متابعات-
تطور لافت وجديد هو الأول بين تركيا والإمارات عقب المصالحة الخليجية؛ إذ عينت أنقرة سفيراً جديداً لها في أبوظبي، فيما تبدو أنها خطوة تتماشى مع السياسات التركية الخارجية المرتقبة.
وتشهد العلاقات بين الإمارات وتركيا توتراً كبيراً على خلفية قضايا عدة، بينها الأزمات في سوريا واليمن وليبيا، إلى جانب الأزمة الخليجية بعد وقوف أنقرة إلى جانب قطر، قبل إنهائها في قمة المصالحة، مطلع هذا العام.
ومؤخراً باتت التصريحات الإماراتية تشير إلى رغبة من أبوظبي بالعمل على استعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا، كما تحدثت عن مؤشرات مشجعة لتحقيق ذلك، بما يطرح تساؤلات عن آفاق العلاقات بين الجانبين خلال الفترة القادمة.
سفير في أبوظبي
مطلع شهر أبريل 2021، نشرت الجريدة الرسمية في تركيا قراراً موقعاً من الرئيس رجب طيب أردوغان بتعيين 13 سفيراً جديداً في عدد من الدول الأوروبية والآسيوية والأفريقية، من بينها الإمارات.
وشملت التغييرات تعيين توغاي تونتشر سفيراً تركياً جديداً في الإمارات، بدلاً من السفير السابق جان ديزدار الذي كان معنياً قبل سنوات بالملف السوري في وزارة الخارجية التركية، حيث سُحب ديزدار إلى أنقرة.
وخدم تونتشر في السابق في عدة مناصب؛ أبرزها نائب المدير العام لإدارة أمريكا الشمالية في وزارة الخارجية التركية، ونائب للمدير العام لإدارة الولايات المتحدة الأمريكية في الوزارة أيضاً.
كما شغل منصب القائم بالأعمال في السفارة التركية في واشنطن، وعمل كخبير في علم التحليلات السياسية في حلف شمال الأطلسي "الناتو"، وضابط اتصال بوسط آسيا في الحلف.
تصريحات تقارب
بعد نحو يومين على المصالحة الخليجية التي أعلن عنها في القمة التي عقدت بمدينة العلا السعودية، في 5 يناير 2021، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي (أعفي لاحقاً)، أنور قرقاش، إن بلاده تعتبر "الشريك الأساسي رقم واحد" لتركيا في الشرق الأوسط، مبيناً أن الإمارات "لا تعتز بأي عداء" مع أنقرة.
وبعدها بثلاثة أيام قال في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية"، التي تبث من أبوظبي، إن بلاده تريد "علاقات طبيعية" مع تركيا، متحدثاً عن مؤشرات مشجعة لتحقيق ذلك.
قرقاش أوضح قائلاً: "نريد أن نقول لتركيا إننا نريد علاقات طبيعية تحترم السيادة بيننا وبينها"، مشيراً إلى وجود مؤشرات تركية مشجِّعة؛ مثل "الانفتاح الأخير مع أوروبا".
وعقب تلك التصريحات قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إن هناك رسائل إيجابية من جانب الإمارات لتصحيح العلاقات مع بلاده، مشيراً إلى أن أنقرة تريد أن ترى أشياء ملموسة.
إصلاح العلاقات
يتحدث المحلل السياسي محمود علوش عن توجه تركي لإصلاح العلاقات مع عدة أطراف إقليمية، ومن بينها الإمارات، مشيراً إلى أن الخلافات بين تركيا والإمارات "عميقة وأيديولوجية وليست ظرفية، لكن الاتجاه الحالي هو لتجميدها على الأقل".
ويقول لـ"الخليج أونلاين": "مؤخراً ظهرت بعض المؤشرات الإيجابية في الخطاب السياسي المتبادل بين الطرفين، وهذا الخطاب فرضته حاجة أنقرة وأبوظبي لإعادة ضبط خلافاتهما في ظل متطلبات المرحلة الجديدة والعامل الأمريكي الذي يضغط على معظم الأطراف الإقليمية".
ولفت إلى أن أنقرة "سبق أن أبدت استعدادها لفتح صفحة جديدة مع الإمارات، لكنها رهنت ذلك بتخلي أبوظبي عن الخطاب العدائي تجاهها".
ويرى أن المصالحة الخليجية والتسوية السياسية في ليبيا والمسار التركي المصري المستجد، وقدوم بايدن، "كلها عوامل ساعدت في تهدئة الخلاف التركي الإماراتي، لكنه قابل للاشتعال مجدداً في حال أي انتكاسة في المسارات الأخرى".
ويعتقد أن أنقرة "معنية بتسوية الخلافات مع الإمارات؛ لأن ذلك يساعدها في تسوية الخلافات مع مصر والسعودية كذلك"، لكنه في الوقت ذاته يؤكد أن تركيا "لا تعول كثيراً على إمكانية تحقيق خرق في هذا الإطار بالنظر إلى الخلافات العميقة مع أبوظبي".
رسائل إماراتية إيجابية
أما طه عودة أوغلو، الباحث بالشأن التركي والعلاقات الدولية، فقد أشار إلى توالي الرسائل الإماراتية الإيجابية خلال الأسابيع الماضية حيال التقارب مع تركيا.
وأرجع ذلك إلى "المصالحة الخليجية والمؤشرات المتزايدة على إمكانية حصول مصالحة قريبة بين تركيا والسعودية"، مؤكداً أن تعيين سفير تركي في الإمارات جاء "لترجمة هذا التقارب على أرض الواقع".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين" قال عودة أوغلو: "تعتبر هذه الخطوة دلالة واضحة على الرغبة التركية في تطبيع العلاقات مع الإمارات، لتعكس مرحلة جديدة من العلاقات بين البلدين بعد توتر شديد شهدته هذه العلاقة خلال العامين الماضيين (على الصعيد السياسي والأمني) مما يعكس أثر المصالحة الخليجية على هذه التطورات وما سبق ذلك من ملامح تقارب سعودي تركي".
وأضاف: "كما أن هناك رغبة معلنة صرح بها الرئيس التركي قبل أشهر، وبدأها مؤخراً بإطلاق رسائل إيجابية مختلفة شملت الإدارة الأمريكية الجديدة، والاتحاد الأوروبي، ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص".
ويلفت إلى أن أردوغان يسعى "لتحقيق الاستقرار السياسي والعودة للدبلوماسية في المنطقة، فضلاً عن أن هناك أسباباً تدفع تركيا والإمارات لتخفيف حدة التوتر على الأقل، وجميعها يرتبط بالترتيبات الإقليمية الأخيرة في المنطقة".
وإلى جانب ذلك يرى الباحث السياسي أن الملف الاقتصادي "يعد أحد الأبعاد التي قد تدفع تركيا والإمارات لخفض مستوى التوتر بينهما على الأقل؛ في ظل مؤشرات على استمرار تأثير تداعيات جائحة كورونا خلال النصف الأول من العام الجاري على أقل تقدير".
أبرز الخلافات
بدأت الأزمة السياسية بين الإمارات وتركيا حين انقلب وزير الدفاع المصري، عبد الفتاح السيسي، على أول رئيس منتخب في البلاد، محمد مرسي، في يوليو 2013، إضافة إلى موقف البلدين من الأزمة السورية، إضافة إلى الخلاف الليبي الذي يبدو الأكثر حساسية بين الأتراك والإماراتيين.
ووصلت الأزمة الدبلوماسية والتلاسن بين المسؤولين إلى ذروتها حين أعلنت السعودية، إلى جانب أبوظبي والبحرين ومصر، حصاراً على دولة قطر، في يونيو 2017، الذي وقفت فيه أنقرة مع حليفتها الدوحة وساندتها سياسياً، واقتصادياً، وعسكرياً، وهو ما أثار غضب قادة الإمارات.
منذ تلك المواقف التركية لم تتوقف الإمارات عن مهاجمة أنقرة وشيطنتها أمام سكانها وبعض دولها الصديقة، واتهامها بالتدخل في الشؤون العربية في منطقة الشرق الأوسط.
وزادت حدة الخلافات والتوتر بين البلدين مع اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده بإسطنبول، في أكتوبر 2018، حيث ساندت الإمارات السعودية في تلك الأزمة، وهاجمت تركيا.
كذلك للأزمة التركية الإماراتية وجه آخر اسمه محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية، والذي يشغل مستشاراً أمنياً لولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد، حيث تتهمه بأنه "مرتزق يعمل لحساب دولة الإمارات"، وبالمشاركة في محاولة انقلاب عام 2016 ضد الرئيس رجب طيب أردوغان.
وإلى جانب ذلك فقد هدد وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في يونيو الماضي، بمحاسبة الإمارات، وقال إن أبوظبي أضرّت ببلاده في ليبيا وسوريا، مؤكداً أن أنقرة ستحاسبها على ما فعلت في المكان والزمان المناسبين.
ووقعت الإمارات مع اليونان جارة تركيا جملة من الاتفاقيات السياسية والاقتصادية والثقافية وحتى الدفاعية، في محاولة للضغط على تركيا ضمن خطط استقطاب اليونان للعب دور موازٍ لتركيا واستثمار الصراع بينهما من خلال الانحياز إلى موقف أثينا، وخاصة في ملف الغاز شرقي البحر المتوسط.