الخليج أونلاين-
فتحت أول زيارة خارجية لرئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز إلى تركيا، الباب على التكهنات حول طبيعة التحولات في العلاقات والتحالفات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، فعمّان محسوبة على المحور السعودي الإماراتي الذي سعى حثيثاً للتأثير سلباً على الدور الإقليمي لأنقرة، كما تورط في مسلسل حصار قطر سيء الإخراج.
وفي ظل الأزمة الاقتصادية المستحكمة التي تمر بها المملكة الأردنية وخذلان الرياض وأبو ظبي لها، بسبب مواقفها من ملف فلسطين والقدس وما يسمى بـ"صفقة القرن"، يؤكد مراقبون في أحاديث منفصلة لـ"الخليج أونلاين" أن المملكة تُراجع حساباتها وتغير بهدوء خطة اصطفافها وتحالفها الإقليمي.
ويشكل البعد الاقتصادي أهمية بالغة للأردن بسبب أزمته الاقتصادية المزمنة، كما أن تركيا تحرص على فتح أسواق الشرق الأوسط أمام بضائعها ومنتجاتها.
وتشكل القضايا الاقتصادية والتجارية والاستثمارية صلب اهتمام رئيس الوزراء الأردني، الذي تولى منصبه في يونيو الماضي، إثر احتجاجات شعبية أطاحت بحكومة سلفه.
وشهد الأردن في يناير الماضي، مظاهرات شعبية واسعة بسبب حزمة تعديلات ضريبية فجرت غضب الشارع من تردي الأوضاع المعيشية، وربط محللون تأزم الاقتصاد الأردني حينها بعوامل خارجية أهما وقف حلفاء عمّان التقليديين مساعداتهم المالية بسبب موقف المملكة من ملف القدس.
ملفات تهم الطرفين
عمر فاروق أوغلو، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة غازي عنتاب التركية، رأى أن أنقرة وعمّان تتشاركان سياسياً في العديد من الملفات وعلى رأسها الاهتمام بالقضية الفلسطينية، وخصوصاً ملف القدس بعد نقل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سفارة بلاده إليها.
ويقول فاروق أوغلو في حديث لـ"الخليج أونلاين": "الطرفين لهما نفس القلق في النظر إلى تراجع الاهتمام الإقليمي بالقضية، الذي تجسد في ضعف التمثيل الذي شهدته قمتي القدس اللتان استضافتهما إسطنبول بخصوص هذه القضية".
ويضيف فاروق أوغلو: "حضور العاهل الأردني للقمتين أثار انزعاج الرياض وأبو ظبي اللتان خفضتا تمثيلهما في القمتين إلى أدنى مستوى، ومن هنا بدأ مؤشر افتراق عمّان عن حلفائها الذين راهنت عليهم".
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قال خلال القمة الإسلامية الطارئة التي عقدت في أنقرة العام الماضي إنه وبلاده على تعاون مع الملك عبد الله الثاني والأردن، "بصفته حامي المقدسات الإسلامية في القدس ضد الاعتداءات الإسرائيلية".
ويتابع فاروق أوغلو: "الملف السوري يشكل هماً آخر للبلدين، فلكل منهما حدود طويلة مع سوريا يتوزع على طرفيها اللاجئون إلى جانب المعارضة المسلحة وغير المسلحة، في ظل موقف إقليمي معقد ومرتبك لكثرة التداخلات الدولية في القضية، لذلك بات تنسيق المواقف بين البلدين حاجة ملحة في هذا الموضوع من الناحيتين السياسة والعسكرية".
ويمضى بالقول: "كما أن زيارة الرزاز جاءت بعد مكالمة هاتفية بين الملك عبدالله والرئيس أردوغان، وبعد قيام تركيا بتسليم مطلوب للسلطات الأردنية هو عوني مطيع المتهم بقضايا تتعلق بالفساد".
أستاذ العلاقات الدولية بجامعة عنتاب، دلل على ظهور مؤشرات مؤخراً تؤكد كلها على أن التقارب التركي الأردني يتخذ منحى التحول الاستراتيجي، من العلاقة التقليدية إلى التحالف.
ويردف بالقول: "العلاقات بين الجانبين شهدت تحسناً، بعد وقوف تركيا إلى جانب المملكة في التصدّي لقرار ترامب، بخصوص نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة.تغيير في التحالفات
حجم التجارة
المحلل الاقتصادي سامر الحلبي، يؤكد أن العلاقات الاقتصادية التركية الأردنية شهدت تأرجحاً في السنوات الماضية بسبب تداعيات الخلافات السياسية في الإقليم التي أدت إلى استقطابات المحاور.
ويقول الحلبي في حديثه لـ"الخليج أونلاين" إنه "في مايو الماضي، ألغى الأردن اتفاقية التجارة الحرة المبرمة مع أنقرة عام 2009، وفرض إثر ذلك رسوماً جمركية على البضائع التركية، وعلى الأرجح أن زيارة الرزاز ستحيي هذه الاتفاقية من جديد، خصوصاً بعد ناي عمّان عن محور الرياض - أبو ظبي الذي كان وراء إلغاء الاتفاقية".
ويتابع: "في عام 2010 كان حجم التجارة بين تركيا والاردن 615 مليون دولار، وفي بداية الحرب السورية نزل هذا الرقم الى 500 مليون دولار، ثم ارتفع إلى 800 مليون، لذلك رفع حجم التجارة سيكون أول أثار التقارب التركي الأردني".
ويضيف: "المساعدات السعودية الإماراتية للأردن جاءت العام الماضي أقل من التوقعات، بالإضافة إلى أن نسبة كبيرة منها عبارة عن قروض وودائع، وهذه مسكنّات مؤقتة لم تساهم سوى بنسبة ضئيلة في تحريك الأوضاع المالية المتأزمة".
ويستدرك بالقول: "كما أن المساعدات التي أقرت من قبل السعودية والكويت والامارات بعد أزمة المظاهرات الشعبية والتي بلغت 2.5 مليار دولار غير واضحة المعالم حتى الآن وتفصيلاتها غير معلنة، وجملة هذه الوقائع جعلت الأردن يعيد حساباته في علاقاته وتحالفاته الإقليمية، وتركيا اليوم وكذا قطر أكثر مصداقية وشفافية في التعامل مع المملكة".
ويتوقع الحلبي أن تتوسع الأردن في دائرة تحسين علاقاته الإقليمية والنأي عن التجاذبات بين الأطراف، بما ذلك التقارب مع إيران بعد تركيا، وهو ما يثير قلق السعودية.
ويستدل الحلبي مؤشرات التقارب الأردني الإيراني، بعد المصافحة بين العاهل الأردني والرئيس الايراني حسن روحاني، في القمة الإسلامية التي عقدت بمايو الماضي، بمدينة إسطنبول، ما فسر على أنه دلالة على إمكانية تقارب بينهما.
يشار إلى أن معدلات النمو في الأردن تراجعت في آخر 5 سنوات إلى حوالي 2.1% بعد أن تجاوزت قبل ذلك 6%، فيما ارتفعت نسبة الفقر إلى 20% بحسب تقديرات رسمية، وبلغت البطالة 18.4% خلال الربع الأول من العام الجاري، كما ارتفعت المديونية العامة للبلاد بشقيها الداخلي والخارجي إلى حوالي 39 مليار دولار، وانخفضت المساعدات الخارجية التي كان يتلقاها الأردن لدعم برامجه الإصلاحية.