طه العاني - الخليج أونلاين-
تشهد العلاقات السعودية التركية مرحلة جديدة من التقارب، خصوصاً بعد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة لأول مرة منذ نحو خمس سنوات، حيث يسعى البلدان إلى تعزيز العلاقات الثنائية في جميع المجالات، ومنها المجال العسكري.
وبعد سنوات من القطيعة تكتسب زيارة أردوغان إلى الرياض، في 28 أبريل 2022، أهمية خاصة؛ لتزامنها مع التوترات الدولية والتحديات الأمنية الكبيرة التي تشهدها المنطقة.
التعاون الدفاعي
وتشير وكالة "الأناضول" التركية للأنباء، في 30 أبريل الماضي، إلى أن التعاون الدفاعي أحد أبرز مخرجات زيارة أردوغان إلى السعودية، حيث يتطلع الجانبان إلى عقد اتفاقيات عسكرية مشتركة، تشمل مجالات التصنيع، وصفقات الشراء، والتدريب، وتبادل الخبرات، وغيرها.
وعقب انتهاء الزيارة قال أردوغان من على متن الطائرة في طريق عودته، إنه "تمت مراجعة العلاقات الثنائية بجميع أوجهها، وتبادل وجهات النظر بشأن قضايا إقليمية ودولية، وبحث الخطوات المشتركة التي يمكن الإقدام عليها من أجل تطوير العلاقات التركية السعودية".
وأضاف: "جددت دعمنا لأمن واستقرار المملكة العربية السعودية، وأكدت على أننا لا نفرق بين أمننا وأمن منطقة الخليج".
وبين أردوغان أن الجانبين ناقشا سبل التعاون في الصناعات الدفاعية، معرباً عن ثقته بأن زيادة التعاون مع السعودية في مجالات التكنولوجيا والصناعات الدفاعية سيصب في مصلحة البلدين.
ويرى الخبير العسكري والمحلل السياسي السعودي، عبد الله غانم القحطاني، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن تركيا هي التي تحتاج إلى المملكة العربية السعودية للتعاقد والتعاون الأمني في المجال الدفاعي ومن أجل شراء المنظومات الدفاعية التركية، وذلك دون انحياز وبكل حيادية لبلاد المملكة، بحسب القحطاني.
ويكمل بأن سبب ذلك أن السلاح الذي تنتجه تركيا هو سلاح تكتيكي، مثل الطائرات بدون طيار، والتي هي طائرات تكتيكية، وتتوفر خيارات أفضل منها في العالم، وتحديداً الأمريكية والبريطانية، وحتى الشرقية الصينية، لكن تركيا بحاجة إلى سوق تشتريها وهي متوفرة.
ويردف بأن تركيا تعتمد في دفاعها عن أراضيها وعن حدودها على الأسلحة الأمريكية وعلى أسلحة الناتو، وعلى ما يتوفر في قاعدة إنجرليك الجوية من أسلحة ذرية نووية لحلف الناتو تحديداً، ومن ثم فالعلاقات الأمنية أو العلاقات في المجال الدفاعي بين السعودية وبين تركيا سيكون في كل الأحوال لمصلحة تركيا؛ لأنها- كما ذكرت- بحاجة إلى من يشتري هذه المنظومات ويحرك هذه المصانع وكذلك الاقتصاد التركي، حيث تستطيع السعودية أن تشتري من أي دولة في العالم وهي قادرة على ذلك ولديها برنامج وطني طموح قوي، تركيا خارجة عنه، لأن علاقتها كانت سيئة في السنوات الخمس الماضية.
ويبين بأن المملكة العربية السعودية لا تحتاج من تركيا إلى أسلحة هجومية دفاعية، وذلك لسبب بسيط هو أن الصناعة التركية ليست بأفضل من المنتجات الأمريكية، على سبيل المثال في مجال الصواريخ بعيدة المدى فتركيا لا تمتلكها ولا تنتجها في هذه المرحلة بجودة عالية. ويضيف أن ما تشكله المجاميع الحوثية وما يشكله حزب الله والعصابات الإيرانية داخل العراق والحرس الثوري الإرهابي الإيراني، تحتاج إلى وعي وأسلحة متقدمة واستخبارات عالية جداً، ليس بمقدور المنظومات التركية الاستجابة لمثل هذه التهديدات، وهذا ليس تقليلاً من شأن المصنوعات التركية، وإنما توصيف للواقع.
ويؤكد القحطاني، في نهاية حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنه ليس وارداً أن يكون للمملكة العربية السعودية قوات عسكرية تركية في داخل المملكة، فهي ليست في التحالف العربي لإعادة الشرعية، وهي أيضاً ليست قادرة على أن يكون لها حضور على غرار الحضور الأمريكي على سبيل المثال في المنطقة إجمالاً، ومن ثم ليس هناك أي مجال لحضور عسكري.
خطوات مشتركة
ورداً على سؤال حول آفاق التعاون بين أنقرة والرياض في الصناعات الدفاعية مع الأخذ بالحسبان أن تركيا تلبي 80% من احتياجاتها ذاتياً في هذا المجال، قال أردوغان إنه طرح إمكانية الإقدام على بعض الخطوات المشتركة في هذا السياق.
وأردف: "من الممكن أن تكون هذه الخطوات المتبادلة في بلدنا أو في السعودية أو في دول أخرى"، مشيراً إلى امتلاك تركيا تكنولوجيا الصناعات الدفاعية، في حين تمتلك السعودية رأس المال، ولذلك من الممكن الإقدام على خطوات مشتركة.
وخلال زيارته للمملكة جدد أردوغان إدانته للاعتداءات التي طالت السعودية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، مؤكداً أن تركيا تشدد في كل مناسبة على أهمية تعاون بلدان المنطقة ضد جميع التنظيمات الإرهابية، في إشارة إلى موقف أكثر تشدداً من أنقرة ضد مليشيات الحوثي.
وتشارك تركيا مخاوف دول الخليج من التمدد الإيراني في المنطقة، حيث سبق أن صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال زيارته إلى قطر، مطلع أكتوبر 2020، بأن "الوجود العسكري لبلاده في دولة قطر يخدم الاستقرار والسلام في منطقة الخليج".
ويقول الأكاديمي والباحث السياسي، الدكتور مهند حافظ أوغلو، إن دولتين إقليميتين بحجم تركيا والمملكة العربية السعودية قطعاً هما بحاجة حقيقية إلى كل أشكال التعاون فيما بينهما، ولا سيما أن أنقرة والرياض كانتا قد بدأتا وأسستا لتعاون كبير بينهما في المجال الاقتصادي، وهناك مجلس مشترك بينهما.
ويردف بالقول: الآن لكل منهما وضع خاص ومتطلبات عاجلة، عند النظر لتركيا نجد أن عوامل عديدة أدت إلى وصول الوضع الاقتصادي الداخلي التركي إلى مرحلة صعبة، والتضخم مخيف، وهذا يضغط على الحكومة التركية بطريقة مباشرة بالرغم من أن الأسباب ليست كلها تكمن في الخلل في أسلوب إدارة الاقتصاد، إذ هو اقتصاد قوي جداً، ولكن هنالك مشكلة التضخم من جهة، ومشكلة استخدام المعارضة على وسائل التواصل الاجتماعي جعل الذي يدري والذي لا يدري من الداخل يهاجم السياسة الاقتصادية للحكومة، وطبعاً الكثير منها لأهداف انتخابية سياسية.
ويؤكد أوغلو أن هنالك حاجة ملحة لتركيا لتحسين الاقتصاد، وعدم خسارة عقدين من الزمن من العمل الجبار الذي نقل تركيا إلى دولة محورية بعدما كانت تبعاً بكل شيء للغرب والشرق.
ويضيف أنه عند النظر إلى المملكة العربية السعودية نجد أن إيران وأذرعها تهدد الأمن الخليجي عموماً، والسعودي خصوصاً، لأن الرياض هي التي تقف في وجه طهران ومليشياتها في المنطقة، ولا يزال الحوثيون يسعون فساداً للإخلال بالأمن في المنطقة وبضوء أخضر أمريكي.
ويشير أوغلو إلى أنه بناء على ما تقدم، كان لزاماً أن يكون هناك إعادة لوضع العلاقات إلى سابق عهدها، وأن يكون التعاون هو عنوان المرحلة. ويكمل: وسيتجلى هذا التعاون في نقطتين، هما للجانب التركي حول الاستثمار السعودي في تركيا، و للجانب السعودي حول الدعم العسكري التركي للرياض، ولا سيما أن المسيرات التركية أثبتت كفاءتها في حسم كثير من ملفات بقيت عالقة لسنوات عديدة، خصوصاً أن إيران تتخوف- كما الولايات المتحدة الأمريكية- من هذا التقارب التركي السعودي، لأن له ما بعده، لأنهما دولتان سنيتان، وقد حدث ما حدث من تباعد واستغلت تلك الأطراف ذلك التباعد بينهما.
ويكمل بأن الدعم العسكري التركي للمملكة سيكون كبيراً إذا ما طلبت الرياض ذلك، ولكن ربما نحتاج إلى بعض الوقت كي نرى هذا الدعم والتعاون مجسداً واقعاً، لأن أي خلاف يعقبه انفتاح يحتاج لمرحلة تمهيدية.
وينهي أوغلو حديثه لـ"الخليج أونلاين" بأنه من المبكر الحديث عن وجود قواعد عسكرية تركية في المملكة، لأن تركيا وقطر هما في تحالف، أما تركيا والمملكة فقد استُؤنفت علاقاتهما للتو، وهذا يتطلب وقتاً من جهة، ويتطلب ثقة كاملة من جهة أخرى، وهذا ما يسعى الطرفان إلى تحقيقه، وإن كان عامل الوقت هو الحاسم.
شراء بيرقدار
ويبدو أن زيارة الرئيس التركي إلى السعودية بدأت تؤتي أول ثمارها من خلال صفقة شراء لطائرات تركية عسكرية مسيرة من النوع المتقدم.
وقالت صحيفة "خبر تورك"، بعددها الصادر في 2 مايو 2022، إن السعودية ترغب في شراء 60 طائرة مسيرة تركية متطورة، في إطار التعاون بين البلدين في مجال الصناعات الدفاعية، وتطوير آفاق التعاون فيما بينهما.
ونقلت الصحيفة، عن مصادر (لم تسمها)، بأن السعودية تشعر بالحاجة إلى تطوير العمل المشترك مع تركيا في مجال الصناعات الدفاعية، والاستفادة من المسيرات ذات التقنية العالية التي تنتجها أنقرة.
وأشارت المصادر إلى أن السعودية ترغب في شراء 20 طائرة مسيرة متطورة على المدى القريب، و40 طائرة على المدى البعيد من تركيا، وتطوير التعاون في مجال الصناعات الدفاعية بين البلدين.
وكان الرئيس التركي قد كشف، في العام الماضي، أن الرياض أبلغت أنقرة رغبتها في شراء طائرات مسيرة من تركيا، دون تقديم المزيد من التفاصيل.
وتصنع تركيا طائرات "بيرقدارTB 2"، وهي بنسختين؛ إحداها للمهمات الاستطلاعية، والأخرى للمهمات المسلحة، حيث صنعت في شركة "بايكار" التركية التي استثمرت في هذا المجال.
ودخلت طائرات "بيرقدار" المسيرة في الخدمة لدى الجيش التركي، كما أن عدة دول اشترت هذه الطائرة، منها قطر وأذربيجان وأوكرانيا.
معدات ودبابات
ومن جانبه يؤكد المحلل السياسي التركي، فراس رضوان أوغلو، أن "دول الخليج لها تعاون مع تركيا في مجالات عسكرية عدة؛ أبرزها الطائرات المسيرة، والحديث عن سعي السعودية للحصول على تلك الطائرات لكون أنقرة من الدول المتقدمة في مجال المسيرات".
وفي حديث سابق مع "الخليج أونلاين" يقول رضوان أوغلو: "يمكن لدول الخليج أيضاً التعامل مع تركيا عسكرياً كما هو معمول به مع قطر؛ من حيث التحالف العسكري، وبناء قواعد عسكرية لها على أراضي دول مجلس التعاون".
كما يمكن لدول الخليج التعاون مع تركيا، وفق رضوان أوغلو، في مجال القوات البرية، خاصة أن الجيش التركي يحتل مرتبة متقدمة بين جيوش العالم، وشراء المعدات، خاصة الدبابات.
وبحسب المحلل التركي فإن أنقرة لا يمكنها أن "تكون بديلاً عن بطاريات الدفاع الجوي الأمريكية؛ لكون تركيا ليست متفوقة في هذا المجال مثل روسيا وبريطانيا".
النفوذ العسكري التركي
وبالرغم من أن التعاون العسكري هو أحد أسباب التقارب بين البلدين إلا أن الوجود العسكري التركي في الخليج قد يكون أحد التحديات في مستقبل العلاقات التركية الخليجية، بحسب موقع قناة الجزيرة.
ويشير الموقع، في 13 أبريل الماضي، إلى أن المصالحة الخليجية القطرية أظهرت أبوظبي والرياض وقد تخلتا عن مطالبهما السابقة بإغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، لكن لا يزال من الصعب تجاهل حقيقة أن العاصمتين الخليجيتين لم تقبلا بعد بالنفوذ التركي في المنطقة بصورته الحالية، وعلى رأسه امتلاك أنقرة قواعد عسكرية في البلدان العربية، وتوسيع نفوذها في القرن الأفريقي، وتعزيز وجودها في البحر الأحمر، وحتى في منطقة الخليج نفسها.
ومن المرجح أن تبقى هذه الملفات مُجمدة على المدى القصير، لكنها مُعرضة للانفجار على المدى البعيد، ما يجعل استمرار التقارب الحالي مرهوناً بالوضع الإقليمي والدولي.
وتشير إلى أنه في الوقت الذي تُضيف فيه قطر عمقاً استراتيجياً حقيقياً إلى الوجود التركي بالمنطقة بسبب موقعها الخليجي ودورها السياسي والاقتصادي، فإن اعتقاد البعض في الرياض وأبوظبي بأن تعزيز العلاقات مع تركيا قد يجذب الأخيرة جزئياً بعيداً عن علاقاتها الفريدة مع قطر قد لا يثمر بسهولة على المدى البعيد، ولو قدَّمت الدول الخليجية تلك استثمارات ضخمة بالفعل، إذ لا تبدو تركيا راغبة في مقايضة المواقع الاستراتيجية التي نجحت في الحصول عليها لمجرد الحصول على استثمارات، مهما بدت هذه الاستثمارات حيوية لأنقرة في الوقت الراهن.