إبراهيم قراطاس/منتدى الخليج الدولي - ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
كانت العلاقات بين السعودية وتركيا باردة إلى حد كبير قبل وصول "رجب طيب أردوغان" إلى السلطة في أنقرة عام 2002. وقد تجاهلت الحكومات التركية السابقة العلمانية وذات التوجه الغربي، الشرق الأوسط إلى حد كبير حتى ذلك الحين.
واتخذت حكومة "أردوغان" مبادرات مبكرة لتحسين العلاقات مع المنطقة. نتيجة لذلك، تحسنت العلاقات الثنائية مع جميع دول المنطقة في الأعوام الأولى لـ"أردوغان". ونمت العلاقات مع المملكة، أكبر لاعب في المنطقة، على وجه الخصوص إلى مستوى غير مسبوق.
تدهور العلاقات
ومع ذلك، في أعقاب الربيع العربي عام 2011، اتجهت تركيا والسعودية في اتجاهات مختلفة بسبب خلافاتهما الأيديولوجية حول موجة الاحتجاجات التي هزت العالم العربي. وجعلت ثورات الربيع العربي القادة السعوديين، مثل الحكومات الاستبدادية الأخرى في الشرق الأوسط، قلقين بشأن استقرار حكمهم.
ومن جانبها، ظلت حكومة "أردوغان" مترددة في البداية، لكنها بدأت بعد ذلك في دعم المظاهرات التي تملأ شوارع العواصم العربية، في انعكاس لنضال المحافظين الأتراك ضد الاستبداد.
ورغم أن قضية الربيع العربي أثارت قطيعة بين الرياض وأنقرة، إلا أن العلاقات السعودية التركية لم تصبح عدائية حقا حتى حاصرت السعودية والإمارات والبحرين ومصر، قطر، في يونيو/حزيران 2017.
وكسرت تركيا علنا الحصار منذ اللحظة ذاتها تقريبا. وكانت البداية بإرسال قوات إلى قطر لردع احتمال تنفيذ "رباعي الحصار" غزو محتمل. وبدورها، نظرت الدول الـ4 إلى هذا على أنه عمل عدائي من قبل تركيا.
لكن العلاقات بين البلدين لم تصل إلى الحضيض حتى قتل عملاء سعوديون صحفي واشنطن بوست "جمال خاشقجي" في القنصلية السعودية في إسطنبول 2018.
وحقيقة أن جريمة القتل الوحشية وقعت في أكبر مدينة في تركيا وأكثرها تاريخية أثارت غضب الحكومة التركية. وتم اعتبار الحادثة خطة سعودية لإذلال تركيا ورسالة إلى المعارضين العرب المغتربين المقيمين في تركيا بأن البلاد ليست آمنة لهم.
وردا على الإجراء السعودي، أصدرت السلطات التركية تسجيلا صوتيا للقتل واتهمت علنا ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" بالأمر بارتكابها، وهي أفعال أضرت بشدة بالصورة العامة للأمير الصاعد في العالم الغربي وأثارت الغضب السعودي ضد "أردوغان".
وبعد تداعيات حادثة "خاشقجي"، توقفت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وتركيا فعليا إلى أن رفعت السعودية وأعضاء الرباعية الآخرون الحصار المفروض على قطر في يناير/حزيران 2021.
ومنذ ذلك الحين، ضغطت الحكومة التركية لإصلاح علاقاتها مع جميع دول المنطقة، في نهاية واضحة لـ"عصر العزلة المكلف" لأنقرة كما وصفتها بعض وسائل الإعلام التركية.
وقبل زيارة "أردوغان" للرياض في أبريل/نيسان 2022، تمكنت تركيا إلى حد كبير من استعادة علاقاتها مع الإمارات والبحرين ومصر وحتى إسرائيل.
لذلك، من الأفضل فهم تقارب تركيا مع السعودية كجزء من عملية مستمرة في السياسة الخارجية للبلاد في الشرق الأوسط.
وبهذا المعنى، فإن إصلاح العلاقات مع السعودية هو جزء من عملية أكبر لاستعادة مكانة تركيا في المنطقة، والرياض واحدة من العديد من الأهداف.
وأزال قرار تركيا في أوائل أبريل/نيسان بتعليق ملاحقتها قضائيا لقتلة "خاشقجي" المتهمين ونقل المحاكمة إلى السعودية، العقبة الأخيرة أمام تحسين العلاقات التركية السعودية.
وانتقدت منظمات حقوق الإنسان تركيا بسبب هذا القرار، لكن المدافعين عن أنقرة جادلوا بأن هذه الخطوة يجب أن تتم من أجل مصالح تركيا.
كما استدعت أنقرة تخاذل باقي العالم في التدخل ضد "محمد بن سلمان" في أعقاب قضية "خاشقجي".
فعندما دعت الحكومة التركية إلى دعم دولي بعد جريمة القتل، لم تتخذ سوى حفنة من جماعات حقوق الإنسان وعدد قليل من الدول إجراءات ضد السعوديين.
وكانت الولايات المتحدة، بقيادة "دونالد ترامب" في ذلك الوقت، مترددة في اتخاذ تدابير قوية ضد "محمد بن سلمان"؛ لأن "ترامب" كان مهتما أكثر بالاستثمارات السعودية ومشتريات الأسلحة من الولايات المتحدة. وحتى عندما ردت إدارة "ترامب"، لم يكن البيان الرسمي للولايات المتحدة أكثر من إدانة ضعيفة.
ما تحصل عليه تركيا
وتتوقع تركيا جني فوائد اقتصادية كبيرة من علاقتها مع السعودية. فبعد حادثة "خاشقجي"، فرضت السعودية مقاطعة غير معلنة على البضائع التركية؛ ما تسبب في انخفاض الصادرات التركية إلى المملكة بنسبة 90% في عام 2021. ومع ذلك، بدأت العلاقات بالفعل في التحسن قبل زيارة "أردوغان"، مع زيادة الصادرات بنسبة 25.3% في الربع الأول من عام 2022.
واتهم منتقدو "أردوغان" الرئيس التركي بزيارة "بن سلمان" للحصول على المساعدة دعما لاقتصاد بلاده المتدهور من أجل تحسين فرص حملته الانتخابية.
وصحيح أن تطبيع العلاقات سيعزز التجارة بين أنقرة والرياض، لكن ذلك لن يحدث تغييرا كبيرا في الاقتصاد التركي؛ ما يعني أنه سيكون له تأثير ضئيل على الانتخابات المقبلة في تركيا.
وأضر التضخم بالسكان الأتراك، لكن مقايضة العملة التركية بالسعودية مع البنك المركزي السعودي أو الاستثمار الأجنبي المباشر السعودي داخل تركيا، رغم أهميته على المدى الطويل، لن ينهي الأزمة الاقتصادية الحالية في تركيا.
ومن ناحية أخرى، ربما تكون هذه الجهود قد عملت على استقرار الليرة التركية بعد انخفاضها الحاد في قيمتها مقابل الدولار الأمريكي. وتجدر الإشارة إلى أن احتياطيات البنك المركزي التركي تبلغ 120 مليار دولار؛ ما يعني أن التخلف عن السداد ليس وشيكا.
ثانيا، تركيا والسعودية بحاجة إلى بعضهما البعض في السياسة الإقليمية والدولية. وتخوض السعودية حربا بالوكالة مع إيران من خلال جماعة الحوثي المتمردة في اليمن.
وعلى عكس السعودية، تتمتع تركيا بعلاقات جيدة مع طهران؛ ما يسمح لها بالوساطة بين الخصمين إذا لزم الأمر.
وفي حالة فشل المفاوضات أو عدم قدرة أنقرة على القيام بأي وساطة، قد تساعد تركيا أيضا في تدريب الجيش السعودي وتجهيزه بأسلحة تركية الصنع، وخاصة طائرات "بيرقدار" عالية الفعالية، التي قد تحتاجها الرياض لردع التهديدات المتزايدة من الطائرات بدون طيار والصواريخ الإيرانية.
ثالثا، لتلبية الطلب الخارجي المتزايد، من المحتمل أن تزداد العلاقات العسكرية السعودية التركية. ولقد ألمح "أردوغان" بالفعل إلى أن حكومته تتوقع أن تستثمر الرياض في صناعة الدفاع التركية.
ولا ينبغي أن نتفاجأ عندما نسمع قريبا أن السعودية ستبدأ في شراء أسلحة تركية أو المشاركة في مشاريع دفاعية مشتركة.
وفي غضون ذلك، وعلى عكس آراء العديد من المحللين الأجانب، من غير المحتمل أن تطلب الحكومة السعودية من القوات التركية الانسحاب من قطر.
وكان يمكن اعتبار الكتيبة التركية تهديدا لمصالح الرياض أثناء الحصار.
ومع ذلك، بعد أن أصلحت قطر وتركيا والسعودية علاقتها معا، ربما لا ينبغي للرياض أن تجد وجود الجنود الأتراك أمرا مرفوضا، وبالتالي يزيل هذا عقبة أخرى أمام التعاون الدفاعي السعودي التركي.
ما تحصل عليه السعودية
ومن المرجح أيضا أن تعود العلاقات الجيدة مع تركيا بالفائدة على "محمد بن سلمان". فبعد أن دمرت حادثة "خاشقجي" صورته المزدهرة كإصلاحي مؤيد للغرب، يجب عليه كسر العزلة عن العالم من خلال إصلاح علاقات المملكة مع الدول الأخرى، لا سيما تلك الموجودة في المنطقة.
ويعني قرار تركيا إغلاق قضية "خاشقجي" التخلي عنها، وبالتالي سيساعد على الأرجح في تحسين صورة ولي العهد.
وإلى جانب مشاكلها مع القوى الإقليمية الأخرى، كانت الرياض بعيدة عن إدارة "بايدن" والدول الغربية الأخرى أيضا.
وبالتالي فإن "بن سلمان" في حاجة ماسة إلى الأصدقاء، ولا يمكنه تجاهل إمكانية الصداقة مع تركيا، القوة الإقليمية الرئيسية.
وبشكل عام، لدى تركيا والسعودية الكثير لكسبه من العلاقات الثنائية السياسية والتجارية القوية.
ولم تعد الأسباب الأصلية للعداء المتبادل بين البلدين، مثل الربيع العربي والحصار المفروض على قطر وقضية "خاشقجي"، موجودة في حسابات أي من الزعيمين.
علاوة على ذلك، تشترك كلتا الدولتين في بعض المشكلات المشتركة وغير ذات الصلة، التي يمكن حلها من خلال التعاون بدلا من الخلاف.
ويجب أن نتوقع أن نرى أنقرة والرياض تحاولان تجنب تهديد مصالح بعضهما البعض، ولكن العمل بحذر في العلاقات الثنائية.
وقد أثبتت الدروس المستفادة في العقد الماضي أن الانقسامات لا تؤدي إلا إلى تفاقم التوترات والإضرار بمصالح الدولتين.