ديفيد أوتاواي - مركز ويلسون - ترجمة الخليج الجديد-
جاءت الخطوة الأخيرة في إعادة تشكيل النظام السياسي في الشرق الأوسط الأسبوع الماضي بزيارة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" إلى السعودية، بعد أعوام من العلاقات المتوترة للغاية بين البلدين.
وتوضح هذه الزيارة بشكل كبير كيف تطغى السياسة الواقعية على المنطقة حيث يسعى الأعداء والمتنافسون القدامى للتعامل مع الظروف الدولية المتغيرة وإيجاد طرق للتكيف بدلا من مواجهة بعضهم البعض. وكانت النتيجة انفراجة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
ومؤخرا، اختتمت إيران والسعودية الاجتماع الخامس بين كبار المسؤولين الأمنيين من البلدين، وقد يكون هناك اجتماع بين وزيري الخارجية قريبا.
وفي مارس/آذار، استضافت إسرائيل أول اجتماع لوزراء خارجية 4 دول عربية على أراضيها. وفي فبراير/شباط، ذهب "أردوغان" إلى أبوظبي لتسوية الخلافات مع حكام الإمارات، ثم في مارس/آذار أيضا استقبل الرئيس الإسرائيلي "إسحاق هرتسوج" في أنقرة، وهي أول زيارة من نوعها منذ 14 عاما.
تقارب نادر
وتبحث القوى الإقليمية الناشئة الأربعة، السعودية وتركيا وإيران وإسرائيل، عن حلفاء جدد حتى وهي تحاول معرفة كيف ستتعامل مع بعضها البعض بطريقة أقل تصادمية. وتأتي إعادة التموضع هذه مدفوعة بالاتجاه الأمريكي المتصور بعيدا عن الشرق الأوسط للتركيز على المنافسة مع روسيا والصين.
وحتى وقت قريب، كانت روسيا تتقدم في المنطقة لكنها قد تضطر الآن إلى الاتجاه هي الأخرى بعيدا عن الشرق الأوسط للتعامل مع الحرب في أوكرانيا والمواجهة مع "الناتو". وقد ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز" الأسبوع الماضي أن روسيا سحبت أكثر من 1000 مرتزق روسي وسوري من ليبيا وأرسلتهم إلى أوكرانيا.
وهناك عنصر آخر في المشهد الجديد للشرق الأوسط، وهو أن مراكز القوة التقليدية الثلاثة، بغداد والقاهرة ودمشق، مشغولة حاليا بمشاكلها الاقتصادية والسياسية الداخلية، وقد تراجعت إلى مجرد لاعبين ثانويين في إعادة تشكيل نظام الشرق الأوسط.
والأكثر إثارة للدهشة أن مصر، التي كانت ذات يوم القوة المركزية في المنطقة، تخلت عن أي دور قيادي وأصبحت مدينة بالفضل لممالك الخليج العربي مقابل عشرات المليارات من الدولارات في شكل مساعدات مالية واقتصادية لضمان استقرارها.
ويبرز الاجتماع بين ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" والرئيس التركي "أردوغان" في جدة في 28 أبريل/نيسان باعتباره المثال الأكثر وضوحا حتى الآن عن "الحقبة الجديدة" التي تم الإعلان عنها بين الخصوم السابقين في الشرق الأوسط.
وكان "أردوغان" و"بن سلمان" في عداء واضح منذ عام 2018 حيث وعد الزعيم التركي بفعل كل شيء لمحاكمة المسؤولين عن القتل الوحشي للصحفي السعودي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية في اسطنبول في أكتوبر/تشرين الأول من ذلك العام.
وسرب الأمن التركي للإعلام محادثات سجلها سرا بين القتلة السعوديين داخل القنصلية، وربط العملية بأقرب مساعدي "بن سلمان"، وأمر "أردوغان" بمحاكمة غيابية لـ26 عميلا سعوديا متورطا، لكنه أغلق القضية في 7 أبريل/نيسان الماضي لفتح الباب أمام المصالحة مع "بن سلمان".
كما كان هناك نهاية للخلاف المرير بين السعودية وقطر والذي وقف فيه "أردوغان" إلى جانب الأخيرة، حيث سارع فور إعلان الحصار إلى إرسال قوات تركية لحماية قطر ضد الهجمات السعودية المحتملة.
وانحاز القادة الأتراك إلى جماعة "الإخوان المسلمون" عندما وصلت إلى السلطة بعد الانتفاضات العربية التي أطاحت بـ4 زعماء عرب مستبدين وتحدت شرعية ممالك الخليج. وأصبحت أنقرة وإسطنبول بمثابة مراكز للمعارضة الخليجية في المنفى، بالرغم أن "أردوغان" حد مؤخرا من أنشطتها هناك.
هل تستمر الحقبة الجديدة؟
ومن غير الواضح إلى أين يقود هذا الربيع من العلاقات الدبلوماسية أو الحديث عن "حقبة جديدة" بين الخصوم السابقين. فلا يزال الصراع بين إيران والسعودية قائما ويتجلى بشدة في الحرب الأهلية في اليمن بين الفصائل المدعومة من إيران والسعودية. وتعد تركيا قوة عسكرية أكبر من أي من هاتين القوتين، ولا يزال لها بصمتها العسكرية في أجزاء من سوريا والعراق وليبيا.
ولدى كل من هذه القوى الإقليمية توقعات وأهداف مختلفة. ويسعى "أردوغان" إلى الاستفادة من الأموال السعودية للحصول لدعم الاقتصاد التركي المتعثر بشكل خطير. وتريد إسرائيل من شركائها العرب مساعدتها في التعامل مع التهديد العسكري الإيراني في المنطقة و"حزب الله" في لبنان وتحييد الضغط من أجل دولة فلسطينية.
ويريد "بن سلمان" من "أردوغان" التخلي عن ملاحقته في قضية مقتل "خاشقجي" والانضمام إلى السعودية في تحالف من الدول العربية السنية ليكون بمثابة ثقل موازن لإيران الشيعية. وقد حقق ولي العهد هدفه الأول، لكن من غير المرجح أن تنضم تركيا إلى مثل هذا التحالف ضد إيران لأنها لا تواجه نفس التهديد.
لكن إلى متى سيستمر هذا "العصر الجديد" من الانفراجة؟ وهل الهيكل الأمني الجديد الذي تتشاركه هذه القوى الإقليمية الأربعة ممكن حقا؟ حسنا، إذا كان من الممكن دمج إيران في مثل هذا الترتيب فقد يكون هذا هو مفتاح الحل، فإن نجاح المحادثات السعودية الإيرانية هو أحد المتطلبات الأساسية لاستمرار هذا النهج.
كما أن نجاح المحادثات بين واشنطن وطهران بشأن مصير الاتفاق النووي متطلب آخر. ومن المرجح أن يحدد ذلك مصير الانفراجة الناشئة في الشرق الأوسط بين هذه القوى الإقليمية الأربعة.
وإذا كان هناك اتفاق أمريكي إيراني للعودة إلى الاتفاق، فمن المحتمل أن تنفصل واشنطن عن الشرق الأوسط للتركيز على روسيا والصين، ومن شأن ذلك أن يشجع الدول الأربع على مواصلة سعيها للتوصل إلى تسوية سلمية مؤقتة.
ومع ذلك، إذا لم يكن هناك اتفاق وشرعت إيران في امتلاك قنبلة نووية، فمن المحتمل أن تكون الانفراجة الناشئة اليوم هي الضحية الأولى. وقد يتحول التنافس بين إيران والسعودية إلى سباق تسلح نووي، وقد وعد "بن سلمان" بذلك من قبل. كما ستزداد فرص العمل العسكري من قبل إسرائيل أو الولايات المتحدة، أو كليهما معا، ضد المنشآت النووية الإيرانية بشكل كبير.
لقد توقفت محادثات فيينا منذ أكثر من شهر، ولا تزال آفاق نجاحها تتضاءل، لذلك من الصعب التفاؤل بشأن انفراجة دائمة في الشرق الأوسط.