علي بكير/منتدى الخليج الدولي - ترجمة الخليج الجديد-
في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2020، زار الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" الكويت وقطر في رحلة عمل من يوم واحد، حيث التقى في الكويت الأمير الجديد "نواف الأحمد الصباح"، ليعبر عن تعازيه في وفاة سلفه "صباح الأحمد الجابر الصباح". وبعد ذلك بوقت قصير، عقد "أردوغان" اجتماعا لمدة ساعة مع أمير قطر "تميم بن حمد آل ثاني" في الدوحة لمناقشة العلاقات الاستراتيجية بين البلدين.
وبحسب الرئيس التركي، فإن المشاريع المشتركة مع قطر في المجالات العسكرية والأمنية والدفاعية تشكل العمود الفقري لعلاقاتهما الثنائية. وأكد "أردوغان" في مقابلة صحفية أن الوجود العسكري التركي في قطر يساعد في الحفاظ على استقرار الخليج.
وقال إنه "لا ينبغي لأحد أن ينزعج من الوجود العسكري التركي في الخليج سوى أولئك الذين يخططون للفوضى". وبالرغم من أنه لم يحدد من يقصد، فمن الواضح أن هذه الملاحظة كانت في إشارة إلى أبوظبي.
وكانت الأزمة الخليجية مفترق طرق لعلاقات تركيا مع دول الخليج. ولم يقتصر الأمر على التعقيدات التي أضفتها على علاقات أنقرة مع الإمارات والسعودية والبحرين، بل إنها منحت فرصا جديدة أيضا لأنقرة لتقوية علاقاتها مع قطر والكويت وعُمان.
تقدم العلاقات مع قطر والكويت وعمان
وأثارت سياسات "ترامب" غير التقليدية وغير المستقرة شكوكا لدى حلفاء واشنطن الصغار نسبيا في الخليج بشأن الضمانات الأمنية. واغتنمت تركيا هذه اللحظة، حيث تدخلت لتعرض نفسها كحليف موثوق به وملتزم تجاه تلك الدول الخليجية.
وتاريخيا، كانت العلاقات التركية الكويتية من أكثر العلاقات استقرارا في المنطقة، لا سيما في عهد الأمير الراحل الشيخ "صباح". وفي الأعوام القليلة الماضية، عززت تركيا والكويت علاقتهما من خلال توقيع مجموعة متنوعة من الاتفاقيات التي تغطي التجارة والدفاع والتعاون الاقتصادي.
وفي حين لا تزال التجارة الثنائية متواضعة للغاية، حيث بلغت 278 مليون دولار عام 2018، فإن البلدين يهدفان إلى زيادتها إلى 3 مليارات. كما تشارك تركيا في خطة التنمية الطموحة للكويت والتي تستهدف أن تكون البلاد مركزا تجاريا وماليا رئيسيا في الخليج بحلول عام 2035. وتهدف أنقرة إلى لعب دور من خلال شركات المقاولات التركية والتي تحتل مرتبة متقدمة عالميا.
ودفعت الأزمة الخليجية الكويت إلى الاقتراب من تركيا كجزء من استراتيجيتها التحوطية. وبحسب ما ورد فكرت الكويت في إمكانية استضافة قاعدة عسكرية تركية في البلاد، واتخذت في النهاية قرارها بالتخلي عن الفكرة حتى لا تغضب جارتها السعودية.
وبالمثل، ازدهرت العلاقات العُمانية التركية في أعقاب الأزمة الخليجية. وقدم الموقف المناهض لقطر من قبل الإمارات والسعودية مصلحة مشتركة لأنقرة ومسقط لتعزيز شراكتهما السياسية والاقتصادية والدفاعية.
وأجبرت الأزمة الخليجية تركيا وقطر على إصلاح العلاقات مع إيران، ما سهل على مسقط تحسين علاقاتها مع أنقرة.
وتزداد شعبية المنتجات الدفاعية التركية في منطقة الخليج. وفي الأسبوع الماضي فقط، أطلقت شركة "أناضولو شيب يارد" التركية سفينة التدريب "الدوحة QTS 91"، وهي الأولى من بين سفينتي تدريب للقوات البحرية الأميرية القطرية.
وفي الآونة الأخيرة، أبدت السلطات العمانية اهتماما خاصا بالمنتجات الدفاعية التركية. وتعد مسقط الآن واحدة من أكبر عملاء المعدات العسكرية التركية، حتى أنها تتجاوز قطر. وأشارت معلومات غير مؤكدة إلى أن البحرية العمانية قد تكون مهتمة أيضا بالغواصات التركية.
ولكن مثل الكويت، تظل عُمان حذرة في رغبتها في تعزيز العلاقات مع تركيا، خشية إثارة رد فعل إيراني أو سعودي.
ومع القيادة الجديدة في عُمان والكويت، ستواصل تركيا استكشاف سبل تعزيز علاقاتها مع هذه الدول الخليجية ولكن يرى بعض المحللين أن القادة الجدد قد يكونون عرضة للتأثير الإماراتي والسعودي. وإذا ثبت أن هذا صحيح، فسوف يعيق هذا تقدم العلاقات مع تركيا.
جوار غير ودود تجاه تركيا
وعلى عكس قطر والكويت وعمان، انخرطت الإمارات والسعودية بشكل متزايد في أجندة إقليمية مناهضة لتركيا. وفي الأسبوع الماضي، ادعى وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية "أنور قرقاش" أن الوجود العسكري التركي في قطر هو مصدر عدم الاستقرار في منطقة الخليج.
ولا يأتي هذا الموقف دون سبب حيث تشعر الإمارات بالضغينة تجاه تركيا لأن النشر السريع للقوات التركية في الدوحة خلال الأيام الأولى من الأزمة الخليجية عام 2017 حال دون التدخل العسكري وأحبط خطة أبوظبي لغزو قطر.
وكان لاغتيال "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في إسطنبول تأثير سلبي للغاية على العلاقة بين أنقرة والرياض. وفي الآونة الأخيرة، حث المسؤولون السعوديون مواطنيهم على عدم الانخراط في أي نشاط تجاري أو سياحي مع تركيا.
وفي غضون ذلك، تواصل وسائل الإعلام السعودية والإماراتية بناء وتضخيم صورة نمطية سلبية عن تركيا للتحريض على كراهيتها وتضخيم القومية. ويعتقد غالبية الأتراك أن العداء السعودي تجاه أنقرة هو نتيجة تأثير "محمد بن زايد" على "محمد بن سلمان".
ومن وجهة النظر التركية، تعتبر الإمارات قوة إقليمية معطلة هدفها الأساسي تقويض موقف أنقرة في المنطقة. وشاركت أبوظبي بقوة في حملة معادية ضد تركيا منذ عدة أعوام. وجعل هذا العداء أبوظبي مستعدة للتعاون مع كل من يعيق دور تركيا في المنطقة، بما في ذلك القوى الأجنبية والديكتاتوريون والمرتزقة وحتى إيران و(إسرائيل).
وبينما كانت العلاقات غير الرسمية بين الإمارات و(إسرائيل) قوية خلال العقد الماضي، شهدت الأعوام القليلة الماضية تقاربا رسميا علنيا. وفي 13 أغسطس/آب 2020، أصدرت الولايات المتحدة و(إسرائيل) والإمارات بيانا مشتركا لتطبيع العلاقات الإسرائيلية الإماراتية. وجاء الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي وسط تصاعد التوترات بين (تل أبيب) وطهران، وأيضا بين أبوظبي وأنقرة، ما يشير إلى أنه موجه نحو كل من تركيا وإيران.
هل تتقارب تركيا وإيران؟
ويخلق هذا بدوره تصورا بأن العداء المتزايد من بعض دول مجلس التعاون الخليجي تجاه أنقرة وطهران سيؤدي في النهاية إلى شراكة أو تحالف بين تركيا وإيران، وهو نتيجة منطقية على ما يبدو بالنظر إلى تسلسل الأحداث الجارية.
وفي حين تمكنت تركيا وإيران من التعاون في قضايا إقليمية انتقائية، لم يستطع البلدان التغلب على خلافاتهما الرئيسية، ومن المرجح أن تظل العلاقات بينهما معقدة للغاية، حيث يصطدمان في عدة مسارح.
ولا يزال دعم طهران لنظام "الأسد" في سوريا يمثل مشكلة كبيرة لتركيا. وفي جنوب القوقاز، تدعم أنقرة أذربيجان في مساعيها لاستعادة سيطرتها على ناغورني قره باغ، المعترف بها دوليا كجزء من أذربيجان، بينما تدعم طهران تقليديا يريفان ضد باكو.
بالإضافة إلى ذلك، فإن إيران غير راضية بالتأكيد عن الوجود السياسي والاقتصادي والعسكري المتزايد لتركيا في القوقاز وكذلك في الخليج، وهي المنطقة التي تطمح طهران إلى قيادتها. وفي العديد من هذه القضايا، تبدو إيران والإمارات أقرب إلى بعضهما البعض من إيران وتركيا.
ولا تناسب سياسة الإمارات العدائية تجاه تركيا شركاءها الآن مثل مصر و(إسرائيل). وبينما تبقي مصر قنوات استخباراتية مفتوحة مع تركيا في العديد من القضايا، تظل (إسرائيل) أكبر مورد للأسلحة لحليف أنقرة، (أذربيجان)، ضد أرمينيا.
وفي المقابل، تظل الإمارات واحدة من أكبر الشركاء الاقتصاديين لإيران. ومع خفض أنقرة اعتمادها على الغاز الإيراني خلال الأشهر القليلة الماضية، استأنفت أبوظبي وطهران التجارة الثنائية عبر البحر. ومكّن ذلك إيران من زيادة صادراتها إلى الدولة الخليجية الغنية بالنفط بنسبة 8% خلال الربع الأول من هذا العام مقارنة بالعام السابق.
وفي سوريا، أصبح تقارب أبوظبي مع "بشار الأسد"، الحليف الرئيسي لإيران في المنطقة، واضحا للغاية. وبحسب ما ورد حاولت الإمارات إقناع "الأسد" بانتهاك اتفاق أنقرة مع موسكو في إدلب، الذي لم تكن إيران جزءا منه. كما تميل الإمارات نحو أرمينيا في معركتها ضد أذربيجان.
وبينما تستعد تركيا أيضا لتعزيز علاقاتها الثنائية ومتعددة الأطراف مع قطر والكويت وعمان، خاصة مع تراجع الاهتمام الأمريكي بالمنطقة، فمن المحتمل ألا تتعافى علاقات أنقرة مع السعودية والإمارات ما لم يحدث تغيير في القيادة في الرياض أو أنقرة أو أبوظبي، أو حدث كبير يخلط الأوراق مرة أخرى.