أوريل أراوجو- جلوبال ريسيرش - ترجمة الخليج الجديد -
قبل أيام، قال الجنرال الأمريكي "فرانك ماكنزي"، إن الولايات المتحدة ستواصل دعم السعودية للدفاع عن نفسها ضد "التهديد الإيراني المشترك"، في الوقت الذي شددت فيه الحكومة السعودية على أهمية إشراك الدول المتضررة من "التهديدات الإيرانية" في المفاوضات الدولية حول البرنامج النووي الإيراني.
وخلال الأسابيع الماضية، كان واضحا أن السعودية ترسل رسائل مختلطة إلى إيران، فأحيانا تصدر بيانات تحذيرية وأحيانا أخرى تصدر بيانات تصالحية.
وقال وزير الخارجية السعودي "فيصل بن فرحان" في 22 يناير/كانون الثاني الماضي، إن "أيادي المملكة ممدودة لإيران لصنع السلام"، وفي الوقت نفسه، اتهم طهران بعدم الجدية بشأن محادثات السلام، وعدم الامتثال للاتفاقيات.
ورد المتحدث باسم الخارجية الإيرانية "سعيد خطيب زاده"، في تصريح لوكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إسنا"، بأن إيران بدورها سترحب بإصلاحات في السياسات السعودية لإنشاء "آلية أمنية" في المنطقة.
وفي غضون ذلك، تسعى قطر إلى التوسط بين السعودية وإيران وتهدئة التوترات، ولا تربط الرياض وطهران علاقات دبلوماسية منذ هجوم 2016 على السفارة السعودية في طهران بعد أن أعدمت المملكة رجل الدين الشيعي "نمر النمر".
واقع جيوسياسي مختلف
ويستمر الوضع الجيوسياسي للشرق الأوسط في التغير؛ وقد رأينا على سبيل المثال كيف وقعت دول عربية مختلفة على اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، فيما تخوض تركيا حربًا بالوكالة مع بعض الدول العربية في شمال أفريقيا، ولكن ربما تكون الأمور في منطقة الخليج أكثر تعقيدًا؛ ففي تطور جديد، حثت قطر دول الخليج على الدخول في حوار مع إيران.
وبحسب بيان صادر عن وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" في 18 يناير/كانون الثاني، فإن الدوحة مستعدة للتوسط في مثل هذه المفاوضات، وجاء ذلك قبل أيام من تنصيب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" الذي وعد خلال حملته الانتخابية بإحياء الاتفاق النووي مع إيران.
وجاءت اللفتة السعودية بخصصوص استعداد المملكة لإبرام اتفاق سلام مع إيران، بعد التصريحات القطرية، وفي غضون ذلك، تجري الدوحة أيضًا محادثات مع إيران وكوريا الجنوبية لضمان الإفراج عن ناقلة النفط التي استولى عليها الحرس الثوري الإيراني.
استباق الضغط الأمريكي
وجاءت هذه التطورات بعد توقيع اتفاقية "التضامن والاستقرار" التاريخية في 5 يناير/كانون الثاني بين قطر من جهة، والإمارات والسعودية ومصر والبحرين من جهة أخرى، لإعادة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين الجانبين.
وينهي هذا الاتفاق الحصار المفروض على قطر، كما ينهي (على الأقل في الوقت الحالي) أزمة الخليج التي استمرت لمدة 3 سنوات ونصف، وكانت تتعلق أيضًا بإيران.
ففي عام 2017، قطعت البحرين والسعودية ومصر والإمارات جميع العلاقات مع قطر، متهمة إياها بأنها "قريبة جدًا" من إيران (العدو اللدود للسعودية) ودعم "الإرهاب".
ووفقًا للزميل البارز في مركز أبحاث المجلس الأطلسي "عماد الدين بادي"، فمن الواضح أن هذا التقارب بين دول الخليج كان نتيجة رغبة سعودية في "استباق الضغط" من إدارة "بايدن"، ما يعني أن العلاقات الخليجية في الحقيقة ليست على ما يرام.
ولا تزال قطر ترغب في الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع كل من تركيا وإيران، وهكذا فإن أمامها مهمة معقدة؛ فالأولوية اليوم لبعض دول الخليج الأخرى لم تعد معاداة إسرائيل بل مواجهة كل من تركيا وإيران، وهما دولتان تربطهما علاقات معقدة ومتوترة في كثير من الأحيان.
دور قطري صاعد
تبذل الإمارات وسلطنة عمان جهودًا لتحسين علاقاتهما مع تركيا، في أعقاب اتفاق دول الخليج، كما عرضت قطر التوسط بين أنقرة والرياض، وللمرة الأولى منذ عامين، يبدو أن هناك طريقًا للمصالحة بين أنقرة والرياض.
لكن الأمور بعيدة عن المصالحة فيما يتعلق بإيران، حيث لا تزال التوترات عالية، ففي 22 يناير/كانون الثاني، أعرب مسؤولون إماراتيون (إلى جانب مسؤولين إسرائيليين) عن موافقتهم على سياسة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" المتمثلة في "أقصى ضغط" على إيران.
في غضون ذلك، وقعت تركيا وإيران اتفاقيات مع باكستان لتعزيز التعاون في مجال السكك الحديدية، وبالتالي زيادة تطوير الطرق التي تربط بين إسطنبول وطهران وإسلام آباد، بالإضافة لتعزيزالعمل مع مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وتجدر الإشارة إلى أنه في فبراير/شباط 2020، انسحبت شركة السكك الحديدية الروسية "ريلويز" المملوكة للدولة من مشروع للسكك الحديدية بقيمة 1.3 مليار دولار والذي يتضمن خطًا بين جامسار (إيران) وإينس بورون (تركيا).
وجاء ذلك بسبب الضغط الأمريكي بشأن العقوبات المفروضة على إيران، ويعد هذا الخط مصمما لربط تركيا (عبر إيران) بكازاخستان وتركمانستان.
في النهاية يمكن أن تتلاقى مصالح دول مثل تركيا وإيران وحتى روسيا ضد العقوبات الأمريكية، وقد تعمل هذه الدول معًا على بعض المستويات على حوار مع دول الخليج لمواجهة العزلة الدولية، ووفق هذا السيناريو سيصبح دور قطر وثيق الصلة.