطع النظر عن المآل التي ستصل إليه هذه القضية، فإن المطلوب اليوم سعودياً إعادة نظر واقعية بكل المرحلة السابقة، وأخذ العبر من التداعيات التي نشأت بفعل الإجراءت التي اتخذها ابن سلمان في كل الملفات الداخلية والخارجية، والنظر إلى خارطة المنطقة من زوايا مختلفة، وعليه أن يعي أن مصالح الدول الكبرى لن تقف عند رغبته أو انفعالاته، ولن تندفع إلى ضرب معادلة التوازن في العلاقات الدولية، فما المملكة السعودية على رقعة شطرنج الدول الكبرى إلا بيدق تستخدمه في مسرح المواجهة، ولا تتورّع عن التضحية برأسه حين يستلزم الأمر ذلك.