يويل جوزانسكس وجاليا لندرستينس /معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي - ترجمة الخليج الجديد-
شهد العام الماضي تقدمًا كبيرًا في التعاون السياسي والأمني بين السعودية والإمارات من ناحية واليونان وقبرص من جهة أخرى. وفي مارس/آذار 2021، طارت مقاتلات سعودية إلى اليونان من أجل المشاركة في التدريب المشترك "فالكون آي 1"، وهو تدريب واسع النطاق يعد الأول من نوعه الذي يضم القوات الجوية للبلدين. وفي الوقت نفسه، وصل وفد عسكري سعودي برئاسة رئيس الأركان الفريق "فياض بن حامد الرويلي" إلى اليونان لإجراء محادثات.
ووقعت السعودية واليونان هذا الأسبوع اتفاقا لتزويد المملكة بنظام "باتريوت" للدفاع الجوي، بهدف "حماية منشآت الطاقة الحيوية" في المملكة. وستغطي السعودية تكاليف النقل والتشغيل لبطارية باتريوت من اليونان، كما ستمول عمليات ترقية الأنظمة اليونانية المضادة للطائرات إلى إصدار PAC-3.
كما تحسنت العلاقات بين الإمارات واليونان إلى حد كبير، ففي أغسطس/آب 2020، بعد أسبوع واحد من إعلان اتفاقية التطبيع بين إسرائيل والإمارات، أرسلت أبوظبي طائرات مقاتلة وطواقم جوية إلى اليونان من أجل المشاركة في تدريب مشترك بين القوات الجوية للبلدين.
وخلال زيارة رئيس الوزراء اليوناني إلى أبوظبي في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، وقع البلدان اتفاقية شراكة استراتيجية ضخمة تتضمن جوانب أمنية مهمة.
وصاحب التعاون الأمني تنسيقا سياسيا رفيعا. ففي مايو/أيار 2020 بعد اجتماع على منصة افتراضية، أصدر وزراء خارجية اليونان وقبرص ومصر والإمارات، بيانًا مشتركًا يدين إرسال سفن تنقيب تركية إلى المناطق المتنازع عليها مع قبرص.
وفي فبراير/شباط 2021، عقدت قمة حضرها وزراء خارجية اليونان والقبرص والإمارات والسعودية والبحرين ومصر وفرنسا في اليونان. كما عُقد اجتماع في منتصف أبريل/نيسان 2021 في بافوس، ضمّ وزراء خارجية قبرص واليونان وإسرائيل ووزير الخارجية الإماراتي السابق الذي أصبح الآن مستشار رئيس الإمارات، وقال وزير الخارجية القبرصي تعليقًا على ذلك: "إن تطور شبكة التعاون الإقليمي يخلق سردية جديدة".
المصالح المشتركة
تشكل الاضطرابات الإقليمية واكتشافات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط خلفية الانخراط الخليجي في منطقة شرق المتوسط. كما تأتي هذه العلاقات في سياق التدافع الإقليمي بين تركيا من ناحية، والإمارات والسعودية من ناحية أخرى.
لطالما تنافست أنقرة والرياض وأبوظبي مع بعضها البعض لتشكيل النظام الإقليمي بعد الاضطرابات في الشرق الأوسط. ومنذ عام 2017، كانت القاعدة العسكرية التركية في قطر مصدر توتر مستمر بين الدول الثلاث.
وواصلت هذه الدول تدخلها في الساحات التي تتسم بعدم الاستقرار وفراغ السلطة رغم بعدها عن حدودها، وأدى انخراطها في الحرب الأهلية في ليبيا وغيرها من الصراعات إلى تأثير كبير على الأحداث في شرق البحر المتوسط.
وبالإضافة إلى بناء القواعد العسكرية والموانئ ودعم الوكلاء، حاولت هذه الدول تشكيل تحالفات -وإن كانت غير متماسكة- من أجل تعزيز مصالحها.
وخلال السنوات الأخيرة، نظرت الرياض وأبوظبي في طرق لتعميق التعاون بينهما وبين دول أخرى تشعر بالقلق من السلوك التركي، لا سيما في البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، بهدف توسيع نفوذهما. وقد وجدت السعودية والإمارات فرصه لتعزيز نفوذهما من خلال دعم قبرص واليونان في شرق المتوسط.
ومثلما تصاعدت وتيرة المحادثات والاجتماعات بين الشخصيات البارزة بين الجانبين، أصبحت التدريبات الجوية مصممة بشكل أكبر لإظهار دعم وتضامن الخليج مع اليونان، أكثر من كونها مصممة لإظهار لياقة جيوش هذه الدول. بمعني آخر، تستهدف هذه التدريبات إيصال رسالة إلى أنقرة مفادها أن هناك حلف دولي مصمم على عرقلة سياستها الحازمة.
وكان الدور الإسرائيلي حاضرا في التعاون المتزايد بين اليونان ودول الخليج، حيث شاركت الإمارات وإسرائيل أيضا في تدريب جوي دولي في اليونان في أبريل/نيسان. وعلى عكس السنوات السابقة، سمحت أبوظبي بالإعلان عن مشاركتها مع إسرائيل في المناورات الجوية.
محور جيوسياسي
لم يتطور العنصر الجيوسياسي في العلاقات بين دول الخليج واليونان إلا في السنوات القليلة الماضية، حيث استندت العلاقة في السابق بين الخليج وشرق المتوسط على الاقتصاد والتجارة في المقام الأول، وإن كان ذلك بشكل محدود أيضا.
وبلغ إجمالي التجارة الثنائية بين السعودية واليونان ما يقرب من مليار دولار في عام 2020، في حين بلغت التجارة الثنائية بين اليونان والإمارات حوالي 400 مليون دولار في عام 2019.
ولرؤية هذه الأرقام في ضوء المقارنة، فقد بلغ مجموع التجارة الثنائية بين تركيا والسعودية حوالي 5 مليار دولار، أما التجارة الثنائية بين تركيا والإمارات فقد بلغت حوالي 7 مليار دولار في عام 2018.
وأدى التوتر مع أنقرة إلى جعل الإمارات الشريك العربي الأوثق لليونان في العديد من الجوانب، حيث تدعم أثينا جهود أبوظبي في سوريا وليبيا.
وبالنسبة لأبوظبي والرياض، فهما تسعيان من خلال تعزيز العلاقات مع أثينا (ومع فرنسا التي هي أيضا في المعسكر المناهض لتركيا)، إلى مواجهة النفوذ التركي وتحقيق علاقات أوثق مع بروكسل والاتحاد الأوروبي.
وتزامن التقارب الخليجي اليوناني مع جهود تركيا لضبط سياستها الخارجية تجاه السعودية والإمارات واليونان، منذ انتخاب "بايدن" كرئيس للولايات المتحدة. وأعلنت أنقرة رغبتها في تهدئة الخلافات مع هذه الدول. ومع ذلك، تجد تركيا صعوبة في إثبات مصداقية جهودها لتحسين العلاقات، وأن دوافعها ليست مجرد محاولة لتفكيك تحالف هذه الدول ضدها.
حلف دائم؟
لا تكفي القوة العسكرية للإمارات والسعودية لتغيير ميزان القوى بين اليونان وتركيا في شرق البحر المتوسط، كما أن المساهمة العسكرية اليونانية في الدفاع عن شبه الجزيرة العربية ضئيلة أيضا. ومع ذلك، فإن الحلف، حتى لو كانت مؤقتًا وغير مُلزم بطبيعته، له أهمية سياسية كبيرة، لأنه يزيد من الضغوط على أنقرة ويجبرها على إعادة النظر في سياستها الإقليمية.
وتعد الدوافع الاستراتيجية التي قادت العديد من دول الخليج لزيادة انخراطها في شرق المتوسط في السنوات الأخيرة، عابرة بشكل كبير وتعتمد على الظروف. ومن شأن التغييرات والتعديلات في السياسة التركية والأمريكية في المنطقة أن تجعل دول الخليج تنظر إلى التواجد العسكري في ساحة بعيدة باعتباره غير مفيد أو ضروري.
وبالتالي فإن تراجع تركيا عن سياستها الصارمة، سيسهم في تخفيف العلاقات المستقبلية بين قبرص واليونان من ناحية والسعودية والإمارات من ناحية أخرى.
وبالإضافة إلى ذلك، إذا نجحت الولايات المتحدة في تحقيق التوازن بين رغبتها في تقليل انخراطها في الشرق الأوسط وإيصال رسالة إلى حلفائها الإقليميين بأنها لا تتخلى عنهم، فسوف تتراجع رغبة الأطراف الإقليميين في اتخاذ إجراءات مستقلة.
ولكن، نظرا لأن توجهات المنطقة الحالية تتخذ مسارًا معاكسًا، فإن ما هو مؤقت الآن قد يصبح دائمًا، ما يعني أن التقارب المؤقت بين السعودية والرمارات وقبرص واليونان قد يتحول إلى علاقات أكثر رسوخا.
الموقف الإسرائيلي
لدى إسرائيل مصلحة في تقييد سياسة تركيا في المنطقة، لكنها ليست هي الطرف الذي يتخذ المبادرة في هذا الشأن. وقد يرغب شركاء إسرائيل في الخليج في رؤية المزيد من الانخراط النشط من الجانب الإسرائيلي في مواجهة أنقرة.
وفي حين أنه من الواضح إلى أيّ الجانبين تنحاز إسرائيل، وأنها عززت سابقًا من علاقاتها مع اليونان وقبرص في العقد الماضي، إلا أن القرب الجغرافي الإسرائيلي من محور التوتر بين اليونان وتركيا يتطلب حذرا كبيرا من جانبها.
كما تركز إسرائيل حاليا على تحديات أكثر أهمية بالنسبة لها على رأسها إيران، وقد ظهر ذلك في تأكيد وزير الخارجية الإسرائيلي "جابي أشكنازي" على التهديد الذي تمثله إيران و"حزب الله"، وذلك خلال تعليقه على اجتماع بافوس.