من الصحافة العبرية-
يعدّ الاتفاق المرتقب مع اتحاد الإمارات مهماً بحد ذاته، وأهم بكثير كرمز للميل. فتعليق السيادة (الضم) مهم أقل بكثير، لأن احتياجات إسرائيل الاستراتيجية أوسع وأهم بلا قياس من احتياجاتها في الساحة الفلسطينية، وكون الاتفاق والميل يعززان في هذه الساحة أيضاً موقف المساومة لإسرائيل. إن استعداد دول الخليج لتأطير علاقاتها مع إسرائيل يعكس قوة ومتانة الدولة اليهودية في نظر الدول العربية؛ أما التوقيت فيعكس خوفاً من أن تعرض إدارة توأم أوباما في واشنطن دول الخليج في تصالحها تجاه إيران للخطر مرة أخرى. سعت إسرائيل في الخمسينيات والستينيات للتخلص من العزلة ومن تهديد محيطها العربي من خلال “حلف المحيط” مع إيران وتركيا؛ أما اليوم فتعمل مع أهم الدول العربية في وجه عدوانية القوتين العظميين الإقليميتين غير العربيتين.
فضلاً عن المساهمة الدبلوماسية والإمكانية العظيمة للتعاون الاقتصادي، يدور الحديث عن إنجاز إقليمي دراماتيكي. هذا الاختراق، بمباركة مصر، وفي ضوء عربدته، يسخن قلب أردوغان، ويؤطر المحور الاستراتيجي لإسرائيل، ومصر، والسعودية، والأردن (رغم امتعاضه الزائف لأغراض داخلية)، والبحرين وعُمان –وفي سياق آخر اليونان وقبرص أيضاً– ضد نظامي إيران وتركيا الراديكاليين. وشركاء هذا المحور الكل يرى إيران وفروعها و”الأخوان المسلمين” وزعيمهم أردوغان، أعداء. فالإمارات لا تقاتل ضد إيران وفروعها في اليمن فحسب، بل ضد أردوغان أيضاً، وضد الميليشيات التي جلبها إلى ليبيا والتدخل التركي العسكري الداعم لأعداء السيسي في الحدود الغربية لمصر. “الأخوان” يعرضون النظام المصري والنظام الأردني للخطر. وبقلق عميق، ترى مصر واليونان وقبرص وإسرائيل محاولات أردوغان تثبيت هيمنة تركية في الحوض الشرقي للبحر المتوسط.
في تنوع واسع من الجوانب، تتطابق مصالح إسرائيل الحيوية والمهمة مع تلك التي للإمارات، ولكلتيهما سمعة صلبة من التصميم والاستعداد لاستخدام القوة في بؤر معينة من التهديد، وقدراتهما تتكاملان: لإسرائيل القوة والحداثة والتكنولوجيا المتطورة، وللإمارات المقدرات والاستعداد لاستخدام وسائل متطورة وموقع استراتيجي. وعندما ينضم جيرانها في الخليج، ستخلق المسيرة كتلة حرجة.
إن فرحة اليسار – الوسط، وحزب اليمين العميق، على تعليق بسط السيادة تعد أمراً غريباً. فاليسار – الوسط مخطئ، وفق نهجه في معارضته لضم غور الأردن، لأن الأمر يسمح بالشروط الأمنية اللازمة لانقطاع إسرائيلي عن معظم أراضي يهودا والسامرة وإقامة “دولة” دون تواصل إقليمي مع العناصر الراديكالية التي تهدد إسرائيل.
واليمين العميق مخطئ أيضاً، لأن الاتفاق مع الإمارات يقوض موقف المساومة الفلسطينية بعد أن تضرر بشدة في مواضيع القدس ووكالة الغوث وخطة ترامب. من المتوقع للفلسطينيين أن يحبطوا كل صيغة في يهودا والسامرة يمكن لأي حكومة في إسرائيل أن تقبلها. ومن هنا، فإن ما يمس بقدرتهم على إيقاع الضرر، مرغوب فيه لمحبي صالح إسرائيل من كل الأجنحة السياسية. إن تجاهل معارضة الفلسطينيين وإقامة المحور المشترك مع معظم المحافل العربية، يوصفان في غزة ورام الله وأنقرة كطعنة سكين في ظهرهم.
كي نجسد حجم تدهور موقف المساومة لدى الفلسطينيين، يجدر بنا أن نذكر مقابلة منحها كبير ممثليهم، صائب عريقات، في 2009 لصحيفة “الدستور” الأردنية بعد أن رفضوا اقتراحات أولمرت في 2008. يعترف عريقات بأن أولمرت اقترح 100 في المئة من أراضي الضفة الغربية من خلال تبادل الأراضي، ولكن عباس طلب اعترافاً إسرائيلياً بسيادة فلسطينية على حدود 67، وحينئذ يبحث الاقتراح. كما طالب أيضاً بـ 140 مليار دولار كتعويض للاجئين – ليس بدلاً، بل إضافة إلى “العودة”، وقضى بأن م.ت.ف لا يمكنها التنازل عن حق كل واحد من ملايين اللاجئين وأنسالهم بالعودة إلى نطاق إسرائيل. وبالأساس: “في كامب ديفيد اقترحوا 90 في المئة، ومؤخراً اقترحوا 100 في المئة. وبالتالي.. لماذا نتسرع؟”.