عبد العزيز كيلاني- معهد دول الخليج العربي في واشنطن - ترجمة الخليج الجديد-
بعد أعوام من التوترات بين الإمارات وتركيا، ظهرت تحركات لتحسين العلاقات بين البلدين منذ بداية العام، وتصاعدت هذه التحركات في الأسابيع الأخيرة نحو استعادة العلاقات.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، قال "أنور قرقاش"، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية حينها: "ما نريد أن نقوله لتركيا هو أننا نريد تطبيع علاقاتنا في إطار الاحترام المتبادل للسيادة".
وفي مارس/آذار، قال وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو": "لا يوجد سبب يمنع تركيا من إصلاح العلاقات مع السعودية. إذا اتخذوا خطوة إيجابية، والأمر نفسه ينطبق على الإمارات".
وبعد شهر، تحدث وزير الخارجية الإماراتي "عبد الله بن زايد"، مع نظيره التركي في أول مكالمة من نوعها منذ نصف عقد.
وفي 18 أغسطس/آب، التقى "طحنون بن زايد آل نهيان"، مستشار الأمن القومي لدولة الإمارات، بالرئيس "رجب طيب أردوغان" في تركيا.
وفي 31 أغسطس/آب، تحدث "أردوغان" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" في مكالمة هاتفية نادرة.
ووصف "قرقاش"، الذي يشغل الآن منصب مستشار دبلوماسي رئاسي، المكالمة بأنها "إيجابية للغاية وودودة".
روابط صلبة
حكم حزب العدالة والتنمية التركي البلاد لما يقرب من عقدين من الزمن.
وخلال الأعوام الأولى في السلطة، كانت هناك علاقات قوية بين تركيا ودول الخليج العربية وتركيا، خاصة الإمارات التي تجمعها عدد من المصالح المشتركة مع تركيا.
وتشاركت تركيا ودول الخليج العربية المخاوف بشأن إيران وكذلك نفوذ طهران في العراق.
ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979 التي أطاحت بنظام الشاه "محمد رضا بهلوي"، أصبحت دول الخليج حذرة من نفوذ إيران الإقليمي.
وفتح غزو الولايات المتحدة للعراق عام 2003 المجال لطهران لتعزيز نفوذها في المنطقة، ما أدى إلى تفاقم مخاوف دول الخليج العربية.
وفي ذلك الوقت، اعتبرت العديد من دول الخليج أن تركيا في وضع جيد يمكنها من العمل كقوة موازنة ضد عدم الاستقرار الإقليمي.
وبدورها، أرادت أنقرة تعزيز علاقاتها مع دول الخليج العربية التي اعتبرتها حصنا محتملا ضد إيران.
ولم تكن السياسة الأمنية والإقليمية هي العوامل الوحيدة التي أدت إلى توثيق العلاقات بين تركيا والخليج، حيث رأى كل جانب مزايا كبيرة في تعزيز التعاون الاقتصادي.
وبين عامي 2001 و2008، على سبيل المثال، كانت هناك زيادة في التجارة الثنائية بين الطرفين.
وفي عام 2008، وقعت تركيا ومجلس التعاون الخليجي على مذكرة تفاهم تجعل تركيا أول دولة من خارج مجلس التعاون الخليجي تصبح شريكا استراتيجيا رسميا لدول الخليج.
وقد أدى ذلك أيضا تعزيز العلاقات بين أنقرة وأبوظبي.
نقطة تحول
ومع ذلك، فقد شكلت انتفاضات الربيع العربي تحولا في العلاقات التركية الخليجية.
وتعرضت علاقات تركيا مع الإمارات على وجه الخصوص لاختبار شديد.
وكانت تركيا داعمة للاحتجاجات التي أتاحت فرصة لتعزيز دورها الإقليمي من خلال علاقاتها مع الأحزاب الإسلامية التي صعدت بعد الإطاحة بالأنظمة القديمة.
وفي المقابل، تبنت الإمارات ودول الخليج الأخرى موقفا أكثر حذرا بسبب مخاوفهم من الدور المتزايد للإخوان المسلمين والأحزاب الإسلامية.
ومنذ ذلك الحين، اتبعت تركيا والإمارات مسارات متعارضة تجاه النزاعات الإقليمية والتحالفات السياسية.
وعادت خطوط الصراع الجيوسياسي إلى الظهور مؤخرا في تونس، حيث أدت احتجاجات الربيع العربي إلى الإطاحة بالرئيس "زين العابدين بن علي" في عام 2011، ووصل حزب النهضة الإسلامي إلى السلطة.
وبالرغم أن النفوذ السياسي لحركة النهضة وسيطرتها على الحكومة بدأت في الانحسار تدريجيا بعد الإطاحة بالرئيس المرتبط بالإخوان المسلمين في مصر "محمد مرسي"، فقد تسارع هذا الخسوف بعد أن أقال الرئيس التونسي "قيس سعيد" رئيس الوزراء وأوقف عمل البرلمان في 25 يوليو/تموز.
ومع ذلك، حافظ حزب النهضة، الذي يواجه انتقادات من الشارع، على قدر كبير من الدعم.
وبينما كانت أنقرة حليفا إقليميا قويا لحركة النهضة، حاولت الإمارات مرارا وتكرارا التأثير على البلاد لتحولها بعيدا عن تركيا.
وتتنافس الإمارات وتركيا في سوريا أيضا.
وفي حين مكّنت الحرب الأهلية تركيا من زيادة نفوذها في المنطقة، حاولت الإمارات ردع النفوذ التركي في البلاد بطريقتين على الأقل، الأولى من خلال دعم الجماعات المسلحة الكردية التي وقفت في وجه نفوذ أنقرة في شمال شرق البلاد، أما الطريقة الثانية فكانت تحويل موقفها تجاه رئيس النظام السوري "بشار الأسد".
وبينما كانت الإمارات من بين الدول التي قطعت العلاقات مع النظام السوري في بداية الحرب الأهلية، فقد تحركت منذ ذلك الحين لإعادة العلاقات. وفي أواخر عام 2018، أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق.
ومنذ ذلك الحين، كانت هناك مؤشرات متزايدة على تقارب بين الإمارات والنظام السوري، بما في ذلك مكالمة هاتفية بين "الأسد" وولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد"، وإعادة الروابط الجوية، وتصريحات عامة للمسؤولين الإماراتيين في عام 2019 للتعبير عن دعم "القيادة الحكيمة" لـ "الأسد".
ويبدو أن رغبة الإمارات في كبح النفوذ التركي في سوريا هي أحد العوامل المهمة التي حفزت انفتاح الإمارات على نظام "الأسد".
كما أدت مقاطعة السعودية والإمارات والبحرين ومصر لقطر إلى إبعاد الإمارات عن تركيا، حيث انحازت أنقرة إلى الدوحة.
ولم يكن قرار تركيا بدعم قطر خلال أزمة الخليج مفاجئا، حيث تبنى البلدان نهجا متشابها تجاه المنطقة.
العوامل الدافعة لخفض التصعيد
تمت إعادة ضبط العلاقات التركية الخليجية بشكل دوري وفقا للظروف الإقليمية، وتشير الدلائل الأخيرة إلى أن العلاقة تتقارب بسرعة مرة أخرى.
وقال "ديفيد ماك"، نائب مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى والذي عمل أيضا سفيرا للولايات المتحدة لدى الإمارات، في مقابلة عبر البريد الإلكتروني: "يعد التقارب بين تركيا والإمارات منطقيا من الناحية الاستراتيجية لكلتا الحكومتين. فكلاهما يشترك في بعض الجيران، مثل إيران وسوريا وأفغانستان، وهي عوامل ضخمة لعدم الاستقرار الإقليمي، ويمكن التحكم في الخلاف بينهما بشرط أن يمارسوا دبلوماسية هادئة. وهناك أيضا إمكانية للتركيز على التجارة ذات المنفعة المتبادلة".
وفي الواقع، يبدو أن كل من أنقرة وأبوظبي مهتمتان بتعزيز علاقاتهما الاقتصادية.
وبحسب ما ورد كان هذا أحد الموضوعات التي ناقشها الجانبان خلال زيارة "طحنون" لتركيا.
وكان للصراع الإقليمي بين أنقرة وأبوظبي تأثير سلبي على اقتصاداتهما.
على سبيل المثال، انخفضت صادرات تركيا مع الإمارات من 9.2 مليار دولار في عام 2017 إلى 2.1 مليار دولار في عام 2018.
وفي الأعوام الأخيرة، كان الاقتصاد التركي يعاني خاصة مع جائحة فيروس كورونا.
وفي عام 2020، عانى الاقتصاد التركي من "انكماش تاريخي في الربع الثاني".
علاوة على ذلك، عندما التقى "أردوغان" برئيس الوزراء الليبي المؤقت في إسطنبول في أغسطس/آب، طلب من "عبدالحميد الدبيبة"، بحسب ما ورد، سداد ما يقرب من 4 مليارات دولار من الديون.
وفي الواقع، من الممكن أن يكون دعم تركيا المتزايد لحكومة طرابلس منذ أن شن الجنرال "خليفة حفتر" هجومه في عام 2019 مدفوعا جزئيا باهتمام أنقرة باستعادة بعض هذه الأموال.
واتخذت الإمارات وتركيا خطوات هادفة نحو تخفيف التوترات منذ انتخاب الرئيس الأمريكي "جو بايدن".
وكانت الولايات المتحدة قلقة بشأن المنافسة الإقليمية بين الإمارات وتركيا. وأشار "ماك" إلى أن "الولايات المتحدة لديها أحيانا علاقات صعبة ولكن مهمة مع كلا البلدين".
وأضاف أن التنافس "لم يخدم المصالح الأمريكية"، وتابع أن "واشنطن تريد أن ترى البلدان يضعان نزاعهما وراء ظهورهما".
علاوة على ذلك، مع انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، اتجهت دول المنطقة نحو خفض التصعيد بسبب الشكوك المتزايدة حول مدى دعم الولايات المتحدة لها في مواجهة التهديدات الإقليمية.
على سبيل المثال، أصيب شركاء الولايات المتحدة بالذهول من عدم وجود أي رد عسكري أمريكي على هجمات الطائرات بدون طيار في سبتمبر/أيلول 2019 على منشآت معالجة النفط السعودية في بقيق وخريص.
وأشار رد إدارة الرئيس السابق "دونالد ترامب" إلى أن واشنطن لن تلتزم دائما بمبدأ "كارتر"، الذي أكد على حماية الولايات المتحدة لحقول النفط الموجودة في الخليج.
ومن المحتمل أن يؤدي سحب "بايدن" للقوات الأمريكية من أفغانستان إلى زيادة مخاوف شركاء الولايات المتحدة الإقليميين.
ويبدو أن دول الخليج، التي تشعر بقدر أقل من الغطاء الأمني، تفترض أن مصالحها تكمن في تقليل التوترات مع جار قوي وحليف محتمل مثل تركيا.
ويبدو أن التقارب بين الإمارات وتركيا يأتي كجزء من جهد أكبر لرأب الصدع في جميع أنحاء المنطقة، ومن هنا جاءت المحادثات السعودية الإيرانية التي بدأت في أبريل/نيسان، واتجاه تركيا لتحسين العلاقات مع كل من السعودية ومصر.
ولا شك أن التجاوب السعودي مع جهود خفض التوتر في الأشهر الأخيرة يعد عاملا أيضا في حسابات الإمارات.
ويقال إن أبوظبي مهتمة بالمساعدة في إحياء علاقة أنقرة بالنظام السوري.
ويمكن تسهيل ذلك من خلال تحسين العلاقات الإماراتية التركية.
ولا مفر من تحسن العلاقات بين نظام الأسد وتركيا في نهاية المطاف، بحسب ما قاله "ديفيد ليش"، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة ترينيتي في تكساس ومؤلف كتاب "سوريا: تاريخ حديث"، في مقابلة عبر البريد الإلكتروني.
ويبدو أن دول الخليج المهتمة بتعزيز العلاقات مع "الأسد" تنتظر الضوء الأخضر من واشنطن، التي تقوم حاليا بمراجعة سياستها تجاه البلاد قبل اتخاذ الخطوة التالية.
ويبقى أن نرى إلى أي مدى ستكون اعتراضات الولايات المتحدة على التقارب الخليجي مع سوريا عقبة أمام أبوظبي في تسهيل العلاقات التركية السورية.
احتمالات استعادة العلاقات
وليست هذه هي المرة الأولى في العقد الماضي التي تبذل فيها الإمارات وتركيا محاولات لتخفيف التوترات بينهما.
وفي عام 2016، تبادل المسؤولون الإماراتيون والأتراك الزيارات وعينت الإمارات سفيرا لها لدى تركيا.
ومع ذلك، تلاشى التقارب بعد أن اتهمت تركيا الإمارات بتقديم الدعم لمحاولة الانقلاب ضد "أردوغان" في نفس العام.
وفي حين أن التطورات الأخيرة إيجابية، إلا أن هناك عوامل مختلفة (بما في ذلك توقعات البلدين تجاه بعضهما البعض) ستحدد مسار العلاقة.
ومن المؤكد أن لقاء "أردوغان" بـ "بن زايد" سيكون له أثر إيجابي في تعزيز العلاقة بين البلدين ووضع العلاقات على مسار أكثر ثباتا.
وبالنظر إلى الوقائع اليوم، نجد أن الديناميكيات قد تغيرت عما كانت عليه قبل 5 أعوام.
واقتصاديا، لم تكن دول الخليج الغنية بالنفط محصنة من تداعيات جائحة فيروس كورونا.
وفي عام 2020، انكمش اقتصاد دولة الإمارات بنحو 6.1%. وكان الاقتصاد التركي بدوره يعاني بالفعل قبل انتشار الوباء.
وفي غضون ذلك، يبدو أن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط يترك دول المنطقة تبحث عن خيارات بديلة، ويبدو أن الدبلوماسية قد ظهرت كواحد من هذه الخيارات.
وبالتالي، يبدو أن التقارب الحالي يتمتع بقوة بقاء أكبر من التواصل الذي حدث عام 2016.
ومع ذلك، فلا يعني هذا أن البلدين سيصبحان "حليفين مقربين" بين عشية وضحاها. ولكن من المرجح أن تقود الاهتمامات والمخاوف المشتركة مسار العلاقة.