الخليج أونلاين-
بدأت الأدلةُ تتكشّف شيئاً فشيئاً على تورّط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، في إعطاء الأوامر بقتل الصحفي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول، بالثاني من أكتوبر الماضي، بعد أن أعلنت السعودية، رسمياً، تورُّط المقربين منه في الجريمة.
وطالبت النيابة العامة في السعودية، الخميس (15 نوفمبر)، بإعدام خمسة متهمين بجريمة قتل خاشقجي، معلنة أن الآمر باستعادته إلى الرياض هو نائب رئيس الاستخبارات السابق أحمد عسيري، وأن الآمر بقتله هو "قائد المهمة" الذي لم تسمِّه، وأن المستشار في الديوان الملكي سعود القحطاني (لم تسمِّه، لكنه أُقيل من مناصبه كافة مؤخراً، وأكدت تقارير ضلوعه في الأمر) شارك بالتنسيق في العملية.
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الاثنين الماضي، نقلاً عن ثلاثة أشخاص على صلة بالتحقيقات في مقتل خاشقجي، أن الضابط السعودي ماهر المطرب (أحد المتهمين الـ21، والآمر بعملية الاغتيال رغم عدم إعلان ذلك رسمياً) اتصل هاتفياً من إسطنبول بمساعد لوليّ العهد السعودي، طالباً منه إبلاغ رئيسه أن "المهمّة أُنجزت"، وهو ما يؤكد وصول الخبر لبن سلمان الذي أكد في في تصريحات نفتها الرياض لاحقاً أن خاشقجي غادر القنصلية ولا علاقة لرجاله بالأمر.
ويُعتقد أن الضابط السعودي المرافق لبن سلمان ماهر المطرب، هو من قاد فريق اغتيال خاشقجي، بعد أن كشفت صور، نشرتها صحيفة "ديلي صباح" التركية في 18 أكتوبر الماضي، تحركاته المتزامنة مع الحادثة.
وعلى الرغم من أن اسم ولي العهد لم يرِد في التسجيل، فإن المخابرات الأمريكية –وفق "نيويورك تايمز"- تعتقد أن كلمة "رئيسك" كانت إشارة إلى ولي العهد السعودي.
ووصف ضباط استخبارات سابقون أقوال ماهر المطرب بأنها أقوى "الأدلة الدامغة" في القضية.
وكان الضغط الدولي دفع السعودية إلى إقرارها بالمسؤولية عن مقتل مواطنها، وإعلانها توقيف أشخاص وإقالة آخرين، بعد 18 يوماً مرّت على الجريمة التي هزّت الرأي العام العالمي.
وماهر عبد العزيز المطرب كان واحداً من بين 21 شخصاً، أعلنت الرياض توقيفهم، للاشتباه بهم في ارتكاب جريمة قتل الصحفي السعودي، ورفضت النيابة السعودية، اليوم، إعلان اسمه واكتفت بـ"قائد المهمة"، لكنها أعلنت المطالبة بإعدامه مع 4 آخرين.
وحسب الرواية التي نشرتها وكالة الأنباء الرسمية مؤخراً، فإن "التحقيقات أظهرت أن المناقشات التي تمّت بينه وبين الأشخاص الذين قابلوه أدّت إلى شجار واشتباك بالأيدي"، لكنها أعلنت اليوم الخميس، أنه كشف عن قتل خاشقجي بعد عراك وشجار وتقييده وحقنه بجرعة مخدرة، مبينة أن فريق الاستعادة "قدّم تقريراً كاذباً في البداية".
وعطفاً على تصريحات الوكالة، خرج مصدر سعودي ليقول: إن "الشخص (لم يذكر هويته) الذي تشاجر مع خاشقجي ذهب لمقابلته بعد ظهور مؤشرات تدلّ على إمكانية عودته للبلاد".
وبينما لم يشر المصدر إلى هوية الشخص، أكّدت وكالة "رويترز"، نقلاً عن مصدر سعودي، "اختيار الضابط (المطرب) لعملية التفاوض مع خاشقجي للعودة إلى أرض الوطن".
بدورها، أشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى "المطرب" باعتباره أحد المشتبه بهم في الجريمة. وقالت إنه كان دبلوماسياً بالسفارة السعودية في لندن، عام 2007.
من هو "المطرب"؟
بعد أيام من نشر صور المشتبه فيهم على وسائل إعلام تركية، انفردت صحيفة "صباح" بنشر صورة ملتقطة بكاميرا مراقبة، قالت إنها لتحرّكات "المطرب" في أثناء الدخول إلى القنصلية والخروج منها.
كما "نشرت نيويورك تايمز" صوراً، قالت إنها لأحد المتهمين بقتل خاشقجي، ويُدعى ماهر عبد العزيز المطرب، برفقة وليّ العهد السعودي خلال زيارته واشنطن، في مارس 2018، ومدريد وباريس، في أبريل 2018.
"المطرب"، (وُلد 1971)، يعمل برتبة عقيد في الاستخبارات السعودية، وسبق أن عمل بالسفارة السعودية في لندن سنتين، وبعدها غادر وحلّ محله المقدّم راجح البقمي مديراً لمكتب الاستخبارات في السفارة.
وعن علاقته بالجريمة، فإن المعلومات تقول إنه جاء ضمن الفوج الأول من فريق الاغتيال، وتشير ترجيحات إلى أن مهمّته كانت التحقيق مع خاشقجي؛ نظراً إلى طبيعة عمله في جهاز الاستخبارات.
هذا الرجل، كما جاء في تقرير الصحيفة، يُعتبر مقرّباً من بن سلمان، وهو من بين الأشخاص الذين حدّدت السُّلطات التركية أنهم ضمن المشتبه فيهم.
وحسب تقرير لشبكة "CNN" الأمريكية، فقد نقل عن مصدر موثوق قوله: "إن الضابط رفيع المستوى مقرّب من الدائرة الداخلية لولي العهد السعودي".
وتحدثت وسائل إعلام تركية مؤخراً، عن أن "المطرب أجرى 19 اتصالاً مع السعودية يوم قتل خاشقجي؛ منها 4 مع مكتب سكرتير بن سلمان"، مؤكّدة أنه "منسّق العملية"، وأنه "تم استئجار الطائرتين باسمه".
خبير التجسس
شبكة "BBC" البريطانية، وفي إطار ما وصفته بتفاصيل مثيرة عن "المطرب"، قالت إنه أحد أعضاء الفريق المكون من 15 سعودياً والمشتبه بتورطهم في مقتل خاشقجي (أعلن لاحقاً أنهم 21 متهماً).
ونقلت عن مدرب أوروبي أشرف على تدريب "المطرب" على القرصنة التكنولوجية، قوله إنه قُدّم إليه بصفته "عميلاً في الاستخبارات الأمنية".
التدريب، حسب "BBC"، شمل عدة مواضيع مثل إصابة أجهزة كمبيوتر الشخصيات المستهدَفة، بفيروسات لغرض التجسس، والحصول على معلومات عن تلك الشخصيات.
وهذه المعلومات تشمل كل شيء عن الشخصية، من تحديد أماكنها ومحادثاتها من خلال التنصّت بميكروفون الجهاز نفسه، وكشف صورها وملفاتها وبريدها الإلكتروني وشبكة اتصالاتها، وكل شيء متعلّق بها.
وحسب المصدر نفسه، فإن "المطرب قضى أسبوعين عام 2011 يتلقّى التدريب على استخدام التكنولوجيا، حتى تستطيع الحكومة السعودية تنفيذ هجمات على الهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بمواطنيها".
وكان المشتبه فيه، خلال التدريب الذي جرى في مجمع عسكري بضواحي الرياض، كما يقول المدرب، "يأتي ويذهب، وكنا نطلق عليه الوجه المظلم؛ لأنه كان دائم العبوس، لقد كان يلتزم الصمت دائماً".
ومضى: "إنه لم يكن بارعاً في الجانب الفني. فقد قُسم الفريق إلى مجموعة تقوم بعمليات الاستخبارات، وأخرى كانت تُجري أعمال الرصد الرقمي، وأعتقد أنه (المطرب) كان ينتمي إلى المجموعة الأولى أكثر من الثانية".