كريستيان اوليركسن - وورلد بوليتكس ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد
في هذا الوقت من العام الماضي، بدت الإمارات العربية المتحدة وتركيا على طرفي نقيض في مجموعة من القضايا التي تشمل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الأوسع. لكن في الآونة الأخيرة، بدأ قادة البلدين في التحدث مرة أخرى. أفسحت المخاوف في عامي 2019 و2020 من "الحرب الباردة" الإقليمية التي تضع المصالح الإماراتية والتركية ضد بعضها البعض في ليبيا وشرق البحر الأبيض المتوسط والقرن الأفريقي وحتى القوقاز المجال أمام ذوبان الجليد في العلاقات. إن التحول في نهج أبوظبي تجاه تهدئة نقاط التوتر الإقليمية هو جزء من جهد أوسع من قبل حكام المملكة لإعادة ضبط موقف سياستهم الخارجية بعد فترة من التمدد المفرط القابل للجدل.
وقد كان أبرز مؤشر على التقارب بين أبوظبي وأنقرة هو زيارة في منتصف أغسطس/آب إلى تركيا قام بها مستشار الأمن القومي الإماراتي الشيخ "طحنون بن زايد آل نهيان".
وبعد أسابيع من تلك الرحلة، أجرى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" مكالمة هاتفية مع ولي عهد الإمارات الشيخ "محمد بن زايد آل نهيان". وكما هو معروف فإن "طحنون" هو شقيق "محمد بن زايد"، وقد عهد إليه "محمد بن زايد" مرارًا وتكرارًا بمسؤولية المحافظ الإقليمية والدولية الحساسة.
وفي الغياب المستمر -والمحتمل الدائم- لأخيه غير الشقيق، الرئيس الشيخ "خليفة بن زايد آل نهيان"، منذ إصابته بجلطة عام 2014، يوجه "محمد بن زايد" ودائرة صغيرة من كبار المستشارين، بما في ذلك "طحنون"، معظم جوانب صنع السياسة الإماراتية خاصة في الشؤون الخارجية والأمنية والدفاع.
منذ عام 2019، كانت الإمارات تعيد تقييم موقفها الإقليمي بشكل عملي رداً على النكسات التي واجهتها قواتها في مناطق الصراع مثل اليمن وليبيا، والتي كانت تخاطر بجر البلاد إلى عمق أكبر في مجموعة من الحروب التي لا يمكن الفوز بها بشكل متزايد.
وقد جاءت أولى علامات هذا التحول في يونيو/حزيران 2019، عندما سحبت أبوظبي من جانب واحد معظم وجودها العسكري المباشر في اليمن لصالح بصمة أقل وضوحًا لكنها لا تزال مؤثرة من خلال شركاء سياسيين محليين وقوات الأمن في جنوب اليمن.
وفي ليبيا، جاءت لحظة الحقيقة في صيف 2020، بعد أن حاول حليف الإمارات، الجنرال "خليفة حفتر"، الخروج من معقله في شرق ليبيا والاستيلاء على العاصمة طرابلس.
وقد فشلت تلك الحملة إلى حد كبير نتيجة لتصعيد كبير في المساعدة العسكرية والسياسية التركية لحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة.
أوضحت الحالتان اليمنية والليبية القيود المفروضة على قدرة الإمارات على إبراز قوتها العسكرية والسياسية خارج حدودها وشكلت اختبارًا واقعيًا في نهاية عقد ما بعد الربيع العربي الذي تم تحديده إلى حد كبير من خلال التأكيد القوي على النفوذ الإماراتي في جميع أنحاء المنطقة.
وقد تزامنت النكسات مع الإدراك المتزايد في كل من أبوظبي والرياض بأن الحصار الذي استمر لسنوات طويلة على قطر قد فشل في تحقيق نتائج ملموسة، وكذلك مع موجة الهجمات المرتبطة بإيران على منشآت النفط السعودية وطرق الشحن في المنطقة.
وقد كان قرار إدارة "ترامب" باستخدام القوة للرد فقط على الهجمات التي تصيب الأصول الأمريكية، بدلاً من تلك الموجهة ضد أهداف إماراتية أو سعودية، مصدر قلق خاص لأبوظبي والرياض.
من وجهة نظر أبوظبي، قام 3 رؤساء أمريكيون متعاقبون –"أوباما" و"ترامب" والآن "بايدن"- بضخ الشك وعدم اليقين في مصداقية الولايات المتحدة كشريك طويل الأجل وضامن للأمن.
في حالة "أوباما"، كان هذا بسبب الطريقة التي كان يُنظر بها إلى أنه "تخلى" عن الرئيس المصري آنذاك "حسني مبارك" خلال ثورة 2011، وقراره بعد سنوات باستبعاد دول الخليج من المفاوضات النووية الإيرانية.
وفي حالة "بايدن"، شعر الإماراتيون بالفزع من الطريقة التي تم التعامل بها مع الانسحاب من أفغانستان. إن حقيقة أن مثل هذه المخاوف لم تدور حول إدارة واحدة أو اثنتين، ولكن 3 إدارات أمريكية قد غذت فقط إعادة التقييم البراجماتي لدولة الإمارات لمصالحها الإقليمية والمزيج الأمثل من أدوات السياسة التي يجب أن تستخدمها لتحقيق هذه المصالح.
وقد بدأت بهدوء في التواصل مع إيران في يوليو/تموز 2019 بعد هجمات على الشحن قبالة الساحل الإماراتي في مايو/أيار ويونيو/حزيران، ودعا المسؤولون الإماراتيون إلى التهدئة عندما تصاعدت التوترات الأمريكية الإيرانية بعد مقتل القائد العسكري الإيراني الكبير، الجنرال "قاسم سليماني"، في يناير/كانون الثاني 2020.
يفسر عدم اليقين بشأن الجغرافيا السياسية الإقليمية جزئيًا سبب إبداء الحكومة التركية اهتمامها بإصلاح العلاقات الممزقة. بدأت العلاقات بين تركيا والسعودية، على وجه الخصوص، في التحسن في أواخر عام 2020، بعد أن دخلت في حالة من الجمود الشديد بمقتل "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول عام 2018.
ربما ليس من قبيل الصدفة، أن الذوبان بدأ عندما تكيف القادة الإقليميون مع فوز "بايدن" في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وابتعدوا عن سياسات القوة الغاشمة التي ميزت حقبة "ترامب". تكمن هذه الحسابات نفسها وراء الحل السريع نسبيًا للحصار المفروض على قطر، والذي جاء في يناير/كانون الثاني أثناء الانتقال من "ترامب" إلى "بايدن" بعد أن ظل الحصار عالقًا لأكثر من 3 سنوات.
بدأ المسؤولون السعوديون كل من التقارب مع تركيا والحوار مع قطر، مما يعكس شعور الرياض بضرورة اتخاذ خطوات قابلة للقياس لإصلاح بعض الأخطاء التي ارتكبتها خلال سنوات "ترامب" في نظر الإدارة القادمة. وقد تبع المسؤولون الإماراتيون السعوديين في كلتا الحالتين، ربما لتجنب عزل الإمارات مع تحول المشهد الجيوسياسي الإقليمي من حولهم. ومع ذلك، كان على "محمد بن زايد" أيضًا أن يتعامل مع المنافسة الشديدة مع السعودية على قضايا متعددة في الأشهر الأخيرة.
اندلعت التوترات بين الحليفين المقربين تاريخياً إلى الرأي العام في اجتماع "أوبك+" في يوليو/تموز، والذي انتهى بمواجهة لم يتم حلها بشأن ما إذا كان سيتم تمديد القيود على إنتاج النفط. كما قامت السعودية مؤخرًا بتعديل تعريفاتها الجمركية بطريقة تستهدف بوضوح البضائع المصنوعة في المناطق الحرة في الإمارات أو في المشاريع التعاونية الإماراتية الإسرائيلية.
كل هذا يعني أن التصورات الإماراتية للتهديدات المحتملة والفعلية قد تطورت على الأرجح منذ عام 2019، عندما بدت الإمارات وتركيا في مواجهة بعضهما البعض عبر قضايا متعددة، وبدا أن الرياض وأبوظبي شكّلا محورًا جديدًا حاسمًا في السياسة الإقليمية.
وبعد ما يقرب من عقد من اتباع نهج تدخلي في الشؤون الإقليمية، فإن العودة إلى الحوار والدبلوماسية هي إعادة حساب عملية لمجموعة من السياسات التي كانت تخاطر بإلحاق الضرر بالإمارات أكثر من نفعها. تذكرنا الخلافات مع السعودية بأنه بالنسبة لجميع القضايا التي تفرق بين الإمارات وتركيا، فإن العلاقة مع الرياض هي التي يمكن أن تخلق أكبر التحديات لأبوظبي، خاصة إذا كان البلدان يتنافسان في قطاعات متشابهة لأسواق نادرة لتشغيل عمليات التعافي الاقتصادي بعد الوباء.