متابعات-
رغم أن إيران هي التي تعادي السعودية والإمارات بشكل مباشر فإن أبوظبي والرياض، إلى جانب القاهرة، ترى في تركيا العدو الأكبر، واتحدت معاً على معاداتها بشكل مستمر منذ نحو ثلاثة أعوام.
ويبدو أن اتفاق السلام بين "إسرائيل" والإمارات (أغسطس 2020) قد يدفع الحلف الثلاثي (السعودية، والإمارات، ومصر) إلى التنسيق مع تل أبيب، لتكوين تحالف رباعي يعمل على محاربة تركيا، وتجاهل التهديدات الإيرانية، وتحركات مليشياتها المنتشرة في بعض الدول العربية.
ولعل تصريحات يوسي كوهين، رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، التي كُشف عنها قبل أيام، ترفع النقاب عما يمكن اعتبارها استراتيجية محددة الملامح، استهدفت أولاً شيطنة إيران "الشيعية" في أعين الشعوب العربية، والآن يبدو أن الاستراتيجية نفسها تطبَّق مع تركيا "العثمانية".
حلف ضد تركيا!
صحيفة التايمز البريطانية كانت أول من كشف عن رؤية يوسي كوهين رئيس الموساد، وتقييمه للخطر الذي تمثله تركيا، والذي رآه أكبر بكثير من الخطر الذي تمثله إيران، معتبراً أنه "أصبح من الصعب كبح جماح أنقرة عن فعل ما تريد بعد الآن".
الصحيفة قالت، في 18 أغسطس 2020، إن أقوال كوهين جاءت خلال مباحثات سرية جرت بينه وبين مسؤولين عرب من مصر والسعودية والإمارات، قبل 20 شهراً.
وأضاف رئيس الموساد، الذي يعتبر مهندس التحالف بين "إسرائيل" والإمارات ومبعوث رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى دول خليجية وعربية وإسلامية، أن "القوة الإيرانية هشة، لكن التهديد الحقيقي يأتي من تركيا"، وذلك سعياً منه في هذه المرحلة لشيطنة تركيا بعد أن دأب لسنوات على الحديث مع نظرائه في الخليج بأن عدوهم المشترك هو إيران، وفقاً للصحيفة.
وكانت وسائل إعلام إسرائيلية نقلت عن مصادر سعودية قولها إن "رئيس الموساد التقى، في شهر يناير 2019، مسؤولين سعوديين ومصريين وإماراتيين لمناقشة سبل التصدي للنفوذ الإقليمي لتركيا في الشرق الأوسط والخليج والمغرب العربي".
ووفقاً للمصادر، فإن هذا اللقاء أطلق باجتماع سري عقد في عاصمة خليجية -لم تسمها- شارك فيه كبار مسؤولي المخابرات من أربع دول، بمن فيهم رئيس الموساد الإسرائيلي.
وسرّب مسؤولون خليجيون حضروا الاجتماع التفاصيل وقالوا: "إن رئيس الموساد الإسرائيلي صرح في ذلك الاجتماع السري بأنه يمكن احتواء إيران عسكرياً، لكن تركيا لديها قدرة أكبر وأكثر خطورة".
وكانت تركيا أدانت تطبيع الإمارات مع "إسرائيل"، وقالت إنها تفكر بإغلاق سفارتها في أبوظبي وتعليق العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات العربية المتحدة بسبب اتفاقها على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل".
تناغم رباعي
تناغمت تصريحات كوهين وموقفه مع تقدير الموقف الاستخباراتي لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) لعام 2020، حيث أدرجت تركيا ضمن قائمة المنظمات والدول التي تهدد الأمن القومي الإسرائيلي.
وإلى جانب الأزمة الخليجية التي وقفت أنقرة فيها إلى جانب الدوحة ضد رباعي المقاطعة، فإن عداوة السعودية مع تركيا تمثلت بدعم أنقرة للربيع العربي الذي عادته الرياض، وقضية اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول (أكتوبر 2018)، ومعركة تركيا ضد الأكراد في شمال سوريا، وهي قضايا كانت ذروة الخلافات القائمة حتى اليوم.
ودخلت الإمارات صراع نفوذ مع تركيا عبر حروب خفية ومعارك غير مباشرة وأخرى بالوكالة كما يحدث في ليبيا، فضلاً عن اتهام أبوظبي بتمويل انقلاب فشل في تركيا عام 2016.
ومنذ أن وصل الجنرال في الجيش المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى كرسي الحكم، في يوليو 2013، بعد تنفيذه انقلاباً عسكرياً ضد الراحل محمد مرسي، الذي كانت تدعمه تركيا، فإن السيسي دخل في صراع وخلافات سياسية كبيرة مع أنقرة، وصولاً إلى التهديد باستخدام القوة في ليبيا ضد حكومة الوفاق المدعومة من تركيا.
التوازنات في المنطقة
ويعتقد المحلل السياسي اللبناني محمود علوش، أن في الخليج "من يرى بأن التحالف مع إسرائيل سيعيد التوازن مع تركيا وإيران في المنطقة".
وقال، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إن أحد الدوافع الكبرى لدى بعض العرب للتطبيع "تقوية موقفهم في مواجهة تركيا وإيران"، مشيراً إلى أن ذلك "مصلحة مشتركة تجمعهم مع الإسرائيليين، لكن ذلك لا يعني تطابقاً في الحسابات تماماً".
ويرى أن الدور الإيراني "لا يقل تأثيراً في المنطقة عن الدور التركي، إلا أن الخطاب السياسي والإعلامي الإماراتي والسعودي والمصري يركز على تركيا بدرجة كبيرة، وقد حاول الإماراتيون طمأنة الإيرانيين بأن التطبيع مع "إسرائيل" لا يستهدف أمنهم".
لكنه في المقابل يرى أن التركيز الإسرائيلي ينصب على إيران، "رغم أن العلاقات الإسرائيلية التركية متوترة في عهد أردوغان، لكنها تختلف عن الحالة الإيرانية بشدة"، مضيفاً: "لا أعتقد أن الإسرائيليين بوارد التخلي عنها".
وعن تحركات الإمارات، يقول علوش: "منذ أيام تحدث الدبلوماسي الإماراتي، يوسف العتيبة، في صحيفة إسرائيلية عن ضرورة مواجهة ما أسماه التوسع الإسلامي وهو يشير إلى تركيا وإيران، لكن أبوظبي تفضل تجميد الخلاف مع إيران والتركيز على تركيا".
ويشير إلى أن التحالف السعودي الإماراتي المصري يواجه صعوبات سياسية وعسكرية في الحد من الدورين التركي والإيراني، والأمثلة كثيرة، موضحاً: "هناك تراجع في ليبيا وغياب في سوريا والعراق ولبنان، وحرب استنزاف في اليمن، فضلاً عن أزمة قطر".
وأضاف: "كل ذلك يدفع هذه الأطراف إلى البحث عن طرف إقليمي قوي وله تأثير واسع في واشنطن للتحالف معه، وإسرائيل الخيار المتوفر".
لا تهديد إيراني للخليج
ويرى المحلل السياسي المصري عمر خيرت، أن إيران لا تشكل تهديداً لدول الخليج، "لكن الخطر هو على مصر"، وقال: "تاريخياً كان اقتراب الفرس من الجزيرة العربية والشام، ولا يزال، يشكل تهديداً للأمن المصري".
ويؤكد أن المعادلة الجيوسياسية في مصر ترى أن إيران، منذ اندلاع الثورة فيها وحتى اليوم، "تعد الأوضاع فيها غير مريحة ويصعب التعامل معها".
ويستبعد، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، تشكيل تحالف رباعي بمشاركة مصر لشيطنة تركيا، موضحاً ذلك بقوله: "في تقديري أن فكرة تحالف لشيطنة تركيا ليس مرجحاً في المرحلة القادمة، خصوصاً بعد تهدئة التوتر بين تركيا ومصر بوساطة أمريكية فيما يتعلق بالوضع في ليبيا".
وأضاف: "موقف هذه الدول من تركيا لا تخرج عن طبيعة العلاقات فيما بينهم، حيث تشير المعادلات إلى أن التاريخ السياسي في بلدان شبه الجزيرة في عهد الدولة العثمانية وتركيا يختلف عن العلاقات السياسية بين مصر والدولة العثمانية، وبين مصر وتركيا بعد تأسيس الجمهورية في البلدين".
وتابع: "إضافة إلى ذلك فإن العلاقات بين الإمارات والسعودية ومصر لا تتوافق دائماً، فهم يتفقون في قضايا ويختلفون في أخرى، مثل حرب اليمن التي يختلفون فيها، وهناك مساحة من الاختلاف بين الإمارات والسعودية من جهة ومصر من جهة بخصوص الأزمة في ليبيا".