يوسف حمود - الخليج أونلاين-
لسنوات طويلة كانت وما زالت تركيا مقصداً للسياحة العربية والشرق أوسطية عامة، وللخليجية منها بنحو خاص، لما تمتلكه من طقس معتدل وطبيعة خلابة، وخدمات كبيرة ومعالم تاريخية وأثرية.
وكان السعوديون إلى ما قبل ثلاثة أعوام ضمن الأعلى على مستوى الوطن العربي ممن يزورون تركيا وبتواترٍ مستمر، صيفاً وشتاءً بعشرات الآلاف، الأمر الذي كان يدرّ على الخزينة العامة لتركيا مبالغ طائلة.
وإلى جانب أزمة كورونا، أدت الأزمة التي اندلعت بين أنقرة والرياض إلى انخفاض سياحة السعوديين إلى تركيا بنسبة كبيرة، لكن الزيارة التي قام بها الرئيس التركي إلى السعودية مؤخراً تفتح باباً لعودة السياحة إلى ما كانت عليه سابقاً، فهل يتحقق ذلك؟
آمال تركية
كشفت الزيارة الأخيرة، التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمملكة العربية السعودية، وتصريحاته خلال رحلة العودة إلى أنقرة عن آفاق جديدة لتطوير العلاقات مع جيران تركيا الإقليميين، عما قد تشهده الأيام القادمة، من تطبيع كامل للعلاقات.
ولعل المحرك الأساسي لتحركات أردوغان تجاه السعودية، والذي دفعه للزيارة الأخيرة للرياض، أواخر أبريل الماضي، هو اقتصادي محض، حيث يأتي باب السياحة ضمن تلك التوجهات، بعد تأثرها مؤخراً بشكل كبير.
وتطرق الرئيس التركي، في 2 مايو، في تصريحات للصحفيين عقب صلاة عيد الفطر، إلى زيارته التي أجراها إلى السعودية، وأبدى ثقته بأن العلاقات بين البلدين ستتطور جداً في مختلف المجالات، بما في ذلك السياحة.
وأردف: "كما تعلمون هناك تطورات إيجابية للغاية مع منطقة الخليج، وزيارتي إلى السعودية مؤخراً ستشكل مخرجاً هاماً في هذا الإطار (بخصوص السياحة)، وواثق من أن زيارات أشقائنا السعوديين إلى تركيا ستزداد بشكل أكبر".
وأشار إلى أن توافد السياح السعوديين سيسهم في تعزيز الحركة السياحية في تركيا، وأبدى تفاؤله بأن الموسم السياحي هذا العام سيكون "جيداً جداً".
ومطلع مايو، وبعد أكثر من عامين على التوقف، عادت الخطوط الجوية السعودية لتنظيم رحلاتها إلى تركيا، بعد تحسن العلاقات السياسية بين البلدين، وسط توقعات بازدياد عدد السياح من السعودية إلى تركيا.
تراجع السياح السعوديين
عقب أزمة مقتل خاشقجي، في أكتوبر 2018، وما تلاها من أزمة سياسية بين البلدين، ثم جائحة كورونا، هوت أعداد السائحين الذين استقبلتهم تركيا من السعودية ما بين عام 2019 و2021.
وعلى سبيل المثال، فقد شهدت الأشهر العشرة الأولى من العام 2020 استقبال تركيا 222.2 ألف زائر من 5 دول خليجية، هي: السعودية والإمارات والكويت والبحرين وقطر، مقابل 1.04 مليون في الفترة نفسها من العام الماضي، بناءً على بيانات وزارة السياحة التركي.
وزار تركيا 66.8 ألف سعودي منذ بداية 2020 حتى نهاية شهر أكتوبر بانخفاض 87.1% عن الفترة نفسها من 2019 التي شهدت استقبال تركيا 519.9 ألف سعودي بانخفاض 23.3% عن الأشهر العشرة الأولى من 2018.
وشنت حملات واسعة للدعوة إلى مقاطعة السياحة في تركيا وشراء البضائع التركية، وتصدرها شخصيات حكومية كان أبرزها حينما دعا عجلان العجلان، رئيس مجلس الغرف التجارية، عبر حسابه الرسمي على تويتر إلى مقاطعة شعبية للمنتجات والخدمات التركية انطلاقاً من الاستيراد مروراً بالاستثمار والسياحة.
كما سعت وسائل إعلام سعودية إلى ثني السعوديين عن زيارة تركيا عبر الترويج لمزاعم مختلفة؛ من بينها تعرض السياح للقتل والاعتداءات والاختفاء، وتعرضهم للنصب والتقطع.
انتعاشة للسياحة
يؤكد المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو أن الخطوة التي قام بها أردوغان بزيارة السعودية، واللقاءات الثنائية، ستنتج انتعاشة "في السياحة التركية بشكل كبير ومهم جداً".
ويقول لـ"الخليج أونلاين": إن الأرقام رغم أهميتها بخصوص أعداد السياح فإن المهم "هو ما يصرفه السائح السعودي مقارنة بالسياح الآخرين، والتي تصل أحياناً ما بين 3 إلى 5 مرات ما يدفعه أي سائح آخر".
وأضاف: "السائح السعودي ربما هو المفضل عند الشركات التركية والمحلات التجارية، إضافة إلى الاستثمارات للسياح، والذين يشترون العقارات التجارية التي تساعد في تحريك عجلة الاقتصاد".
وتابع: "لذلك فإن تحسن العلاقات السياسية هي السبب الرئيس في تحسن الجوانب الأخرى، ولها الدور في الجانب الاقتصادي والذي يندرج في إطاره السياحة".
ما قبل الأزمة
كانت تركيا إلى ما قبل أزمة كورونا من أبرز الدول التي يلجأ السياح السعوديون لزيارتها؛ لاعتبارات عديدة، وهو ما جعل الأرقام تتزايد عاماً بعد آخر، إلى أن وصلت إلى ذروتها في عام 2018، قبل أن تبدأ بالتراجع في العام الذي يليه عقب أزمة خاشقجي ثم أزمة كورونا.
وعلى سبيل المثال فقد ارتفع عدد السياح السعوديين من 23.676 عام 2003، إلى 747.233 عام 2018، وهي زيادة هائلة بالفعل، وفقاً لإحصائيات رسمية تركية.
وكانت أبرز أسباب هذه الزيادة هي رغبة السعوديين في التمتع بالطبيعة والاسترخاء والتخلص من ضغوط الحياة بأجواء رائعة، كل ذلك إضافة إلى كونها ليست بعيدة عن السعودية.
وأيضاً من الأسباب أنها بلد إسلامي تنتشر في أرجائه الحضارة والثقافة الإسلامية، مع سهولة السفر إليه والإقامة فيه، ومع كونها ذات تكاليف معيشية بسيطة، وذات تنوع طبيعي مختلف.
وإلى جانب ذلك، يلجأ السعوديون إليها بغرض السياحة العلاجية، حيث يفضل البعض الذهاب للمستشفيات التركية لما تتميز به من خدمة طبية.
كما يقبل السعوديون على التوافد إلى تركيا لشراء العقارات بشكل كبير، سواء كان ذلك من خلال شراء شقق في تركيا أو فلل أو فنادق أو أراضٍ، حيث يهدف بعضهم للاستثمار في مناطق حيوية من المتوقع أن تحقق قفزات بالأسعار في السنوات القادمة، والبعض بغرض الاستجمام والاسترخاء بها في العطل الموسمية، وصولاً إلى تفكير البعض بالحصول على الجنسية التركية.