ياسين السليمان - الخليج أونلاين-
تثير التحركات السعودية والإمارات ضد تركيا، خلال الأشهر القليلة الماضية، الكثير من التساؤلات عن أهداف الرياض الحقيقية التي تكمن وراء دعمها لأكراد شمالي سوريا، رغم فشلها في تحقيق أي اختراق لجبهة نظام الأسد من خلال دعمها لفصائل مسلحة منذ اندلاع الثورة السورية قبل نحو 7 سنوات.
صحيفة "يني شفق" التركية كشفت عن إرسال كلّ من السعودية والإمارات قوات عسكرية نحو مناطق سيطرة التنظيمات الكردية الانفصالية شمالي شرقي سوريا.
وبحسب ما ذكرت الصحيفة المقربة من الحكومة، اليوم الأربعاء (21 من نوفمبر)، فإن هذه القوات انتشرت في مناطق سيطرة التنظيمات الكردية تحت غطاء القوات الأمريكية الموجودة هناك، والتي بدورها تدعمها عسكرياً.
يأتي الحديث عن قوات سعودية - إماراتية في شمالي شرقي سوريا، وسط استعداد القوات التركية لشنّ عملية عسكرية موسعة إلى جانب قوات المعارضة السورية التي تدعمها أنقرة ضد التنظيمات الكردية الانفصالية.
وسبق أن صرّح وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، في أكثر من مناسبة أنّ بلاده مستعدة لإرسال قوات إلى شمال شرقي سوريا في حال طلبت واشنطن أو قوات التحالف الدولي ضدّ "داعش" ذلك.
وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد كشف، يوم الاثنين الماضي، عن أن رتلاً من قوات تابعة لدولة عربية خليجية وصل مؤخراً إلى منطقة خطوط التماس بين "قوات سوريا الديمقراطية" وتنظيم "داعش" في ريف دير الزور، ثم خرج من تلك المنطقة بعد ساعات.
- عمليات عسكرية
وفي حرب لم تتجاوز بمجملها عاماً واحداً، حققت أنقرة ما لم يحققه تحالف واشنطن المناهض لتنظيم داعش في ثلاث سنوات؛ إذ هاجمت القواتُ التركية مع الجيش السوري الحر عدداً من المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم داعش ومليشيات كردية تعتبرها تركيا "إرهابية"، شمالي سوريا وغربي الفرات، ومدعومة أمريكياً، حيث انتهت العملية العسكرية بطرد التنظيمات المسلحة من الحدود السورية التركية.
وقد شنت تركيا خلال العامين الماضيين عمليتين عسكريتين شمالي سوريا؛ الأولى "درع الفرات"، التي بدأت في أغسطس 2016، وانتهت نهاية مارس 2017، بتحرير مدينة جرابلس ومدينة الباب من تنظيم داعش، وأغلقت الباب أمام تقدم قوات سوريا الديمقراطية- المدعومة أمريكياً- نحو الحدود التركية، ومهَّدت الطريق أيضاً أمام "معركة منبج"، التي تُعتبر فاصلة مهمة في العلاقات التركية-الأمريكية.
أما العملية العسكرية الثانية فهي عملية "غصن الزيتون"، التي بدأت 20 يناير 2018، وانتهت فعلياً بداية شهر مايو من العام نفسه، بتحرير منطقة عفرين من التنظيمات المسلحة الكردية المدعومة من واشنطن، بالإضافة إلى تنظيم داعش، واستطاعت تركيا من خلال العمليتين تأمين جزء كبير من حدودها مع سوريا بعد طرد تنظيمات (PYD /PKK /YPG).
فتحت العمليات العسكرية التركية على الحدود مع سوريا في ذلك الوقت الباب أمام أزمة دبلوماسية خطيرة بين واشنطن وأنقرة، حيث أغلقت الأخيرة أحد أهم منافذ التدخلات أو التهديدات الأمريكية للأمن القومي التركي، من خلال استخدام المليشيات الكردية في استهداف محافظات تركية محاذية لسوريا عسكرياً وديمغرافياً.
وفشلت معظم الجهود الدبلوماسية في إذابة الجليد بين أنقرة وواشنطن، وتضاربت مصالح بقاء القوات الأمريكية شمالي سوريا مع انسحابها، وأعلن الرئيس الأمريكي أن بلاده تعتزم الانسحاب من شمالي سوريا، بدعوى أنه يتبع سياسة تقليص القواعد العسكرية خارج الولايات المتحدة؛ للمحافظة على النفقات المالية، واقترح نشر قوات عربية بدل الأمريكية.
إلا أن وزارة الدفاع الأمريكية اعترضت بشدة على قرار ترامب، لا سيما بعد إبداء محمد بن سلمان، ولي العهد السعوي، استعداد الرياض لتحمُّل نفقات القوات الأمريكية والمليشيات الكردية شمالي سوريا، ليُغيِّر الرئيس الأمريكي رأيه بموضوع انسحاب قوات بلاده من شمالي سوريا، داعياً دول الخليج- خصوصاً السعودية- إلى دفع الأموال أو إرسال قوات عربية، بحسب ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، في 17 أبريل 2017.
- أموال دول الخليج حاضرة!
الصحيفة الأمريكية أشارت أيضاً إلى أن واشنطن طلبت من دول خليجية، منها السعودية والإمارات، المساهمة بمليارات الدولارات لإعادة إعمار الشمال السوري، وإرسال قوات عسكرية، لتبدي الرياض استعدادها بعد ذلك لدعم هذه التحركات، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، الذي أكد أن بلاده "تحافظ دائماً على الوفاء بحصتها من المساهمات المالية، وتحمُّل المسؤولية والعبء".
وتعد السعودية من بين 9 قوى ترتبط مصالحها بشمالي سوريا، فضلاً عن تناقض مصالح واستراتيجيات 8 قوى دولية ومحلية أخرى متصارعة على النفوذ والسيطرة؛ وهي القوات الأمريكية والفرنسية والروسية والتركية وقوات النظام السوري وإيران والقوى الكردية بمختلف توجهاتها، ودخلت الإمارات على خط الأزمة أيضاً، ما قد يُشكل تهديداً فعلياً بنشوب صراع دولي قرب الحدود التركية-السورية، التي تعاني دوامةً من الصراع منذ أكثر من 7 سنوات.
وعن وجود قوات عربية أو تقديم دعم خليجي للأكراد، اعتبر الخبير بالشؤون العربية-التركية سعيد الحاج، أن الشمال السوري "مهم جداً للأمن القومي التركي، وتحديداً فيما يتعلق بملف الإرهاب، والمنظمات المصنَّفة على قوائم الإرهاب التركية"، مضيفاً أنه قد "تكون هناك نظرةُ ريبة تركية- إن صح التعبير- تجاه هذا المخطط، وما المقصود منه في نهاية المطاف".
واعتبر الحاج، في حديث سابق مع "الخليج أونلاين"، أن "مقترح (إرسال قوات عربية) أمامه تحديات عسكرية ولوجيستية وسياسية كبيرة، ربما الأقرب للفهم أن تكون هناك مشاركة عربية من نوع ما، أو مشاركة في التمويل أكثر منها في الوجود العسكري".
ويضيف الحاج: "صحيح أن تركيا تفضل وجود أي قوة عسكرية في الشمال السوري عدا الفصائل الكردية المسلحة، وستكون أهون عليها وأخفّ على أمنها القومي، لكن واضح جداً أن الدول التي ذُكرت، أو معظمها على الأقل، إن كانت السعودية أو الإمارات أو مصر وغيرها، تصنف تركيا بطريقة معينة، وهي غير راضية عن سياستها، وتهاجمها سياسياً وإعلامياً؛ ومن ثم فقد تفترض تركيا أن هناك محاولة لمواجهتها- ولو ضمنياً- بفكرة وجود قوات عربية في شمالي سوريا".
- صراع الأموال السعودية مع نجاح تركيا
يبدو أن نجاح العمليات العسكرية التركية في تأمين حدودها وطرد المليشيات الكردية، التي تتلقى دعمها المالي واللوجيستي من أمريكا، قد أحرج حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط، خصوصاً السعودية والإمارات، الذين يرون أن نجاح أي اختراق أو نفوذ تركي جديد في المنطقة يكون على حساب مصالح محور واشنطن-الرياض-أبوظبي.
وأثار إبداء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، وولي العهد السعودي، رغبة بلادهم في إبقاء القوات الأمريكية شمال سوريا، مقابل تعهدات بعدم التخلف عن دفع كل النفقات المالية لتلك القوات، أثار استغراب كثير من المراقبين والمتابعين للشؤون الإقليمية، متسائلين عن دوافع الرياض وقتالها الدبلوماسي من أجل إبقاء قوات أجنبية قرب الحدود مع تركيا، فضلاً عن زيارة بعض المسؤولين السعوديين لقيادات من قوات سوريا الديمقراطية، وقواعد عسكرية أمريكية خلال الشهر الماضي.
والدعم الخليجي للأكراد شمال سوريا يعتبر ظاهرة جديدة بالنسبة لدولة مثل السعودية، التي لا تربطها أي مصالح معلنة مع الأكراد، رغم فشلها الذريع في تحقيق أي من أهداف دفع أموال طائلة لفصائل سورية مسلحة.
ويرى مراقبون أن محور واشنطن-أبوظبي-الرياض يسعى من خلال تقديم الدعم للمليشيات الكردية شمالي سوريا، وإبقاء القوات الأجنبية، إلى سد الأبواب أمام العملية العسكرية التي تعتزم تركيا إطلاقها قريباً ضد المليشيات الكردية و"داعش" في منطقة منبج، والتي تُمثل دفعة قوية بالنسبة إلى أنقرة في إنهاء صراع القوات التركية مع حزب العمال الكردستاني وأجنحته قرب الحدود العراقية والسورية.
فإطالة أمد الصراع بين القوات التركية والمليشيات الكردية، بدا واضحاً أنه يخدم مصالح دول مثل الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية والإمارات في الوقت الحالي، بحسب مراقبين، حتى لا يتوجه نفوذ السياسة التركية وقوتها الاقتصادية والأمنية والعسكرية نحو خصومها خارج منطقتها الجغرافية.
واعتبر الكاتب التركي إبراهيم قراغول، في مقال نشره (19 أبريل 2018) في صحيفة "يني شفق" التي يرأس تحريرها، أن دعم المليشيات الكردية في مناطق شمالي سوريا، هو "مخطط غربي لدعم التنظيمات الإرهابية، ولا علاقة له بمواجهة نفوذ إيران، وقد يؤدي لحرب عربية- تركية"، مشيراً إلى أنهم "جهزوا أنفسهم لتنفيذ مخطط عملية مخيفة جديدة خشية أن تتجه تركيا نحو شرق الفرات بعد عملية غصن الزيتون في عفرين".
وكانت الرياض قد أعلنت، في وقت سابق، عدم ممانعتها إرسال قوات عربية إلى الشمال السوري في ظل تحالف كبير، وهو أمر يراه كثيرون بعيداً عن المنطق، لكون دول مثل السعودية ومصر والإمارات، تمر بأزمات داخلية وخارجية، في حين يرى مراقبون أن واشنطن قد تضغط على هذه البلدان للانخراط في أزمة جديدة قد تدفعهم إلى فعل ما يكرهون.
- 200 دولار شهرياً
السعودية التي لم تجنِ، طيلة العقود الماضية، غير النتائج السيئة والمعاكسة لخططها من وراء دعمها الخارجي للجماعات المسلحة، يبدو أنها لم تتعظ، فبعد طالبان وتنظيم القاعدة في أفغانستان، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن، والفصائل المسلحة في العراق وسوريا ودول أخرى، بدأت بتجربة جديدة؛ وهي دعم الأكراد شمال سوريا.
وذكرت وكالة الأناضول (29 مايو 2018) أن ثلاثة مستشارين عسكريين سعوديين التقوا، الجمعة (25 مايو 2018)، مسؤولين في حزبيْ الاتحاد الديمقراطي الكردستاني والعمال الكردستاني، اللذين تعتبرهما تركيا تنظيمين إرهابيين، في القاعدة الأمريكية بـ "خراب عشق" جنوبي مدينة عين العرب (كوباني) شمال شرقي سوريا، لتؤكد مصادر قناة "الجزيرة" انضمام عسكريين إماراتيين إلى الاجتماع.
وتهدف زيارة المسؤولين السعوديين- بحسب الوكالة التركية- إلى تأسيس وحدات عربية في المنطقة نواتها فصيل الصناديد، أحد الفصائل المنضوية تحت ما يسمى قوات سوريا الديمقراطية، مقابل حصول كل منتسب لهذه الوحدات على مئتي دولار شهرياً، حيث سيتم إنشاء نقاط ارتباط في الحسكة والقامشلي لاستقبال وتسيير أمور المنتسبين.
ونقلت الوكالة عن مصادر محلية أن السعودية أرسلت مساعدات، في أبريل الماضي، لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، في سوريا، مشيرة إلى أن الوزير السعودي لشؤون الخليج العربي، ثامر السبهان، زار في أكتوبر الماضي مدينة الرقة التي يسيطر عليها الحزب، والتقى مسؤولين أمريكيين فيها.
والدعم السعودي يأتي في ظل رفض تركيا القاطع لأي تدخل دولي لدعم قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردية، وتعتبره دعماً لمنظمة إرهابية، وخطأ كبيراً كما هو الحال مع الأمريكيين والفرنسيين الذين قدموا مساعدات لتلك القوات في منبج، وترى أنقرة أن تلك الوحدات هي الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني الذي يشن تمرداً دامياً على الأراضي التركية منذ عام 1984.