موقع “ميدل إيست آي”-
نشر موقع “ميدل إيست آي” في لندن تقريرا أعده شين ماثيوز قال فيه إن السياسة في الشرق الأوسط عام 2022 اتسمت بالبراغماتية، وقام القادة في معظم المنطقة بالمصافحة ولوحوا برايات بعضهم البعض في موجة من التقارب، وتساءل إن كانت علاقة الحب ستستمر.
وكانت المودة بادية في أنقرة والقاهرة والدوحة ودبي. ونقل الكاتب عن عبد الله باعبود، الباحث غير المقيم في مؤسسة كارنيغي: “ظهرت هذا العام حالة الإجهاد من الخلافات التي مزقت المنطقة خلال العقد الماضي” و”كان تحولا مفاجئا في مسار الأحداث، وإيجابيا للمنطقة التي حرمت من الحوار”. وبدأت الهجمة الدبلوماسية في شباط/فبراير عندما قام الرئيس رجب طيب أردوغان بأول زيارة رسمية له إلى الإمارات منذ تسعة أعوام، وأتبع ذلك بزيارة في نيسان/إبريل واستقبله الأمير محمد بن سلمان بعد سنوات من العداء على خلفية مقتل الصحافي جمال خاشقجي.
وكانت أنقرة قبل ذلك على خلاف مع دول الخليج بسبب دعمها للربيع العربي عام 2011، حيث ألقى أردوغان بثقله خلف الإخوان المسلمين والإسلاميين والحركات الديمقراطية التي تراها ملكيات الخليج تهديدا لها. ووصل الخلاف ذروته بمقتل خاشقجي في إسطنبول عام 2018.
ويقول المحللون إن الاقتصاد تفوق في هذا العام على الأيديولوجية. فأردوغان الذي سيواجه انتخابات في العام المقبل يريد تحسين الاقتصاد ومواجهة التضخم الذي وصلت نسبته 80%، وتعهدت كل من السعودية والإمارات بضخ مليارات الدولارات لدعم الاحتياطي الأجنبي التركي.
وقال كين كاتزمان، الباحث في معهد صوفان: “يعتبر الاقتصاد مشكلة أردوغان الكبرى” و”هو يحاول إصلاح العلاقات مع دول الخليج من أجل الحصول على شريان حياة مالي”. وعلى الجانب الآخر من الخلاف، مصر الدولة التي تعاني من مصاعب مالية، قامت بإعادة ضبط العلاقة مع أعدائها. فقد دعمت كل من قطر وتركيا الحكومة المنتخبة لمحمد مرسي، الذي أطاح به الجيش وانهارت العلاقة معهما بعد ذلك. وتساءل أردوغان علانية عن شرعية عبد الفتاح السيسي، فيما اتهمت القاهرة قطر بالتدخل في شؤونها المالية من خلال قناة الجزيرة للهجوم عليها إعلاميا. وفي عام 2017 شاركت مصر السعودية والإمارات والبحرين في مقاطعة قطر بتهمة مساعدة الأخيرة الإخوان المسلمين التي صنفتها الرياض وأبو ظبي بالجماعة الإرهابية.
وفي عام 2022، صافح أردوغان السيسي أثناء حفل افتتاح بطولة كأس العالم الشهر الماضي وظهر أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني مبتسما بينهما. وتعهدت قطر إلى جانب السعودية والإمارات بدعم الاقتصاد المصري ووضع ودائع بالمليارات في المصرف المركزي المصري. ووضعت دول الخليج الضغائن القديمة جانبا في نفس الوقت الذي ساعدت فيه الحرب بأوكرانيا على ملء خزائنها بالمال نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة وعززت من نفوذها على الدول الضعيفة اقتصاديا مثل تركيا ومصر.
وقال باعبود “أهم حدث في هذا العام هو غزو روسيا لأوكرانيا وساعد دول الخليج بعدة طرق”. وقال باعبود “لم يكن داعمو السيسي في الخليج راضين عن طريقة إدارته للاقتصاد ودعم الدوحة المالي لا يعني أنها لا تتفق مع السيسي على كل شيء” و”لكن هناك مخاوف من انهيار الاقتصاد المصري بتداعيات تؤثر على استقرار الشرق الأوسط”.
ومنحت مناسبة تنظيم قطر بطولة كأس العالم قادة المنطقة الفرصة لإظهار التحولات في المنطقة وعرضها على العالم. وخلال المباريات ظهر ولي العهد السعودي متوشحا بالعلم القطري وكذا أمير قطر متوشحا بالعلم السعودي. وقال دبلوماسي خليجي “كان التوشح بالعلم رمزيا، وهو رسالة للجماهير في المنطقة والغرب” و”لكنه أكثر من كونه لفتة”. وأضاف الدبلوماسي “الالتزام بتطبيع العلاقات حقيقي” و”تربط العلاقات العائلية والقبلية الخليج وخفض التوتر مصلحة وطنية”.
وتقول سيزنيا بيانكو الزميلة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن التقارب السعودي- القطري “حقيقي” مضيفة بأنه “مدفوع بالفهم المتبادل لأهمية التعاون الجيوسياسي وأهميته الجوهرية للطرفين”. ويتوقع المحللون مواصلة القوى الإقليمية إصلاح العلاقات عام 2023، لكنهم يرون أن الخلافات قائمة. وقال كاتزمان “هؤلاء هم حكام وراثيون وليست لديهم نفس الآراء حول المنطقة”. وقال إن الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد وولي العهد السعودي متشككان من الإخوان المسلمين، إلا أن قطر لا تزال تؤمن بإمكانية جلبهم للخيمة. ولا تزال العلاقات بين قطر والبحرين متوترة، فيما لم تكن المصالحة مع الإمارات سلسة مثل المصالحة مع السعودية، برغم زيارة محمد بن زايد للدوحة في كانون الأول/ديسمبر.
وقالت بيانكو إن قطر كانت منشغلة بتنظيم كأس العالم، ولكنها ستصبح ناشطة في الأمور الجيوسياسية بعد صمت لمنع أي منغصات على المباريات. وترى أن محاولة قطر تأكيد نفسها في الخارج تعني وجود مجال للتعاون مع السعودية في القرن الأفريقي حيث تتلاقى مصالح البلدين في المنطقة، إلا أنها لا تستبعد مصادمة مع الإمارات في تركيا وأفغانستان حيث يحاول البلدان الحصول على أكبر قدر من الاستثمارات.
وفي أيلول/سبتمبر اقترحت الإمارات إدارة مطار كابول الذي تحاول كل من تركيا وقطر الحصول على عطاء إدارته. وتظل سوريا منطقة خلاف بين دول المنطقة، ففي الوقت الذي استقبلت فيه أبو ظبي الرئيس السوري بشار الأسد ومحاولات أردوغان غير الناجحة للتقارب لا تزال السعودية والإمارات مترددتين بجلب دمشق للخيمة. وقال كاتزمان إن سوريا هي واحدة من الشقوق في المنطقة التي يجب على المنطقة التعامل معها.
ويرى كاتزمان أن التقارب سيكون محل امتحان عام 2023 لو حدثت مواجهات في غزة مثلا. ولم تكن إسرائيل خارج فترة ذوبان الجليد بالمنطقة، فقد تقاربت تركيا أردوغان معها وعززت الإمارات علاقاتها التجارية معها ضمن اتفاقيات إبراهيم. وتم السماح للطائرات الإسرائيلية بالسفر إلى الدوحة أثناء البطولة. وقال باعبود “لو كان هناك رابح في المنطقة فهو إسرائيل”.
كما تختلف دول الخليج حول كيفية التعامل مع إيران، فقطر التي تشترك مع إيران بحقل للغاز الطبيعي، دعت للتقارب واستضافت جولة محادثات بهدف إحياء الملف النووي. وفي الوقت الذي تعارض فيه الإمارات والسعودية الاتفاقية النووية، إلا أنهما قامتا بخطوات للتقارب. وعينت أبو ظبي سفيرها في إيران في آب/أغسطس. وجاء القرار بعد تعرض أبو ظبي لهجمات صاروخية من حلفاء إيران في اليمن بداية العام الحالي.
ويرى كاتزمان أن “التقارب السعودي الإماراتي مع إيران يدفعه عدم معرفتهما بما ستفعله أمريكا حالة تعرضهما لهجوم”، لكن محاولات التقارب بردت بسبب التظاهرات التي تشهدها إيران. وقال مسؤولون عراقيون يوم الإثنين إن اللقاءات بين السعوديين والإيرانيين جارية وتمت فيها مناقشة موضوع اليمن. وقال باعبود إن الحوار مع السعودية سيتباطأ لو استمرت المظاهرات حتى العام المقبل. أما تركيا فيرى المراقبون أن التقارب الخليجي معها سيستمر. وقال باعبود “ذهب القادة للنزاعات بعد الربيع العربي باعتقاد أنهم سيحققون شيئا وبعد الكثير من الجهود والثمن لم يحققوا الكثير” و”ستظل هناك احتكاكات لكن التقارب يكسب زخما وسيستمر عام 2023″.