في الوقت الذي شنّ فيه النظام السوري المدعوم من روسيا هجمات على إدلب ضد المعارضة السورية المدعومة من تركيا، اقتصرت ردود فعل الأنظمة العربية وهيئتها الجامعة، "جامعة الدول العربية"، على إصدار بيانات عامة.
وكان هذا التنحي عن مسألة عربية بحتة تمليه عوامل جيوسياسية مدفوعة بأهداف متضاربة للدول العربية الرئيسية، وهو وضع يعزز صورة الجامعة العربية كمنظمة تضربها حالة من الفوضى.
ومع ذلك، تحاول الدول العربية الرئيسية العودة إلى سوريا، لكن نجاحها الدبلوماسي قد يكون محدودا في النهاية.
المنافسة الأمريكية الروسية
جددت الولايات المتحدة وروسيا منافستهما لإقناع دول الخليج بدعم موقف كل منهما في سوريا، وذلك مع تصاعد التوتر بين تركيا وروسيا في كل من سوريا وليبيا.
وبدأ التقارب بين روسيا والحلفاء العرب الثلاثة، السعودية والإمارات ومصر، في أكتوبر/تشرين الأول 2019، عندما أعطى الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ضوءا أخضر ضمنيا لنظيره التركي "رجب طيب أردوغان" لبدء عملية عسكرية شمال شرقي سوريا.
ودعت القاهرة على الفور إلى اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية، الذي أدان خطوة أنقرة باعتبارها "غزوا لأرض دولة عربية وعدوانا على سيادتها"، كما طلب من مجلس الأمن الدولي فرض عقوبات على تركيا.
واستمر هذا الاتجاه مع تطور الخلاف التركي الروسي بعد المواجهة العسكرية بين تركيا والنظام السوري، وتم عقد اجتماع ثان للجامعة العربية حول ليبيا في ديسمبر/كانون الأول 2019، للتحذير من "نقل تركيا المقاتلين الأجانب من مناطق الصراع الإقليمية الأخرى إلى ليبيا".
وتحولت جامعة الدول العربية مؤخرا إلى موقف عام يتمثل في إدانة النفوذ الإيراني والتركي في الشؤون العربية دون ذكر الدور الأمريكي أو الروسي.
وكان المقصود من انخراط موسكو الدبلوماسي في الخليج فيما يتعلق بسوريا الدفع لانتقاد أنقرة، التي تعتبرها بعض دول الخليج عدوا إقليميا.
وفي 12 فبراير/شباط، زار مدير الاستخبارات الخارجية الروسية، "سيرجي ناريشكين"، أبوظبي للتباحث مع نظرائه الإماراتيين حول "آفاق التعاون في مكافحة الإرهاب الدولي".
وتم ترجمة هذا التعاون إلى انفراجة، وأدى إلى علاقة دبلوماسية مباشرة للنظام السوري مع اللواء "خليفة حفتر" وقواته المسماة بـ"الجيش الوطني الليبي". وفي 3 مارس/آذار جرى إعادة فتح السفارة الليبية في دمشق (كانت مغلقة منذ عام 2012) ولكن ليس كممثل عن "حكومة الوفاق الوطني" في طرابلس.
وأفادت وسائل الإعلام السعودية أن "حفتر" زار دمشق سرا، ما أدى إلى اتفاق بين الجانبين، وتقرب هذه الخطوة النظام السوري من التحالف العربي مع روسيا، بالرغم من أن المملكة لا تزال مترددة في إشراك دمشق علنا من خلال الاتصال المباشر.
وتبعث الرياض بإشارات في هذا الاتجاه، وأفادت وسائل إعلام النظام السوري في يناير/كانون الثاني أن ممثل النظام لدى الأمم المتحدة، "بشار الجعفري"، حضر مؤخرا احتفالا خاصا في نيويورك تمت إقامته لتكريم وزير الدولة السعودي "فهد بن عبدالله المبارك"، وهناك، أخبر دبلوماسي سعودي "الجعفري" أن التوتر بين البلدين ليس سوى "سحابة صيف ستمر لا محالة".
وتوجد مؤشرات أخرى على تحرك عربي نحو دمج النظام السوري في الدبلوماسية العربية من جديد، وقال الرئيس الجزائري "عبدالمجيد تبون"، في 3 فبراير/شباط الماضي، لقناة "روسيا اليوم" العربية، إن النظام السوري يجب أن يعود إلى الجامعة العربية، وفي 2 مارس/آذار، زار وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني "رمزي المشرفية" دمشق لمناقشة عودة اللاجئين السوريين إلى سوريا، باعتبارها أولوية لبنانية.
وزار وزير الصناعة والتجارة والتموين الأردني "طارق الحموري" دمشق في 5 مارس/آذار للمرة الأولى منذ افتتاح معبر "نصيب" الحدودي، ومع تعثر الاقتصاد الأردني، تأمل عمّان في زيادة صادراتها إلى سوريا، والتي انخفضت من 255.5 مليون دولار في عام 2011 إلى 13.9 مليون دولار في عام 2016.
وفي مسار موازٍ للضغط من أجل إدانة الجامعة العربية لتركيا، تحركت السعودية لمزيد من السيطرة على المعارضة السورية على حساب النفوذ التركي.
وتدعو الرياض لعقد اجتماع لانتخاب ممثلين جدد لهيئة المفاوضات السورية، وتم اختيار "هادي البحرة"، المدعوم من السعودية، لقيادة اللجنة الدستورية للمعارضة في محادثات السلام مع النظام السوري.
وحضر هذا الاجتماع في الرياض الفصائل المدعومة من روسيا ومصر في المعارضة السورية، الأمر الذي عكس تحالف المعارضة الناشئ في سوريا، وكذلك محاولة روسيا لدفع أنقرة للضغط على المعارضة السورية لتقديم تنازلات.
وأدانت فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا اجتماع الرياض، مشيرة إلى أنه لا أساس قانوني له، وأنه لم يتم عقده بالتشاور مع جميع أطراف المعارضة السورية.
ويتوقع أن تبدأ محادثات السلام السورية برعاية روسيا بحلول نهاية مارس/آذار، ما لم يتم تأجيلها بسبب وباء فيروس "كورونا".
ومن المتوقع أن توازن واشنطن هذا التوافق في المصالح بين موسكو وبعض قادة الخليج المؤثرين، وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" على "قانون قيصر" لحماية المدنيين السوريين، والذي يجيز عقوبات إضافية وقيودا مالية على المؤسسات والأفراد الذين يتعاملون مع النظام السوري.
والتقى محافظ ريف دمشق، "علاء إبراهيم"، بمسؤولي السفارة الإماراتية لمناقشة "الاستثمار والتعاون"، وهو ما يوضح كيف يمكن لبعض الدول العربية مساعدة روسيا في موازنة العقوبات الأمريكية على سوريا.
وتعمل إدارة "ترامب" على إشراك الرياض بانتظام في القضية السورية، للتأكد من ألا تنجرف نحو روسيا، ولكن قد يكون من الصعب على واشنطن بشكل متزايد موازنة المصالح المتناقضة لكل من أنقرة والرياض.
وتريد إدارة "ترامب" في الوقت نفسه إبعاد كل من تركيا والسعودية عن روسيا، مع تحقيق أهدافها في سوريا، لكنها تبدو مهمة شاقة.
هل تلعب الدول العربية دورا في سوريا؟
ومن المحتمل أن يؤدي الخلاف بين موسكو وأنقرة إلى تعديل الأوراق في سوريا، وأن يتيح فرصة لبعض دول الخليج للعب دور مرة أخرى في البلاد، وإن كان دورا محدودا تحت شروط روسية مسبقة.
ويمنح وجود السعودية في فلك النهج الروسي الدول العربية الأخرى غطاء لتحذو حذوها لإعادة النظام السوري إلى عضوية الجامعة العربية.
لكن حرب أسعار النفط السعودية الروسية، وتداعيات جائحة الفيروس التاجي الجديد، هي ما قد يعقد هذه الديناميكية الناشئة في سوريا، خاصة في وقت تركز فيه الولايات المتحدة على الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني.
ومع ذلك، لا تنفي هذه الديناميكية عدم وجود نهج عربي متماسك تجاه سوريا، وهو ما لا يزال يشكل العائق الرئيسي أمام دور عربي فعال هناك.
وتركز معظم الحكومات العربية على تحدياتها الداخلية، ومع ذلك، يبدو قرار استعادة عضوية النظام السوري في جامعة الدول العربية أمرا حتميا، بانتظار القرار السعودي بالسير في هذا الاتجاه.
وتتوقع بعض الأنظمة العربية من روسيا كبح جماح إيران وتركيا نيابة عنهم، بينما يفضل البعض الآخر أن تحافظ موسكو على تحالفها مع واحدة فقط من هذه القوى الإقليمية.
وبالنظر إلى المنافسة الأمريكية الروسية، فإن الخيارات السياسية التي تواجه الحكومات العربية تتراوح بين نوع من المشاركة المحدودة مع دمشق وإعادة مقعد النظام السوري إلى الجامعة العربية.
ولتعزيز نفوذها، قد تلعب روسيا بورقتي تركيا والسعودية ضد بعضهما البعض، وهكذا، في نهاية المطاف، لن تنجح الدول العربية كثيرا في استعادة نفوذها في سوريا.
جو ماكرون | المركز العربي واشنطن دي سي -