الخليج أونلاين-
فتحت المصالحة الخليجية التي أعلنت إنهاء الخلاف بين كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، في قمة العلا بالسعودية، مطلع يناير الجاري، الباب أمام عودة علاقات الرياض وأبوظبي مع تركيا، التي تأثرت كثيراً لأسباب عديدة.
وعلى الرغم من العلاقات الطويلة بين الدولتين الخليجيتين وتركيا، التي تتخللها اتفاقيات استراتيجية وتجارية متبادلة منذ سنوات، أخذت هذه العلاقات تعيش سلسلة اضطرابات وخلافات قائمة على العديد من قضايا الشرق الأوسط.
وكان وقوف تركيا إلى جانب قطر في الأزمة الخليجية تسبب في انعكاسة بهذه العلاقات، لتشهد لاحقاً شرخاً عميقاً، خاصة بين أنقرة والرياض، على خلفية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي بإسطنبول في أكتوبر 2018، هذا فضلاً عن الخلاف حول ليبيا.
تحركات خليجية
وكالة "بلومبيرغ" نقلت عن مصادر مطلعة أن السعودية والإمارات بدأتا تحركات أولية لتحسين العلاقات مع تركيا، مبينة، في تقرير نشرته الخميس (4 فبراير 2021)، أن هذا التحرك "يمكن أن يفيد التجارة والأمن في المنطقة غير المستقرة".
وأوضحت "بلومبيرغ" أن "هذه الخطوات أولية على خلفية التوترات والصراع طويل الأمد على النفوذ"، مرجحة أنها قد تتعثر بسبب مطالبة الدولتين الخليجيتين لتركيا بالتخلي عن دعم جماعة "الإخوان المسلمين"، التي تعتبرها السعودية والإمارات "إرهابية".
لكن التقرير أشار في الوقت ذاته إلى أنه "حتى التقدم المحدود قد يخفف من التوترات حول قضايا إقليمية أوسع"، خاصة أن هذه التطورات تأتي بعد المصالحة بين كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة أخرى، حيث تعتبر الأخيرة حليفاً وثيقاً لتركيا في المنطقة.
كما يتزامن ذلك مع انتقال السلطة في الولايات المتحدة إلى إدارة الرئيس الجديد، جو بايدن، الذي يتوقع أن يتبع نهجاً أكثر صرامة تجاه كل من تركيا والسعودية والإمارات.
وفي هذا السياق نقلت الوكالة أن مسؤولاً تركياً أبلغها بأن تركيا والإمارات ناقشتا إزالة الحواجز أمام التجارة بينهما، مضيفاً أن المقترحات حفزت القرار الذي تم اتخاذه مؤخراً لاستئناف الرحلات بين أنقرة وأبوظبي، والتي أوقفتها سابقاً جائحة فيروس كورونا.
وبحسب الوكالة، وصف شخص مطلع على موقف الدول الخليجية هذه التطورات بـ"العملية في مراحلها الأولى"، وأضاف المصدر، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع، أن قضية "الإخوان المسلمين" محورية بالنسبة لمخاوف دول الخليج العربية ولحليفهم المقرب مصر.
في المقابل ينفي مسؤولون أتراك أن يكون هناك تواصل مباشر أو غير مباشر من أبوظبي والرياض تضمن مطالب بتغيير سياسة أنقرة تجاه "الإخوان المسلمين"، لكنهم يدركون أن ذلك يمثل أولوية للدولتين حتى لو كان هناك مجال ضئيل للدبلوماسية في هذا الشأن، حيث تعتبر أبوظبي والرياض الجماعة على أنها مزعزعة للاستقرار بالمنطقة.
تحركات سعودية
إشارات شهدها مطلع العام الجاري قرأها مراقبون على أنها بداية لعودة العلاقات بين السعودية وتركيا، ففي 20 نوفمبر الماضي، عشية قمة العشرين، هاتف الملك سلمان الرئيس رجب طيب أردوغان.
وتنصلت الرياض من حملة "المقاطعة الشعبية" للبضائع التركية، التي شهدتها المملكة وروج لها على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، وأكدت أنها لم تؤثر على الميزان التجاري بين البلدين.
وفي 22 نوفمبر الماضي قال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، إن المملكة "لديها علاقات طيبة ورائعة" مع تركيا، و"لا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسمية للمنتجات التركية".
كذلك اجتمع وزيرا خارجية البلدين في النيجر على هامش مؤتمر دول التعاون الإسلامي، التي عقدت في 27 و28 من نوفمبر 2020.
مصلحة عليا
المحلل السياسي فراس رضوان أوغلو أكد أن المصلحة العليا لتركيا بوجود علاقات جيدة تجمعها مع السعودية والإمارات بشكل قوي، رغم الخلافات الأخيرة التي دبت بينهما في ملفات المنطقة، ومنها في سوريا وليبيا.
وتعد العجلة الاقتصادية، وفق حديث رضوان أوغلو لـ"الخليج أونلاين"، هي التي تحرك الطرفين لتحسين العلاقات، خاصة مع وجود استثمارات كبيرة جداً بينهم.
ويوضح رضوان أوغلو أن العلاقات بين تركيا والإمارات والسعودية، خلال السنوات الماضية، لم تكن عند المستوى المتدني جداً، بل سيطر عليها الفتور، ولكن مع عودة الاشتباكات في اليمن، وتصدر الدور الإيراني، يجب أن تقوى العلاقة بين تلك الدول.
وحول وجود دور لوصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة في تحسن العلاقات، يقول رضوان أوغلو: "إدارة الرئيس الجديد ليست مهتمة كالرئيس السابق دونالد ترامب، فهي لديها أولويات لتبقي تحالفات في المنطقة وحتى لو كانت على حساب حلفائها".
ويريد بايدن، كما يؤكد المحلل السياسي التركي، إبقاء توازن بين إيران ودول الخليج العربي، لذلك تحتاج السعودية والإمارات إلى دعم تركيا، موضحاً أن تبادل المصالح سيكون مترتباً على ما سيحدث من أحداث في المستقبل القادم.
ورغم الخلافات بين الدولتين الخليجيتين من جهة، وتركيا من جهة أخرى، فيما يتعلق بالحرب في ليبيا والأوضاع في سوريا والعراق ومصر، وبحث تركيا عن مصادر الطاقة في البحر المتوسط، تشكل هذه البادرة التي كشفت عنها وكالة "بلومبيرغ" جزءاً من نغمة أكثر واقعية وتصالحية في الدول الخليجية في الوقت الحالي.
وتعتبر سوق التصدير ورقة مساومة قوية، حيث إن الإمارات هي ثاني أكبر شريك تجاري لتركيا في الشرق الأوسط بعد العراق، إذ بلغ حجم التجارة الثنائية نحو 8 مليارات دولار في عام 2019.
وتصدر تركيا مجموعة كبيرة من السلع إلى البلاد، تتنوع بين الأحجار الكريمة وقطع غيار الطائرات.
كذلك فإن السعودية، التي تزود تركيا بالنفط والمواد الكيميائية، هي في الوقت نفسه أحد أكبر أسواقها الإقليمية على الرغم من تراجع الصادرات.