الخليج أونلاين-
تعاني العلاقات التركية الإماراتية خلافات حادة خلال المرحلة الراهنة، بالنظر إلى تعارض مواقف البلدين من قضايا مهمة بالمنطقة، ولا سيما فيما يتعلق بالملفين الليبي والسوري.
ورغم أن المصالحة التي جرت مؤخراً بين دول الخليج العربي قد تكون مدخلاً لتفكيك بعض الخلافات بين أنقرة وعواصم خليجية أخرى تشاطرها الخلاف، فإن الأمر يبدو أكثر صعوبة مع أبوظبي التي تتبنى مواقف مغايرة تماماً لما تتبناه تركيا في قضايا يراها الجانبان استراتيجية.
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قال، في 8 يناير الجاري، إن المصالحة الخليجية ستعود بالخير على المنطقة، مشيراً إلى أن بلاده ستستعيد مكانتها المهمة لدى دول الخليج قريباً.
لهجة مختلفة
وفي السياق، قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، في تصريحات صحفية أدلى بها في 7 يناير، إنه لا عداء بين أبوظبي وأنقرة، وإن الخلاف يدور حول محاولات تركيا توسيع دورها في المنطقة على حساب دول عربية.
وأشار قرقاش إلى أن تركيا هي الشريك رقم واحد لبلاده في المنطقة، لكنه قال أيضاً إن على أنقرة أن تتخلى عن "الجماعات الإسلامية المتشددة".
وفي حوار مع قناة "سكاي نيوز"، الأحد 10 يناير الجاري، أكد قرقاش أنه بلاده ترغب في تطبيع العلاقات مع تركيا في إطار احترام سيادة البلدين، وأنها ترحب أيضاً بأي تقارب مصري تركي.
خلافات حادة
وتتعارض مواقف الطرفين في العديد من الملفات، مثل سوريا؛ إذ تشير تقارير إلى تقديم أبوظبي دعماً مالياً واستخبارياً ولوجيستياً للجماعات الكردية المسلحة التي تقاتلها أنقرة في الشمال السوري.
وبغض النظر عن الملفات المتعلقة بالعلاقات مع النظام المصري، أو الموقف من جماعة الإخوان المسلمين، أو التعاطي مع الأوضاع في منطقة القوقاز، فإن الخلاف الليبي يبدو الأكثر حساسية بين الأتراك والإماراتيين.
ففي الوقت الذي تحاول فيه أنقرة تثبيت أقدام حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، تواصل أبوظبي دعم اللواء المتقاعد خليفة حفتر، المتمركز في الشرق الليبي، والذي فاقم الصراع ونسف كل محاولات التوصل إلى حل سياسي خلال السنوات الماضية.
وشهد العام الأخير سجالات كلامية بين الجانبين وصلت إلى حد التهديد، بعدما أكد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، أن بلاده تعرضت للضرر على يد الإمارات في أكثر من منطقة، وقال إن الأتراك سيردون على هذا الضرر في الوقت والمكان المناسبين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الإمارات تؤوي السياسي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح" محمد دحلان، الذي تتهمه أنقرة بدعم المتورطين في محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت في يوليو 2016.
وأوقفت الحكومة التركية عدداً ممن قالت إنهم جواسيس يعملون لحساب الإمارات على أراضيها، كما أنها وضعت دحلان على القائمة الحمراء للمطلوبين لنظامها القضائي، في حين تعتقل الإمارات رجل الأعمال التركي محمد أوزتورك بتهمة دعم الجماعات الإرهابية في سوريا.
التقارب بحاجة إلى أفعال
ويرى محللون أن تغير اللهجة الإماراتية مؤخراً إنما يعود "لخشيتها من مواجهة عزلة سياسية"؛ بالنظر إلى خروج دونالد ترامب المرتقب من البيت الأبيض من جهة، وإلى التقارب السعودي القطري الأخير، والذي قد يجلب معه قوى إقليمية أخرى مثل تركيا وباكستان وربما مصر أيضاً، كما يقول الباحث السياسي التركي علي باكير.
وهنا تجدر الإشارة إلى ارتفاع مستوى التنسيق المخابراتي خلال الشهور الأخيرة بين أنقرة والقاهرة، في الملف الليبي، تجنباً لصدام عسكري مباشر لا يريده البلدان.
وفي مقال نشره موقع "تي آر تي" الإنجليزي (الخميس 14 يناير) قال باكير، إن على الإمارات دعم دعواتها لبناء الجسور بالفعل، مشيراً إلى أن أبوظبي تمتلك نفوذاً لدى إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب، عليها أن تستغله في عدم تأجيج الخلافات بين واشنطن وأنقرة مستقبلاً.
وأشار باكير إلى أن أبوظبي، وعبر سفيرها في واشنطن، يوسف العتيبة، مارست تحريضاً كبيراً على تركيا، وحاولت وضعها في مواجهة عسكرية مع مصر على الأراضي الليبية، لافتاً إلى أن العتيبة قال في إحدى رسائله التي سُربت إن بلاده "لا ترغب في أن تتمكن تركيا من إعداد قائمة عشاء وليس دولة".
كما اعتبر باكير أن رأب الصدع بين البلدين يتطلب من الإمارات وقف دعم الفوضى والديكتاتوريات في المنطقة، وعدم تحريض دول غربية على تركيا، ووقف آلتها الإعلامية التي عملت لسنوات على تشويه الصورة التركية، حسب تعبيره.
وعلّق مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، ياسين أقطاي، على تصريحات قرقاش بشأن عودة العلاقات بين بلديهما، بالقول إن تركيا لم تكن راغبة في أي خلافات.
وفي مقال نشرته صحيفة "يني شفق" التركية (الأربعاء 13 يناير)، قال أقطاي: "لا يمكن للإمارات على مدى السنوات الأخيرة أن تتجرأ لطلب شيء من تركيا".
ضبط التوتر
وكالة "سبوتنيك" الروسية نقلت عن كرم سعيد، الباحث بالشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في مصر، أن مستقبل العلاقات بين الإمارات وتركيا يحتمل سيناريوهات عديدة.
ورجّح سعيد أن "يجري ضبط التوتر القائم على خلفية العديد من الملفات، على رأسها انحياز الإمارات إلى خصوم تركيا في شرق المتوسط اليونان وقبرص، وكذلك رفض الدور التركي المتنامي في منطقة الخليج".
وذهب محللون للحديث عن إمكانية أن يكون لقطر دور إيجابي في المصالحات الخليجية مع تركيا لا سيما عقب تصريح وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي أعرب فيه عن استعداد بلاده لأداء هذا الدور.