إسماعيل جمال- القدس العربي-
تُسرع الدبلوماسية التركية خطواتها لتحقيق مزيد من التقدم في المسار الدبلوماسي الجديد القائم على مبدأ العودة إلى سياسة “صفر مشاكل” عبر تصفير الخلافات مع كافة دول المنطقة والعالم، وإنهاء الخلافات السياسية وتجنب الدخول في صراعات عسكرية ضمن إستراتيجية أساسية تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق استقرار سياسي، يُمكّن الحكومة التركية من تحقيق ازدهار اقتصادي. وهو استحقاق حيوي جداً للرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يستعد لخوض انتخابات برلمانية ورئاسية حاسمة منتصف العام المقبل.
وعلى الرغم من أن الشريحة الأوسع من المواطنين الأتراك لا تصوت في الانتخابات بناء على توجهات السياسة الخارجية للبلاد، إلا أن الهدف الأساسي يتمثل في تحقيق استقرار سياسي يساهم في تحسين الاقتصاد الذي تعرض لانتكاسات صعبة في السنوات الأخيرة نتيجة الفاتورة الباهظة للعمليات العسكرية في الخارج، والأزمات الأخرى التي تعرض لها الاقتصاد العالمي، حيث يتوقع أن يلعب الاقتصاد دوراً حاسماً في توجهات الناخبين الأتراك بالانتخابات المقبلة.
تروٍ سعودي
على الرغم من الإعلان رسمياً عن إنهاء حقبة الخلافات بين أنقرة والرياض، وتبادل الزيارات الرسمية على أعلى المستويات، وهو ما تمثل في زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى تركيا، إلا أن العلاقات لم تشهد تقدماً لافتاً، وسط ما يوصف بأنه “تروٍ وبطء” سعودي في الانفتاح على توسيع العلاقات مع تركيا لتعود كما كانت عليه قبل تفجر الخلافات.
وعلى عكس ما جرى مع الإمارات على سبيل المثال، لم ينتج عن إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا والسعودية اتفاقيات تجارية واقتصادية ومالية واسعة، وهو ما كانت ترغب به أنقرة، حيث اقتصرت الخطوات السعودية على تخفيف القيود التي كانت مفروضة على سفر مواطنيها إلى تركيا، وعلى استيراد المنتجات التركية، وما يمكن اعتبارها الخطوات التضييقية العلنية، إلا أنها لم تتوسع في فتح آفاق جديدة للتعاون في كافة المجالات.
وبينما تسعى تركيا للحصول على اتفاقيات مالية واستثمارات سعودية بمليارات الدولارات، يُعتقد أن الرياض لا تزال تتحفظ على القيام بهذه الخطوة وهي تسعى بدرجة أساسية للحصول على مسيّرات تركية قتالية متقدمة، وضخ الاستثمارات السعودية في مجال الصناعات الدفاعية والاستفادة من الخبرات التركية في هذا المجال، وبشكل خاص بناء مصنع للمسيّرات التركية في السعودية، وهو ما لم يتم التوافق عليه حتى الآن.
التعنت المصري
رغم الاختراق الذي حققته تركيا في مسار إعادة تطبيع العلاقات مع الإمارات والسعودية، إلا أن مسار تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة ما زال يسير ببطء شديد، وسط ما يعتقد أنه “تعنت مصري” وخلافات لا زالت تمنع حصول اختراق حقيقي في هذا المسار. لكن زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى قطر ولقاءه الأمير تميم بن حمد آل ثاني، يمكن أن تساهم في حصول اختراق قريب في هذا المسار، بحسب كثير من المحللين الأتراك.
ومع إتمام مسار التطبيع مع الإمارات والسعودية وإسرائيل، انصبّ التركيز التركي على إتمام مسار تطبيع العلاقات مع مصر والذي يشهد خطوات بطيئة جداً منذ انطلاقه قبل عدة أشهر، حيث لم يشهد أي اختراق حقيقي من قبيل إعادة تبادل تعيين السفراء بين البلدين، أو حصول لقاءات رسمية على مستويات رفيعة، ولكن دون حدوث تراجع في المسار الذي يبدو أنه يتقدم ولكن بوتيرة بطيئة جداً لا تتوافق مع رغبة تركيا التي تريد خطوات أسرع.
وكما جرى في المسارات السابقة مع الدول الأخرى، انتقلت الاتصالات التركية المصرية من مستوى الاستخبارات والدبلوماسية المنخفضة إلى الدبلوماسية الرسمية، وهي الخطوة التي تسبق في العادة الإعلان عن لقاء على المستوى السياسي الأول، لتكون هذه الخطوة بمثابة إعلان رسمي عن إنهاء الخلافات وفتح صفحة جديدة في سجل العلاقات بين البلدين، إلا أن الخطوة الأخيرة والأهم لم تتحقق بعد.
ورغم التقدم البطيء جداً في مسار تحسين العلاقات مع مصر، إلا أنه لم يشهد أي أزمات، وإنما شهد خطوات متبادلة في أكثر من جانب لزيادة الثقة بين البلدين، وهو ما يدعم إمكانية حصول تقدم كبير في أي وقت قد يتمثل على شكل لقاء سياسي رفيع المستوى بين كبار مسؤولي البلدين والإعلان عن عودة تبادل السفراء، وما يزيد التكهنات في هذا الإطار زيارة السيسي الأخيرة إلى الدوحة التي يمكن أن تؤسس بالفعل للقاء مع أردوغان.
ألغام النظام السوري
كما لم يكن متوقعاً أن يحصل تقارب تركي مع الإمارات والسعودية، ومصافحة بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي، ما زال سيناريو حصول تقارب بين تركيا والنظام السوري أو لقاء بين أردوغان وبشار الأسد أمراً مستغرباً ومستبعداً، إلا أن التطورات الأخيرة تشير بوضوح إلى أن مسارا جديا لإعادة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق قد بدأ بالفعل، إلا أن الكثير من الألغام لا زالت تعترض هذا المسار المحفوف بالمصاعب والمحاذير.
وفي أحدث الإشارات التركية إلى هذا المسار، كتب أحمد هاكان، الصحافي المقرب من الرئيس التركي، عن أردوغان قوله إنه كان يأمل لو حضر بشار الأسد قمة شنغهاي التي انعقدت قبل أيام في أوزباكستان، وأنه كان سيلتقيه لو شارك في القمة. وذلك في إشارة قاطعة على الانفتاح التركي على عقد لقاءات سياسية مع النظام قد تبدأ بلقاء قريب على مستوى وزيريْ خارجية البلدين برعاية روسية.
وعلى الرغم من أن أنقرة تهدف إلى تحقيق مكاسب ما تتعلق بملف منع إقامة كيان كردي في شمالي سوريا، وحل ملف اللاجئين السوريين في تركيا، إلا أن هذا المسار يبدو معقداً أكثر من كافة المسارات السابقة بسبب خصوصية النظام السوري المتهم بارتكاب مجازر ضد أبناء شعبه، ما أدى إلى مقتل مئات آلاف المدنيين، والمواقف السابقة لأردوغان ضد النظام ودعم المعارضة السورية على مدى السنوات الماضية، وهو ما يخشى محللون أتراك أن يأتي بنتائج عكسية للحكومة التركية داخلياً ودولياً.