ستيفن كوك - مجلس العلاقات الخارجية - ترجمة الخليج الجديد-
كان لقاء الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" مؤخرا مع ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" ومسؤولين آخرين في جدة خطوة رئيسية أخرى في رحلة إصلاح العلاقات مع قوة اقتصادية مهمة.
ويسعى "أردوغان" إلى إخراج تركيا من العزلة الإقليمية التي نتجت عن اتباع سياسة خارجية صارمة لم تخدم المصالح التركية في الشرق الأوسط.
وقد أعاد "أردوغان" العلاقات مع الإمارات، وأجرى اتصالات مع القادة الإسرائيليين، وتابع المحادثات مع مصر، والآن يعيد ضبط علاقات تركيا مع السعودية من خلال تلك الزيارة.
واكتشفت الحكومة التركية أن هناك حدودا لقدرتها على فرض إرادتها على القوى الإقليمية الأخرى، سواء في شرق البحر المتوسط أو في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وأدت العزلة الجيوسياسية لتركيا إلى تفاقم مشاكلها الاقتصادية حيث قاطعت السعودية البضائع التركية وسط توترات بشأن مقتل الصحفي السعودي "جمال خاشقجي" ودعم أنقرة للدوحة بعد فرض الحصار الذي قادته السعودية على قطر عام 2017.
والآن، بعد أن تصالح "أردوغان" مع القادة السعوديين، من المرجح أن تتدفق البضائع التركية إلى المملكة دون عوائق، وهناك احتمال لاستثمارات سعودية جديدة في تركيا، وقد تنضم الرياض إلى حكومات خليجية أخرى في مبادلات العملات مع أنقرة.
ومن الواضح أن نقل قضية "خاشقجي" من تركيا إلى السعودية كان ثمن قبول "أردوغان" وتطبيع العلاقات بين البلدين. وبعد إحالة القضية إلى السلطات السعودية، من غير المرجح أن تتم محاسبة المشتبه بهم.
ما هي القضايا التي أدت إلى توتر العلاقات الثنائية؟
وإلى جانب مقتل "خاشقجي"، كان هناك دعم من السعودية للانقلاب في مصر عام 2013 مقابل الدعم التركي للحركات المرتبطة بـ"الإخوان المسلمون".
وكان "أردوغان" من أشد المنتقدين للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي"، بالرغم أن تركيا تسعى الآن للمصالحة مع مصر، وقد رحب بأفراد المعارضة المصرية خاصة الإخوان الذين أنشأوا منصات إعلامية معارضة للنظام المصري.
ثم كان هناك دعم تركيا لقطر بعد أن حاصرتها البحرين ومصر والسعودية والإمارات عام 2017 بسبب اتقلال سياستها الخارجية عن دول الخليج الأخرى.
وخلال كل هذا، قدمت تركيا نفسها كقائد إقليمي ودولة إسلامية رائدة، ولم يكن أي من ذلك جيدا بالنسبة للسعودية، التي يستمد ملكها الشرعية من كونه خادم الحرمين الشريفين في مكة والمدينة.
آمال أنقرة من تحسين العلاقات مع الرياض والحكومات الأخرى
أثرت العزلة الإقليمية لتركيا على الرفاهية الاقتصادية للبلاد، حيث فقدت الليرة نحو نصف قيمتها في عام 2021، وبلغ معدل التضخم حاليا أكثر من 60%. ومع استعداد تركيا للانتخابات الرئاسية والبرلمانية في عام 2023، يبحث "أردوغان" عن كل الفرص الممكنة لتخفيف الضغط الاقتصادي عن المواطنين الأتراك.
كما أن هناك ضرورة جيوسياسية تدفع تركيا لتحسين العلاقات مع السعودية وغيرها من دول المنطقة. فقد أجبر نهج أنقرة في شرق البحر الأبيض المتوسط القوى الإقليمية الأخرى على "التكتل" ضدها. وفي خضم ذلك توطدت العلاقات بين مصر واليونان وجمهورية قبرص، وكذلك بين قبرص واليونان وإسرائيل، وقد انضمت أيضا السعودية والإمارات إلى هذه التحالفات.
وخلال صيف 2020، أجرت أطقم جوية سعودية وإماراتية تدريبات مع القوات الجوية اليونانية من قواعد في جزيرة كريت. ومن وجهة النظر التركية، فإن تشكيلة الدول المعارضة لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، التي تضم فرنسا أيضا، تعد مشكلة أمنية ملحة.
ومع عدم وجود القوة العسكرية اللازمة لترهيب خصومها، سعت الحكومة التركية إلى إضعاف هذا المحور المناهض لتركيا من خلال تغيير علاقاتها مع كل هذه الدول، باستثناء خصومها القدامى، اليونان وقبرص.