(أحمد شوقي\ راصد الخليج)
بعد شدّ وجذب لفترة تخطّت ثلاث سنوات، بدت محاولات تعويم ولي العهد السعودي على السطح جادّة وبدا استلامه للعرش فعلياً وشيكاً.
ولي العهد الذي أُشير له بالبنان، باعتباره المسؤول الأوّل سياسيًا على الأقل -رغم إشارات أُخرى جنائيّة بتورّط مباشر- في جريمة مقتل الصّحافي جمال خاشقجي، بدا معزولًا دوليًا منذ تولّي بايدن الرّئاسة وتعهّده بعزلته ومعاقبته، وبدا إقليميًا مكسور الجناح بعد قطيعة مع قوّتين إقليميّتين كبرتَين، هما إيران بحكم العداء الذي تكنّه للسعودية، وتركيا بحكم الجريمة التي ارتكبت على أرضها وبدا معها أردوغان متشدّدًا ومصمّماً على الانتصار للسيادة التركية.
إلّا أنّ أردوغان المأزوم اقتصاديًا لأسباب داخلية تتعلّق بتدخّلات صندوق النّقد والتّضخم وانخفاض العُملة وتراجع الاستثمارات، وللأسباب العامّة التي تُعاني منها جميع الدّول بسبب أزمة كورونا وتداعيّات الحرب في أوكرانيا، والمأزوم سياسيًا بسبب تأرجحاته بين المعسكرات الدّولية، بدا مُستسلما للخليج.
فيعدّ مصالحته مع الإمارات والتي أشير إليها بالتورّط في الانقلاب عليه، يستقبل ولي العهد السعودي والذي أُشير إليه بإهانة مباشرة لأردوغان والسيادة التركية، بارتكاب جريمة مروّعة مثل جريمة مقتل خاشقجي.
أمّا بايدن والذي يرأس دولة عظمى كأمريكا، بل وينتمي لحزب يتغنّى بالديمقراطيّة وحقوق الإنسان، بل الأهم أنّ وعدَه الانتخابي تعلّق مباشرة بولي العهد، ها هو يذهب للسعودية وتؤكّد التقارير لقاءه بولي العهد.
والعلاقات الامريكية السعودية، هي علاقات تاريخية قامت على مضمون اتّفاق كوينسي بالنّفط مقابل الحماية للعرش، ثمّ تطوّرت بصيَغ مختلفة لتَصل اليوم إلى صيغة يُمكن تلخيصها في خدمة مصالح أمريكا وهيمنتها مقابل الاعتراف بالعرش وتوفير الغطاء السياسي لصاحبه.
وربّما لخّص تقرير لصحيفة بوليتيكو، دوافع الزيارة، ولخّص معها طبيعة أمريكا وازدواجيّتها وتزييفها للشعارات:
فقد رصد التّقرير، أنّه، وعقب الغزو الروسي لأوكرانيا، قال كبار المسؤولين الأميركيين إنّ بايدن ينظر الآن إلى دور أميركا كقائد عالمي من خلال منظور مختلف عمّا كان عليه عندما تولّى منصبه لأوّل مرّة.
وفي هذا السياق، قال النائب الديمقراطي توم مالينوفسكي إنّ الولايات المتّحدة لديها "هدف واحد مهيمن اليوم أكثر أهمية من أي شيء آخر، وهو التغلّب على بوتين".
و لمعرفة حجم المفارقة، فإنّ مالينوفسكي شغل منصب مساعد وزير الخارجية للديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل في عهد الرئيس باراك أوباما وكان أحد أقسى منتقدي الحرب التي قادتها السعودية في اليمن، أي أنّه ممثّل قوي لشعارات حقوق الانسان والديمقراطيّة الأمريكيّة، بينما نراه يقول لصحيفة بوليتيكو نصًّا ما يلي:
"بالنّسبة لي، لا يتعلّق الأمر بحقوق الإنسان مقابل الأمن القومي أو النّفط مُقابل خاشقجي" بل"يتعلّق بأفضل طريقة يمكن للولايات المتّحدة أن تضمن أنّ الدول العميلة لنا تقف إلى جانبنا في هذا السباق الحاسم وتؤدي دورها في ضمان فشل بوتين".
ويبدو أنّ ولي العهد السعودي، ورغم ما حاول تصديره من تلويح بالتّوجه شرقًا وما بدا أنّه عنادًا أو تمرّدًا على أمريكا، إلّا أنّه قدّم أوراقًا للاعتماد لدى إدارة بايدن، ودّ رصدها المسؤولون الأمريكيون.
حيث يقرّ مسؤولو الإدارة الأمريكية بأنّ السعوديين قد وفوا إلى حدّ كبير بطلبات واشنطن، فمنذ أن تولّى بايدن منصبه، كثف محمد بن سلمان جهوده لإنهاء الحرب في اليمن، وأوقف مقاطعة قطر، وفتح حوارًا مع إيران بالتْوازي مع المفاوضات النووية وعمق الاتّصالات بهدوء مع "إسرائيل".
وبالتّالي فإنّ زيارة بايدن لن تخلو من ملفّي التّطبيع وتعميقه بالاتّجاه العلني حيث تتوقّع التّقارير وصول بايدن إلى "اسرائيل" ومنها يتّجه بطائرته مباشرة إلى المملكة مع عدم وجود أي حواجز بالمجال الجوي السعودي، أو ترانزيت يؤجل إعلان التطبيع، كما ستتناول الزيارة ملف النفط ومساعدة أمريكا في صراعها مع بوتن.
وتبدو زيارة ابن سلمان إلى تركيا بمثابة إعلان رسمي عن "إعدام" تورّط ابن سلمان وإعلان لبراءته رسمياً بشكلٍ يوفّر الحرج على بايدن!!!