عبد الله المجالي- صحيفة السبيل-
زيارة مكوكية لولي العهد السعودي استغرقت ثلاثة أيام كانت كافية لكتابة مئات المقالات والتقارير والتحليلات التي قد يحتاج قراءتها إلى أكثر من ثلاثة أيام.
هذا الرتم السريع ربما بات السمة الأبرز للسياسة السعودية في عهدها الجديد، وهي التي كان يطلق على دبلوماسيتها في السابق "دبلوماسية الفيل"؛ نظرا لثقل سيرها، وبطء تفاعلها مع الأحداث في الإقليم.
لكني توقفت عند مقال للكاتب السعودي طارق الحميد الذي ركز فيه على الأبعاد السياسية للجولة رغم ما حملته من أبعاد اقتصادية واضحة.
يرى الحميد أن زيارة ولي العهد لكل من مصر وتركيا تعني ضمنا نهاية حقبة ما "عُرف زوراً بالربيع العربي"، وأن "المنطقة باتت أكثر اقتراباً من الهدوء المنشود في العلاقات الخليجية - الخليجية، وكذلك العلاقات العربية – التركية".
بعيدا عن وجهة نظر الكاتب -القريب من دوائر صنع القرار السعودي- بالربيع العربي والذي رأى فيه فقط "جهود تخريب الجماعات التي حاولت تفتيت دولنا، وبدعم من إيران، وسذاجة اليسار غربياً"، وبعيدا عن نظرته عن انحسار ذلك الربيع مقابل "إعلاء قيمة الدولة، ومفاهيمها". إلا أن المرء لا يسعه إلا أن يشيد بأي تقارب عربي عربي أو عربي تركي وحتى أي تقارب عربي إيراني، ولكن ليس على أي أسس؟
الجميع، في ظني، يتوق لحلف سعودي مصري تركي، يكون أساسا لمشروع خاص بعيد عن المشاريع الأمريكية والإيرانية والإسرائيلية، وعلى أساس تعظيم قدرات المنطقة وبث روح الأمل في شعوبها ونهضة الأمة ومواجهة الأخطار التي تحيق بها.
حلف يستفيد من قدرات الأمة وثرواتها وتوظيفها لصالح مشروع نهضوي قائم على تفعيل الشعوب، وإعادة الروح والكرامة لها.
تشكل هذا الحلف، الحلم، على تلك الأسس، سيكون أعظم ما قد يقدمه الزعماء للأمة.
هذا الحلف سيُرَشِّد الطموحات التركية وسيحد من أطماعها إن وجدت، فالسعودية ومصر قوتان لا يستهان بهما.
حلف كهذا، لن تستطيع إيران بدا من الانخراط فيه وفق شروط مؤسسيه، وهو حلف قادر على ترشيد وكبح جماح الطموحات الإيرانية وجعلها طموحات واقعية، لكنه حلف في الأساس قادر على سحب أي ذرائع إيرانية بوجود قوى خارجية في المنطقة تسعى لتطويقها.
هذا الحلف، الحلم، قادر على إعادة ضبط العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية، الساعية أصلا للانسحاب من المنطقة، وعلى إعادة ضبط العلاقات مع القوى الكبرى مثل الصين وروسيا.
الطرف الوحيد في الإقليم الذي سيشعر بالخسارة من هذا الحلف، الحلم، هو الكيان الصهيوني، وهو الطرف الأكثر الذي سيقف في وجهه وإفشال أي خطوات تجاه تحقيقه، بل هذا ما يفعله الآن، وربما يكون هذا هو السبب الأقوى لوقوف الكيان ضد الربيع العربي والعمل على إفشاله.
هذا الحلف، الحلم، لن يكون فيه مكان للكيان الصهيوني، وسيجد نفسه مضطرا لتقديم تنازلات، فهو لا يستطيع مواجهة هكذا حلف على الإطلاق.
هذا الحلف، الحلم، وبوجود السعودية بالمركز منه سيكون جاذبا للدول العربية وخصوصا الأردن ودول الخليج، بل إنه يمكن أن يشكل نواة لحلف أكبر بدخول دول مثل باكستان وأندونيسيا وماليزيا.
هذا الحلف سينزل بردا وسلاما وسيقر أعين الإيغور والمسلمين في الصين والروهينغيا في ميانمار، وسينعكس حتما إيجابا على أوضاعهم دون أي صدام مع بكين أو نيودلهي أو نايبيداو، أو حتى بذلك مجهود دبلوماسي كبير.
هذا الحلف سيجبر الغرب على تغيير تعامله مع مزدري الدين الإسلامي والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، حتى دون تقديم طلب رسمي.
هذا ما كان يحلم به من استبشروا بالربيع العربي الذي يبشرنا الكاتب السعودي بأنه طوي ملفه وانتهى!