القدس العربي-
تداول مغردون سعوديون صورا لمناهج المملكة العربية السعودية الجديدة بعد أن خضعت لمجموعة من التعديلات كان أبرزها، ضمن مناهج التاريخ، تقديم رؤية جديدة للحقبة التي امتد فيها تأثير الدولة العثمانية إلى شبه الجزيرة العربية بطريقة تظهير للعداوات والخصومة مع العثمانيين واعتبار ما قام به العثمانيون غزوا واحتلالا.
قدم المنهاج التاريخي الجديد سردا لحيثيات الخصومة بين العثمانيين والسعوديين، ومن بينها معركة «تربة»، خلال الدولة السعودية الأولى، ومساندة العثمانيين، خلال الدولة السعودية الثانية، «بعض الزعماء المحليين» ضد الملك عبد العزيز، وتدمير الدرعية، وتعذيب الإمام عبد الله بن سعود وقتله في إسطنبول، والتضييق على أهالي الأحساء وعسير، والتهجير القسري «سفربرلك» لأهالي المدينة المنورة وتجنيد أبنائهم لمساندة الدولة العثمانية وحلفائها الألمان في الحرب العالمية الأولى.
تبع الإعلان عن تعديلات المناهج تغريدات شارك فيها الأمير سطام بن خالد آل سعود، والإعلامي السعودي سلمان الدوسري، وشخصيات أخرى كمنذر آل الشيخ مبارك، وبعض شخصيات ما يسمى «الذباب الالكتروني»، وأعدت قناة «العربية» تقريرا يحتفل بالمناسبة، وامتلأت التغريدات بأشكال من التضخيم والمبالغات الفجة والعنصرية والركاكة، مثل وصف الأمير سطام دولة العثمانيين بـ«الماغولية» (أي المغولية)، وهو أمر غير صحيح تاريخيا، فأجداد العثمانيين هم من وسط آسيا وليس من منغوليا التي نسب المغول إليها، وهو ما تابعته فيه تغريدة أخرى تحدثت عن «العثمانيين المغول الصوفية أعداء التوحيد»، ثم وصفتهم تغريدة ثالثة بـ«أذناب الشعبويين»، فيما اعتبر أحد المغردين أن ما حصل «يهدم ما بناه الإخوان ودعاة الصحوة من محاولة طمس حضارتنا»، وهكذا اختلط حابل الترحيب الأهوج بالمناهج الجديدة بنابل الإساءات العشوائية.
تكشف التعليقات التي شارك فيها سعوديون نافذون في السياسة والإعلام وناشطون أن الأمر لا يتعلق بالتاريخ ولا بالماضي ولا بالأخذ بأسباب العلم وأصوله، ولا بالانتصار لـ«الحضارة السعودية» على «العثمانيين المغول» بل يتعلّق بالتحديد بسياسة وليّ العهد محمد بن سلمان وتداعياتها الكارثية على السعودية والمنطقة، وعلى رأسها قضية اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول وما أدت إليه من ملاحقات أممية لبن سلمان، ومن ضغط تركيّ لكشف المجرمين وتسليمهم.
تكشف أيضا التعليقات التي تتحدث عن «الإخوان» و«دعاة الصحوة» أن الأمر يتعلق أيضاً بصراع ضمن أروقة السلطة السعودية بين التيار الذي يزعم الانتصار للحداثة والتجديد ويجعل «دعاة الصحوة» خصوما افتراضيين له، وهي آليّة دفاع نفسي عن النظام السعودي نفسه الذي قام على التحالف بين السعوديين والوهابيين، وهو أمر سيصعب على دعاة الحداثة والتجديد التخلّص منه بمفعول رجعي ومن الأسهل بالتالي تحميله لبعض الدعاة والشيوخ السلفيين الذين ليسوا إلا ورثة تراث السعودية نفسها الذي قرّر ربّانها الجديد التبرؤ من ذلك التاريخ، وبالتالي تفصيل تاريخ جديد انتقائي وموسميّ للمملكة، وهو ما دعا بعض الناشطين للتساؤل إن كانت المناهج ستتغير مجددا إذا تغيّرت العلاقة مع اردوغان وتركيا.