متابعات-
سلطت مجلة "جون أفريك" الضوء على أجواء العلاقات بين الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، وولي العهد السعودي "محمد بن سلمان"، ورئيس الإمارات "محمد بن زايد"، واصفة إياها بأنها "مصالحة برائحة الواقعية السياسية".
وذكرت المجلة الفرنسية، في تقرير لها، أنه بعد عقد من التوترات والتنافس الجيوسياسي الذي ولد من الربيع العربي، تواصل الرياض تقاربها مع تركيا، مشيرة إلى آخر بادرة في هذا الصدد، وهي تقديم مساعدة بقيمة 5 مليارات دولار، لدعم الاقتصاد التركي، حسب ما أعلنته وزارة المالية السعودية، في نهاية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وكان هذا الإعلان مستبعدا قبل أشهر قليلة، حيث تسبب اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" داخل القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول في تأزم العلاقة بين البلدين.
ونوه التقرير إلى أن التقارب بين الرياض وأنقرة جرى تدريجيا على مدى أشهر، فبعد رفع الحظر عن واردات المنتجات التركية إلى السعودية، التي تراجعت بنسبة 98% في العامين الماضيين، استقبل ولي العهد السعودي الرئيس التركي في الرياض نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، قبل أن يستقبل الأخير بدوره رجل المملكة القوي في أنقرة في شهر يونيو/حزيران الماضي.
وإذا كانت الرياض أضفت الطابع الرسمي على مصالحتها مع أنقرة هذا العام، فإن أبوظبي، من جانبها، قد اتخذت خطوة إلى الأمام، حيث سافر الرئيس الإماراتي "محمد بن زايد"، إلى العاصمة التركية في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حين كان ولياً للعهد، في زيارة هي الأولى على هذا المستوى منذ عام 2012.
وانتهت الزيارة بتوقيع اتفاقيات وعقود، لاسيما إنشاء صندوق دعم بقيمة 10 مليارات دولار للاقتصاد التركي.
وعلى غرار جارتها السعودية، تعهدت الإمارات بمليارات الدولارات في شكل استثمارات ومقايضة للعملة، لدعم الليرة التركية في مواجهة التضخم الجامح.
وبالنسبة للفاعلين الثلاثة، تحتل المسألة الاقتصادية مكانة مهمة في هذه المصالحة، لكن هناك فارقاً بسيطاً بين النهجين الإماراتي والسعودي، إذ يعتبر التقارب بين الرياض وأنقرة في الوقت الحالي سياسيا بشكل أساسي، بينما يركز التعاون الإماراتي التركي بشكل أساسي على المجال العسكري.
وفي هذا الإطار، أبرمت الإمارات اتفاقية شراء أسلحة مع تركيا، في مارس/آذار 2021، تقدر قيمتها بملياري دولار، تشمل 120 طائرة تركية من طراز بيرقدار TB2 ويفترض أن يكون قد تم تسليم جزء من هذه الطائرات إلى الإمارات في سبتمبر/أيلول الماضي.
وكدليل على الاهتمام الشديد بهذه الطائرات المسيّرة، كشف "أردوغان" أن الإمارات عرضت على تركيا بناء مصنع بيرقدار TB2 في أبوظبي، بحسب قناة تلفزيونية تركية.
ويبدو أن السعودية، تسير على خطى جارتها في مفاوضات للحصول على تلك الطائرات التركية الثمينة، وهو تعاون وصفته "جون أفريك" بأنه "مثير للدهشة"، مذكّرةً بأن العلاقات بين تركيا من جهة، ومحور السعودية الإمارات من جهة أخرى، اتّسمت بتوترات قوية منذ الربيع العربي عام 2011.
فبينما دعمت أنقرة الأحزاب المرتبطة بالإخوان المسلمين في تونس ومصر، واعتبرتها فرصة للترويج لإسلام سياسي من شأنه أن ينجذب حول فلكها، اعتبرت الرياض وأبوظبي ذلك تهديدا للاستقرار الإقليمي الخاضع لهيمنة كل منهما.
ومن ناحية أخرى، اتفقت الدول الثلاث في سوريا على الحاجة إلى إسقاط نظام "الأسد" وعلى استراتيجية محاربة تنظيم "الدولة"، لكن مناخ عدم الثقة ازداد خلال الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات على قطر في شهر يونيو/حزيران 2017. حيث سارعت أنقرة لدعم الدوحة، التي تتشارك معها رؤية مشتركة للمنطقة؛ ونشرت قواتها في قاعدة عسكرية تركية في قطر، ما عزز فكرة أن أنقرة تمثل تهديدا في نظر المحور الإماراتي السعودي.
لكن تطور السياق الإقليمي انتهى بخلق أرضية مواتية للتطبيع بين الدول الثلاثة، خاصة بعد فك الارتباط الأمريكي عن الشرق الأوسط، والذي تجسد في عدم رد فعل الولايات المتحدة على الهجمات التي تبناها المتمردون الحوثيون في اليمن والذين تدعهم إيران منذ عام 2019.
وتنقل المجلة الفرنسية عن "إيما سوبرييه"، الباحثة المشاركة في جامعتي "كوت دازور" و"تافتس" قولها: "لقد تم دمج رقعة الشطرنج الإقليمية الجديدة في فترة ما بعد الربيع العربي، حيث قلّت أهمية وفعالية الاستمرار في معارضة هذه الدول لبعضها البعض. لقد دفعوا بيادقهم قليلاً أينما أرادوا وأينما استطاعوا. وأدركوا أيضا على نطاق واسع عدم كفاءة البقاء في ديناميكية لعبة محصلتها صفر".
ويندرج التعاون العسكري بين الإمارات وتركيا في هذا الإطار، وهو ما يتوافق مع الرغبة الإماراتية في تنويع إمداداتها العسكرية، ويوضح جزئيا موقف "عدم الانحياز"، الذي تتبناه أبوظبي الآن. لكنه يوضح أيضا التصور السائد بين الأتراك والإماراتيين بأن إيران تشكل تهديدا للمنطقة.
هذا الاعتراف جديد نسبيا بالنسبة للإمارات التي على عكس السعودية، لم تتعرض لهجمات الجماعات المدعومة من إيران على أراضيها قبل بداية عام 2022. وفي هذا العام، أدى هجوم بطائرة مسيرة وصواريخ على مطار ومنشأة في أبوظبي إلى مقتل 3 أشخاص.
بعد ذلك بأسبوع، تم اعتراض صواريخ باليستية في أجواء العاصمة الإماراتية. وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجومين. وفي 2 فبراير/شباط الماضي، تم اعتراض 3 طائرات بدون طيار وتحييدها في المجال الجوي للإمارات.
وهنا تشير المجلة الفرنسية إلى أن تركيا وإيران بينهما تنافس على الأراضي السورية والعراقية، لا سيما من خلال القتال بين القوات التركية والميليشيات الشيعية المدعومة من طهران في إدلب، شمالي سوريا عام 2020.
ولذا أعرب الأمين العام للحركة الشيعية العراقية "عصائب أهل الحق"، المدعومة من إيران، عن معارضته لقوات النظام التركي المتواجدة في شمال العراق، ووعد بالرد عليها.
وفي هذا السياق، أشارت "جون أفريك" إلى ما كتبه "جورج كليمنتز" و"رودولف الشامي"، في مذكرة من مؤسسة البحوث الاستراتيجية (FRS) نشرت في مايو/أيار 2022: "من المصلحة المشتركة لدول الخليج وتركيا تعزيز تعاونهما لأن المفاوضات بشأن الاتفاقية النووية بين الولايات المتحدة وإيران قد لا تكون في صالحها".
ثمة أولوية أخرى مرتبطة بهذا النظام الإقليمي الجديد، هي الحاجة إلى تعزيز الاقتصاد، حيث تستعد السعودية لحقبة ما بعد النفط من خلال برنامج التنويع الاقتصادي "رؤية 2030".
ولجذب الاستثمار الأجنبي، لا سيما الصيني والأمريكي، يحتاج النظام السعودي إلى سياق ملائم، وبالتالي علاقات مريحة مع هذا الوزن الثقيل الآخر في منطقة تركيا.
أما الاقتصاد الإماراتي فقد عانى بشدة من آثار جائحة كورونا، بالإضافة إلى انهيار أسعار النفط، ولذا تراهن أبوظبي وأنقرة على صناعة الدفاع في تحولها الاقتصادي، وفي استراتيجيتها للتأثير الإقليمي لترسيخ محور شرق أوسطي للصناعة الدفاعية الذي يمثل قطبًا ناشئًا ومنافسًا لاثنين من كبار المصدرين مثل الولايات المتحدة، حسب ما تراه "إيما سوبرييه".
ومن جانبها، تبحث تركيا عن أدنى فرصة اقتصادية للتعامل مع أزمتها لاقتصادية، فقدت الليرة التركية 28% من قيمتها في عام واحد، وبلغ التضخم السنوي 84,39%، بحسب معهد الإحصاء التركي.
وبالتالي، فإن مليارات الدولارات من أموال المساعدات الخليجية هي نعمة لـ "رجب طيب أردوغان"، خاصة أنه سيسعى إلى فترة رئاسية ثالثة في غضون 6 أشهر.