الخليج أونلاين-
على مدار السنوات الماضية استمرت العلاقات التركية مع دول مجلس التعاون الخليجي الست؛ فبينما تطورت هذه العلاقة مع دولة قطر وسلطنة عمان على كافة الصعد، بقيت مستقرة مع الكويت، وشهدت شدّاً وجذباً مع السعودية، وتوتراً مع الإمارات والبحرين.
وتجمع تركيا ودول مجلس التعاون علاقات اقتصادية قوية؛ حيث التبادل التجاري، وتوافد الخليجيين إليها بغرض السياحة، وهو ما ينعكس إيجاباً على العلاقات السياسية.
واستخدمت تركيا لغة الدبلوماسية مع غالبية دول المجلس، لكنها صعّدت مع الإمارات وهددت بالرد عليها؛ بسبب ما أسمته "الضرر بها في ليبيا وسوريا".
موقع "الخليج أونلاين" أجرى حواراً مطولاً مع النائب التركي عن حزب العدالة والتنمية حسن توران، لمعرفة مدى وطبيعة العلاقة التركية الخليجية، وأكثر ما يميز هذه العلاقات وما يعكّر صفوها.
الخليج أونلاين: تشهد العلاقات التركية حالة مدّ وجزر مع السعودية والإمارات والبحرين.. إلى ماذا تسعى تركيا في علاقاتها مع دول الخليج عموماً؟
لقد ثبّتنا العلاقات مع الدول الخليجية على عدد من المبادئ الواضحة؛ نحن نتشارك معهم نفس العقيدة، وهذا أمر مهم، ولكن بعض الدول ورغم وحدة عقيدتنا ترغب في التعاون مع الدول الأوروبية أكثر، ويفضلون مصالح الدول الغربية على مصالح بلادهم، هذه ليست مشكلة بالنسبة إليهم، ولكن الذين لا يستمعون إلى أصوات شعوبهم سيخسرون مقامهم ومناصبهم، بالإضافة إلى أنهم سيضرون بلادهم كثيراً، ونحن ننتظر من إخواننا العرب أن يروا هذه الحقائق.
نحن في تركيا نرغب في الوصول إلى سلام دائم في إطار العدالة والحقيقة في مناطق النزاع، وعلى رأسها فلسطين، وكل نظام أتى بإرادة شعبه هو نظام مشروع بالنسبة إلينا، وإلى جانب هذا فإن من الطبيعي أن نكون على مسافة من الأنظمة التي تظلم شعوبها ولا تبالي بها وتتصرف بمنطق يضغط على الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكذلك الأنظمة التي تتحرك وكأنها استعمار غربي.
إن وقوف الدول العربية ضد تحركات تركيا السياسية والعسكرية التي تقوم بها أنقرة لحماية مصالحها، وسكوت هذه الدول عن القواعد الأمريكية والفرنسية، أمر غير مفهوم ولا مكان له.
إن تركيا التي حاربت الإرهاب في غصن الزيتون ونبع السلام، ووقفت أمام المطالب الجائرة شرقي المتوسط، لن تسمح أبداً بفرض أمر واقع عليها، ووقوف الإمارات مع اليونان ومع أمريكا وفرنسا أمر سيجلب المشاكل عليها لاحقاً؛ لأن الغرب لن يعطي دون أن يأخذ، كما أن الأنظمة التي تفتح ترابها ومواردها الاقتصادية أمام الغرب تعرض مستقبل بلادهت للخطر.
نحن في تركيا نريد أن تكون علاقتنا دائماً في إطار يجعل الكل رابحاً، على أساس المساواة ووحدة العقيدة. وتباعد الدول الإسلامية بسبب الاختلافات الموجودة بينها هو أمر يخدم الغرب فقط. إن تم محو الهوية الإسلامية عن المسجد الأقصى في القدس غداً فإن المسؤول عن هذا مع الأسف هي الدول الإسلامية التي لا تدعم فلسطين اليوم.
الخليج أونلاين: على المستوى السياسي كيف تسير العلاقات التركية السعودية؟ وأين قضية خاشقجي منها؟
علاقاتنا السياسية والاقتصادية مع الإدارة السعودية مستمرة على مسار متوسط. بالطبع نريد أن ينمو التعاون الاقتصادي بشكل أكبر، ونريد المزيد من تطوير التجارة.
أردنا أن تكون كل مرحلة من مراحل قضية الصحفي جمال خاشقجي شفافة وواضحة، وأن تسير في إطار القانون الدولي.
هناك جريمة قتل ارتكبت في سفارة المملكة العربية السعودية، ولا يمكن التستر على الحادثة، حتى لو كان هناك انفصال أو توتر بين البلدين من وقت لآخر يجب أن تستمر علاقاتنا.
الخليج أونلاين: الاتهامات التركية للإمارات خطيرة جداً.. كيف تقيّم العلاقة مع أبوظبي؟ وكيف سترد أنقرة على تحركاتها ضد تركيا؟ وهل سيتم تدويل القضية؟
نحن نتابع من كثب تحركات الإمارات في البحر الأبيض المتوسط، وتركيا لا تشعر بعداء خاص أو صداقة خاصة مع أي بلد، ونتصرف وفق متطلبات ومصالح بلادنا فقط.
إذا كان هناك أي اعتداء على وجودنا في ليبيا أو البحر الأبيض المتوسط فسيتم الرد عليه في إطار القانون والمواثيق الدولية.
أتمنى ألا يكون هناك شيء من هذا القبيل، ومع ذلك لا ينبغي أن ننسى أنه عندما يحدث ذلك ستأتي أقسى وأسرع استجابة.
كما قلت؛ الإمارات ليست عدونا، ومع ذلك فمن المدهش أن هناك عقلية تقف إلى جانب الدول الإمبريالية في الساحة الدولية، وهي وسيط للقمع والعنف ضد الدول الإسلامية.
آمل أن تتخلى الإمارات عن هذا الموقف، وأن تقف إلى جانب الضحايا والمظلومين، وخاصة فلسطين.
الخليج أونلاين: لوحظ تخفيف حدة التوتر بين تركيا من جهة، والبحرين والسعودية من جهة أخرى، كيف يمكن فهم سياق هذا التقارب؟ وهل يمكن أن تكون الإمارات في سياقه أيضاً؟
موقع تركيا الجيوسياسي ومهمتها من الماضي والمستقبل، ونقطة الانصهار هي جسر بين الشرق والغرب، ولا توجد هنا مفاهيم مثل العداء الأبدي أو الصداقة الأبدية. القرب التاريخي، والروابط التاريخية، والروابط الثقافية والدينية لا تقل أهمية عن السياسة الحقيقية.
نرغب في توسيع نقاطنا المشتركة مع دولنا الإسلامية، لكن لا ينبغي لأحد أن يتوقع منا أن نتحلى بالصبر مع التفاهم غير العادل والظالم وأن نتعامل معهم، لكن من وقف مع الحق والعدل ووقف ضد الظلم نحن أيضاً سنقف إلى جانبه.
لم أفقد إيماني بأن حكومات البلدان المذكورة أعلاه ستتخلى عن الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي، وستحاول فعل الأفضل والأجمل لشعوبها. نريد لجميع الشعوب التي عشنا معها في هذه الجغرافيا لسنوات أن تعيش في ازدهار اجتماعي واقتصادي، وأن تتمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية.
الخليج أونلاين: كيف حافظت تركيا على علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية والإمارات رغم الخلافات الكثيرة؟
كما ذكرت أعلاه، يمكن أن تكون هناك توترات وتقلبات شديدة بين البلدان من وقت لآخر، مقارنة بالدول الأخرى التي مرت بأزمة شهدنا استمرار العلاقات الدبلوماسية لتركيا؛ لأنه إلى جانب مناطق المشاكل التي تسبب الأزم، تستمر العلاقات التجارية والاستيراد والتصدير وغيرها بين شعبي البلدين، ويجب أن تستمر.
الخليج أونلاين: ما موقف تركيا من موجة التطبيع العربي مع "إسرائيل"؟
إن تطبيع علاقات الدول العربية مع "إسرائيل" يعني شرعية الاحتلال الإسرائيلي، وتبرئة قاتلي آلاف الشهداء، واضطهاد الفلسطينيين الذين تم أسرهم منذ سنوات. هذه خيانة للشعب الفلسطيني، فقبل كل شيء على "إسرائيل" الانسحاب من الأراضي المحتلة، والاعتراف بفلسطين كدولة حرة غير مقسمة جغرافياً وعاصمتها القدس.
تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" يعني إغلاق روايات مجزرتي صبرا وشاتيلا، والأشخاص الذين لقوا حتفهم في حرب الأيام الستة، والأطفال الذين استهدفهم الرصاص الإسرائيلي، وآلاف الفلسطينيين المعاقين.
موقفنا ليس أن هناك حرباً أو قتالاً بين الدول، لا يتعلق الأمر بوجود صراعات، ومع ذلك فإن موقفنا مع عودة حقوق مجتمع محتل صودرت أراضيه، وهجر من دياره، و"إسرائيل" قاتلة أطفال غازية.
الخليج أونلاين: تنتقد تركيا الذاهبين للتطبيع، لكن هناك من يلومها على علاقتها بـ"إسرائيل".. كيف تردون عليهم؟
علاقتنا مع "إسرائيل" لا تعني أنها ليست دولة احتلال، الواقع أن القاعدة الأساسية في علاقاتنا هي حماية حقوق الفلسطينيين والدول الأخرى في الأماكن الواقعة تحت سيطرة "إسرائيل".
المسجد الأقصى في القدس، كما كان لقرون قبل الاحتلال الإسرائيلي، هو أن كل الناس يستطيعون العبادة بحرية، ولا يخضع لأي محرمات أو قيود.
الخليج أونلاين: كيف تنظرون إلى علاقتكم مع أمريكا في حكم بايدن؟ هل تتوقعون موجة تصعيد أو عقوبات؟
بصراحة لا أعرف بالضبط كيف ستتطور العلاقات التركية الأمريكية بعد وصول جو بايدن للحكم، وسيظهر هذا في الغالب كنتيجة للقرارات التي ستتخذها الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويجب أن تتغير وجهة نظرها التي تؤكد فقط مصالحها وتتجاهل الدول الأخرى.
خفضت تركيا من اعتمادها على المجالات الاقتصادية والعسكرية الأجنبية مع المكاسب التي تحققت اليوم، ومع التقدم في الصناعات الدفاعية أصبحت الآن قوة يمكنها الوقوف على قدميها.
شعبنا وليس مجلس الشيوخ الأمريكي هو الذي يحدد علاقاتنا؛ مع من نجلس ونتحدث، ومع من نتسوق. فإرادة الأمة ومصالحنا الوطنية خط أحمر.
قرارات العقوبات الأمريكية سوف تدفعنا إلى اللجوء إلى بدائل أخرى في المجالين التجاري والعسكري، وتركيا لا تخلو من الخيارات، ولن نقبل العقوبات مثل البلدان الأخرى.
تعد تركيا لاعباً قوياً مع اقتصادها القوي وصناعة الدفاع التي تستطيع التصدير في العصر الجديد، والجميع على علم بهذا.
إن الموقف القوي والحازم لرئيسنا، الذي يراعي مصالح دولته وشعبه، زاد دعم الشعب له أكثر.
لا تتنازل تركيا عن حقوق كل موضوع مطروح على الطاولة، وفي الميدان تتحرك في إطار الحق والعدل والقانون الدولي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وبحر إيجة، وقبرص، وسوريا.
الخليج أونلاين: حصلت تصريحات إيجابية بين تركيا والسعودية مؤخراً، ما سر ذلك؟ هل ننتظر تحسناً في العلاقة بين البلدين؟ وهل يمكن أن نشهد لقاء قمة بين الرئيس التركي والعاهل السعودي أو ابنه (ولي العهد الأمير محمد بن سلمان)؟
المملكة العربية السعودية بلد لنا معه روابط تاريخية وثقافية عميقة، ومن مصلحتنا جميعاً تحسين العلاقات التجارية القائمة بين البلدين، كما سيكون من مصلحة شعبي البلدين نقل الصورة الإيجابية الحالية إلى أبعد من ذلك.
الخليج أونلاين: ما سر وقف استيراد بعض البضائع التركية في السعودية والصعوبات التي يواجهها التجار؟ هل هي معاقبة سعودية لتركيا بسبب الخلافات السياسية؟ وهل هناك اتصالات مع الرياض بهذا الشأن؟
نعلم أن الحكومة السعودية لم تتخذ مثل هذا القرار، ولكن بعض دوائر رأس المال هم ذهبوا لمقاطعة تركيا، لكننا نعلم أن الناس لا يبدون اهتماماً كبيراً بهذه الحملة غير العادلة، ويريدون بإصرار شراء البضائع التركية، وهذه ليست طريقة معاقبة تركيا، هذا معاقبة لشعبها بلا شك، كان يمكنهم الوصول إلى سلع تركية عالية الجودة وبأسعار معقولة.
وبحسب المعلومات التي تلقيناها فقد تم كسر هذه المقاطعة السرية بعد اهتمام الجمهور بالمنتجات التركية المنشأ في الأسواق، كما قامت وزارتا الخارجية والتجارة بالمبادرات اللازمة في هذا الصدد على مستوى الدولة لدينا، والمفاوضات مستمرة.
الخليج أونلاين: كيف تنظرون إلى العلاقات مع قطر؟ وما سر التقارب الاستثنائي بين أنقرة والدوحة؟
لعل السبب هو أن السياسة الخارجية لتركيا دائماً يكون موقفها ثابتاً ومبدئياً، وتقوم على الاحترام والثقة المتبادلين في علاقاتنا.
إن تركيا لا توجد في أي بلد أو إقليم بسبب الثروات. هي لا تهتم أبداً بهذا، كما أننا لا نحمل عقلية غازية مثل الغربيين المستعمرين.
في هذا السياق لدينا علاقات تجارية متنامية مع قطر يوماً بعد يوم، بالطبع هذه الشراكات التي تنمو على أساس الثقة والكرامة يمكن أن تزعج البعض، إضافة إلى أن أصدقاءنا القطريين الذين يستثمرون في بلدنا قد تجعل البعض يشعر بالغيرة.
نرى أن هناك فئات تنشر بذور الفتنة، ونحن لن نعطيهم هذه الفرصة. وأعتقد أن التعاون بين البلدين الصديقين والشقيقين في كل المجالات سيستمر بشكل حاسم في الفترة المقبلة.