الخليج أونلاين-
مع تصاعد التوتر بين اليونان وتركيا بسبب الخلافات حول الحدود البحرية شرق البحر الأبيض المتوسط، والتنقيب عن الغاز والنفط، أظهرت عدة دول خليجية تأييدها لأثينا، من خلال الترحيب باتفاقها مع مصر، وإجراء اتصالات دبلوماسية متبادلة.
الإمارات والسعودية والبحرين هي الدول الخليجية التي أعلنت بوضوح دعمها لليونان، من خلال تأييدها لاتفاق ترسيم الحدود الذي وقعته مع مصر في بداية أغسطس الجاري، في حين لم يصدر أي موقف من قطر أو الكويت أو سلطنة عُمان.
ويعد الموقف الخليجي الثلاثي مستغرباً باعتبار أنه لا حدود بحرية أو برية تجمع تلك الدول باليونان أو تركيا، ولكن وفق مراقبين فذلك يعد نكاية بتركيا التي تربطها علاقة قوية بقطر التي تقاطعها الدول الثلاث برفقة مصر.
الموقف الإماراتي جاء من خلال إصدار وزارة الخارجية بياناً هنأت فيه مصر واليونان على توقيع اتفاق تعيين الحدود البحرية، مؤكدة أنه "يعكس جهود قيادتي البلدين، والتنسيق والتعاون بينهما لتحقيق التنمية والازدهار لشعبيهما".
وذهبت الإمارات إلى أكثر من تأييد الاتفاق من خلال إرسالها طائرات "إف 16"، وطائرة نقل "سي-130"، و3 طائرات نقل من نوع "سي-17"، إلى اليونان للمشاركة في تدريب وتعاون مع القوات البحرية، لرفع الاستعداد لتنفيذ المهام وتطوير القدرات القتالية.
وتزامن وصول الطائرات الإماراتية مع تصعيد تشهده الحدود البحرية التركية اليونانية، كان آخرها اعتراض القوات الجوية التركية لطائرات يونانية عن منطقة إخطار "نافتيكس".
وحول إرسال الإمارات لطائرات مقاتلة إلى اليونان سارعت تركيا إلى تأكيدها أنها ستسقط أي طائرة إماراتية تقترب من حدودها البحرية، وهو ما يعكس حالة التوتر والغضب التركية من الإمارات.
ويعكس هذا الخلاف استمرار التوتر بين أنقرة وأبوظبي، على خلفية عدة قضايا، منها دعم الإمارات للجنرال خليفة حفتر ضد الحكومة الشرعية المدعومة من تركيا في ليبيا، إضافة إلى اتهامات تركية للإمارات بالتجسس والتورط في محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016.
الموقف السعودي
وإلى جانب الإمارات، اتخذت السعودية موقفاً مرحباً من اتفاق ترسيم الحدود بين مصر واليونان، حيث أجرى الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، اتصالاً هاتفياً، (الأربعاء 12 أغسطس)، بوزير خارجية جمهورية اليونان، نيكوس دندياس.
وبحث الوزيران خلال الاتصال العلاقات الثنائية بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها في مختلف المجالات، وفقاً لوكالة أنباء السعودية "واس".
وأظهر وزير الخارجية السعودية موقف بلاده الإيجابي من التوصل إلى اتفاق تعيين المنطقة الاقتصادية الخالصة بين اليونان ومصر؛ وهو ما يعد رسالة سعودية إلى تركيا التي تختلف معها المملكة في ملفات عدة، أبرزها قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية الرياض بإسطنبول (أكتوبر 2018).
الرئيس الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تطرق إلى التقارب اليوناني السعودي، من خلال قوله: إن المملكة تتخذ "خطوات خاطئة"، في إشارة إلى تضامنها مع اليونان، مشيراً إلى أنه وجه وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو بالتواصل مع نظيره السعودي، وأن يطلب منه "أن يتخذ الخطوات اللازمة لتسوية القضايا العالقة".
وإلى جانب موقف أردوغان تطرقت الصحافة التركية لوجود حراك سابق مكثف من أبوظبي والرياض مع اليونان وقبرص اليونانية، وفق ما كشفته صحيفة "يني شفق" التركية في يناير الماضي.
واستشهدت الصحيفة بوجود رغبة سعودية بتأييد اليونان، من زيارة وزير خارجية قبرص اليونانية، نيكوس كريستودوليديس، إلى الرياض، واستقباله من هرم السلطة المتمثل بالملك سلمان بن عبد العزيز، إلى جانب الاتصالات المتواصلة مع وزراء الخارجية.
الصحيفة أكدت في حينها أن الملك سلمان وعد وزير خارجية قبرص اليونانية بتقديم الدعم اللازم، والوقوف إلى جانب قبرص اليونانية في شرق المتوسط.
ونقلت الصحيفة عن نجم الدين أجار، الأكاديمي في جامعة "ماردين آرتوكلو"، قوله: إن "التحالف السعودي الإماراتي يريد إبقاء تركيا منشغلة في مستنقع الأزمة السورية لفترة طويلة من الزمن، للحيلولة دون التحرك بشكل أكبر في المنطقة".
وتريد السعودية والإمارات، حسب آرتوكلو، أن تتقوقع السياسة الخارجية التركية فقط في سوريا، بحيث لا يسمح لها بأن تأخذ دورها في بلدان أخرى كقطر ومصر وباكستان وإيران بالإضافة إلى ليبيا.
وتعمل كل من السعودية والإمارات، وفق آرتوكلو، في ليبيا وقبرص اليونانية بشكل كبير، للحد من السياسة الخارجية التركية، بهدف تعميق الأزمة هناك بعد توقيع أنقرة مع طرابلس اتفاقية "ترسيم الحدود البحرية" و"التعاون العسكري".
وحول أسباب التوتر بين تركيا ودول الخليج، بيّن أجار أنه بعد الربيع العربي نشأ تنافس بين الكتلة التي تقودها تركيا، والكتلة التي تقودها السعودية في منطقة الشرق الأوسط.
ويوضح بالقول: "أولوية تركيا في المنطقة كانت تركز على إرساء الديمقراطية وخاصة في مصر وسوريا، والحفاظ على حقوق الإنسان، في حين أن السعودية وحلفاءها هدفها الأساسي الحفاظ على بقاء نظام الحكم الملكي وأمنه بعد ثورات الربيع العربي".
الموقف البحريني
كذلك، توافقت البحرين مع السعودية والإمارات في تأييد الاتفاق اليوناني المصري، حيث اعتبرت الخارجية البحرينية أنه "يعد خطوة مهمة وموفقة من الطرفين للتعاون الثنائي البناء وتحقيق الاستفادة المشتركة من الثروات المتاحة في المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما، وتعزيز آفاق التعاون الاقتصادي المشترك وتلبية تطلعات شعبي البلدين في مزيد من التقدم والازدهار".
ولم تكتفِ البحرين بتأييد الاتفاق، بل رأت أنه يتماشى مع قواعد القانون الدولي واتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.
وساطة قطرية؟
ومن قطر، لم يصدر أي موقف رسمي حول التوتر التركي اليوناني، ولكن سبق للدبلوماسية القطرية التدخل كوسيط بين أنقرة وأثينا، إذ سبق أن عرض وزير الدفاع القطري خالد بن محمد العطية على الحكومة اليونانية التوسط بينها وبين أنقرة للإفراج عن جنديين يونانيين محتجزين في تركيا، في مارس (2018).
وجاء العرض القطري في حينها، وفق ما نشرت صحيفة "ذا ناشيونال هيرالد" اليونانية، في (أغسطس 2018)، خلال لقاء بين العطية ونظيره اليوناني بانوس كامينوس في العاصمة أثينا، مضيفة أن وزير الدفاع اليوناني شكر الجانب القطري على مقترحه.
ولم يعرف بعد عن وجود أي وساطة قطرية بين تركيا واليونان لتخفيض حدة التصعيد بين البلدين، رغم أن الدوحة تمتلك القدرة على التدخل؛ لكونها تتمتع بعلاقة قوية مع أنقرة.
نكاية بأنقرة
وفي هذا السياق، يقول الكاتب والباحث العُماني محمد الفزاري، إنه لا مصلحة مباشرة للأطراف المؤيدة لليونان، بقدر ما هي "نكاية بالطرف الآخر في الصراع"، في إشارة إلى تركيا.
ويوضح "الفزاري"، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن هذا المحور الخليجي (المتمثل بالسعودية والإمارات والبحرين) يرى أن تركيا "مهدد ومنافس مباشر لمصالحها في المنطقة"، مبيناً أن تركيا في عهد الرئيس أردوغان قررت أن ترى مصالحها من زاوية أخرى، "وهو بعدها الإسلامي والعربي بعد رفضها مراراً في الاتحاد الأوروبي".
وأشار إلى أن خطوة تركيا جاءت بحكم المشتركات التاريخية والثقافية والدينية، وهذا "ما لا يريده المحور السعودي الإماراتي؛ لكونه سيحيدهم عن الصدارة كلاعب رئيس مؤثر وفاعل"، معتبراً أن "قضية الصحفي السعودي المغدور جمال خاشقجي وقضية الإخوان ليست سوى أدوات ضمن هذا الصراع والتنافس السياسي والاقتصادي".
ويستبعد الكاتب العماني الذي يرأس تحرير شبكة "مواطن" الإعلامية، أن يصل هذا الخلاف إلى التصادم العسكري المباشر بين اليونان وتركيا بسبب فارق الموازين العسكرية بين الطرفين، لكنه أوضح في الوقت نفسه أن التصادم العسكري بين المحور السعودي الإماراتي وتركيا "موجود عن طريق حرب الوكالة من طرف المحور الأول في ليبيا وسوريا".
أما بشأن مآلات الصراع المتصاعد بين أنقرة وأثينا فيرى "الفزاري" أن كلا الطرفين سيجلسان على طاولة الحوار، مرجحاً توصلهما إلى اتفاق تفرض فيه تركيا رؤيتها وسياستها في النهاية مع بعض التنازلات.
وفيما يتعلق بشأن الوساطة القطرية، كما حدث عام 2018، يقول المحلل العُماني إن الوساطة الألمانية ستكون أكثر تأثيراً "لكونها اللاعب الأقوى في الاتحاد الأوروبي".
ويشير أيضاً إلى أن تحركات وتصريحات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير خارجيتها تميلان دائماً إلى الحوار بخلاف فرنسا، لافتاً إلى أنه ليس هناك مصلحة مباشرة لبرلين في القضايا الخلافية بين تركيا واليونان، سواء كانت الجيوسياسية والاقتصادية.
تصاعد التوتر
بعد مواقف الإمارات والسعودية والبحرين من الاتفاق البحري بين اليونان ومصر، شهدت الحدود التركية اليونانية توتراً كبيراً، خاصة بعد مصادقة البرلمان اليوناني (الخميس 28 أغسطس) على اتفاق ترسيم الحدود البحرية.
وردت تركياً بشكل سريع حول الاتفاق، من خلال تأكيدها بأنها لن تسمح لأحد بالاقتراب من حدودها، أو الحصول على مقدراتها الاقتصادية.
الرد التركي جاء على لسان الرئيس أردوغان، من خلال دعوته اليونان إلى ضرورة عدم استماعها لأطراف لن تنفعها في المواجهة مع البحرية التركية.
ويبدو أن أردوغان يقصد في حديثه إلى اليونان الإمارات؛ التي تعمل بكل قوة على دعم أثينا، من خلال اتفاقيات استراتيجية واقتصادية متبادلة.
الرئيس التركي ذهب إلى أكثر من التهديد في تصريحاته، إذ شدد على أن البحرية التركية لن تتراجع عن مواقعها في شرقي البحر المتوسط، مع اتهامه لليونان بـ"نشر الفوضى هناك".
وإلى جانب لغة أردوغان القوية التي استخدمها ضد اليونان، خرج وزير الدفاع التركي خلوصي أكار مخاطباً اليونان، حسبما نقلت وكالة "الأناضول" التركية الرسمية، قائلاً: "إذا انتهكتم حدودنا فردُّنا معروف"، مؤكداً أن بلاده تدعم الحوار دائماً، و"لا ترغب في حدوث ذلك".
وفي خضم هذا التصعيد، دعا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي كلاً من اليونان وتركيا إلى الحوار وخفض التصعيد، خاصة أنهما عضوان في الحلف.