طه العاني - الخليج أونلاين-
تواصل السعودية خططها الرامية إلى تطوير مشروع صناعة الطائرات المسيّرة محلياً بهدف تعزيز الاستقلالية الاستراتيجية ورفع الجاهزية العسكرية للمنظومة الدفاعية بالمملكة.
وكشفت المملكة، خلال العام الماضي، عن أنها تخطط لاستثمار أكثر من 20 مليار دولار في صناعتها العسكرية خلال العقد القادم، في إطار رؤيتها الهادفة إلى تطوير الصناعة العسكرية.
وتتركز جهود الصناعات العسكرية السعودية على أنظمة الطائرات المسيّرة لتحقيق الاعتماد الذاتي في هذا المجال، وتقليل الاعتماد على التسليح الخارجي.
شراكة تركية
وفي هذا السياق كشف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، عن تلقي بلاده عرضاً من السعودية لإنتاج الطائرات المسيرة بشكل مشترك.
ونقلت وكالة "الأناضول" عن تشاووش أوغلو، في 29 ديسمبر 2022، قوله: إن "علاقات التعاون مع السعودية تتطور في عدد من المجالات، ومن ضمنها مجال الصناعات الدفاعية"، موضحاً أن تطبيع العلاقات معها جرى بسرعة.
جاء هذا رداً على سؤال صحفي بخصوص تطبيع العلاقات مع السعودية، بالعاصمة أنقرة، خلال "اجتماع تقييم نهاية العام"، الذي يتضمن فعاليات وزارة الخارجية التركية.
وتابع الوزير التركي: "ليس من الصواب أن نعزو تعاوناً في الصناعات الدفاعية إلى منتج ما، وحتى في هذا الصدد فقد جاء عرض الإنتاج المشترك للمسيرات من الجانب السعودي".
وأضاف تشاووش أوغلو أنه "في الآونة الأخيرة على وجه الخصوص، هناك المزيد من التصميم من الجانب السعودي على التعاون الوثيق مع تركيا، ونحن نرحب بذلك".
وتأتي تصريحات المسؤول التركي بعد أيام من زيارة أجراها مساعد وزير الدفاع السعودي المهندس طلال بن عبد الله العتيبي، إلى تركيا، على رأس وفد رفيع المستوى، والتقى خلالها بوزير الدفاع التركي خلوصي أكار، لبحث أهمية التعاون الدفاعي بين البلدين في جميع المجالات، وتفعيل الاتفاقيات الموقعة بينهما في هذا المجال، وتعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة ويدعم أمن واستقرار المنطقة.
وذكرت وكالة الأنباء السعودية، في 25 ديسمبر، أن مساعد وزير الدفاع السعودي زار رئاسة الصناعات الدفاعية التركية والتقى رئيسها إسماعيل دمير، وجرى خلال اللقاء بحث سبل تعزيز التعاون في مجال الصناعات العسكرية وتطوير البحث العلمي، كما زار عدداً من الشركات التابعة لوزارة الدفاع التركية اطلع خلالها على منتجاتها.
مسيّرات سعودية
وتعمل الرياض على تكثيف جهودها لتسريع تطوير منتجاتها العسكرية وأنظمتها التقنية الحديثة، حيث كشف وليد أبو خالد، الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات العسكرية، عن أن المملكة تعمل على تصنيع طائرات مسيرة محلياً، وذلك مع ازدياد أهميتها في الوقت الراهن.
وبيّن أبو خالد -خلال كلمته بمنتدى الميزانية السعودية 2023 الذي نظمته وزارة المالية بالرياض- أن الأنظمة غير المأهولة هي مستقبل الصناعات العسكرية، ومنها الطائرات والمركبات المسيرة.
ويؤكد المسؤول السعودي أن المملكة تركز على تطوير أجهزة الاستشعار ومنظومات الرادارات ومواكبة أحدث تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني.
من جانبه قال محافظ الهيئة العامة للصناعات العسكرية في السعودية، أحمد العوهلي، خلال كلمته في المنتدى، إن المملكة أنفقت خلال العامين الماضيين نحو 5.1 مليارات ريال (1.4 مليار دولار) لتحفيز الصناعة العسكرية المحلية.
وكانت قناة "الإخبارية" السعودية نقلت، في 6 مارس الماضي، عن الرئيس التنفيذي للشركة السعودية للصناعات العسكرية، قوله إن الشركة تعتزم إنتاج طائرة مسيرة سعودية الصنع.
ويرى الخبير العسكري هشام خريسات أن الرياض تهدف لتوطين مجال الصناعات العسكرية وجعله رافداً مهماً للاقتصاد، حيث وقعت شركة أنظمة الاتصالات والإلكترونيات المتقدمة (ACES) اتفاقية استراتيجية مع شركة عالمية لنقل المعرفة في تصنيع أنظمة حمولات الطائرات بدون طيار محلياً في السعودية.
ويبين في حديثه مع "الخليج أونلاين" أن الاتفاقية واستراتيجية الشركة تتواءم مع مستهدفات رؤية 2030، حيث توطن السعودية مجال الصناعات العسكرية، وجعلته رافداً مهماً للاقتصاد، وساهم نقل التقنية ودعم المستثمر المحلي في توفير فرص العمل في هذا القطاع الواعد، وتعظيم إسهام القطاع في الاقتصاد الوطني.
ويتابع خريسات بالقول: "وقعت السعودية اتفاقية جديدة مع مجموعة تكنولوجيا الإلكترونيات الصينية (CETC)، والتي ستساعد في إنشاء مركز للبحث والتطوير لأنواع مختلفة من أنظمة حمولة الطائرات بدون طيار، بما في ذلك وحدات الاتصالات ووحدات التحكم في الطيران وأنظمة الكاميرات وأنظمة الرادار وأنظمة الكشف اللاسلكي".
حارس الأجواء
وأطلقت السعودية، في نوفمبر 2021، مشروع تطوير طائرة مسيرة تحمل اسم "حارس الأجواء"؛ لرفع جاهزية المنظومة العسكرية بالمملكة.
واتفقت الهيئة العامة للصناعات العسكرية، بالتعاون مع الشركة السعودية للصناعات العسكرية، على بدء العمل على تطوير قدرات الطائرة بدون طيار.
وتتميز الطائرة الجديدة بمواصفات متقدمة، وهي مزودة بأنظمة ملاحة وتحكم آلي بالطيران، وفيها كاميرات عالية الدقة وأنظمة إقلاع وهبوط آلي، وسيجري تطوير أنظمة اتصالات ونقل بيانات لها، وفق الهيئة السعودية.
وبحسب الشركة السعودية للصناعات العسكرية، فإن "حارس الأجواء" تصنّف ضمن طراز "طائرة بدون طيار تكتيكية متوسطة الحجم ومتعددة المهام".
وتعد "حارس الأجواء" إحدى نتائج مشاريع البحث والتطوير المتعددة في مركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية، وسيعمل المركز على تطويرها بما يتوافق مع متطلبات الجهات المستفيدة.
ورغم مواصفاتها المتنوعة لكن "حارس الأجواء" تبقى في بداية مشوارها، وأمامها طريق طويل لمواكبة التقنيات العالمية في هذا المجال.
ويلفت اللواء الطيار الركن الدكتور علوان حسون العبوسي إلى أنه بالنظر للدور المهم للطائرات المسيرة بدون طيار، دأبت المملكة، وفقاً لمبدئ التعاون السعودي التركي، على إجراءات السعي للمشاركة مع تركيا لإنتاج هذه الطائرات.
ويبين في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن السعودية تمتلك النسخة القديمة من الطائرة المخصصة لأغراض الاستطلاع فقط، لكن بدأت حديثاً شركة الصناعات الدفاعية السعودية بإنتاج النسخة الجديدة من الطائرة بالتعاون مع الشركة التركية الأم تحت اسم "هابوب"، على أن تكون طائرة مسيرة استطلاعية وهجومية.
ويشير العبوسي إلى أن الإنتاج المشترك للنسخة السعودية من الطائرة التركية بدأ فعلياً بداية العام الجاري، على أن يتم إنتاج قرابة 40 خلال السنوات الخمس المقبلة، كما تم الاتفاق على تزويدها بصواريخ تركية موجهة متطورة من طراز (MAM-L)، وهي نفس الصواريخ التي تصنعها شركة (روكيتسان) وتستخدمها طائرات بيرقدار.
ويستدرك: "شهدت الأشهر الماضية مؤشرات على احتمال حصول تقارب بين أنقرة والرياض، وتزايدت هذه المؤشرات في الأسابيع الأخيرة مع التصريحات التركية التصالحية مع مصر ودول الخليج بشكل عام".
وينهي العبوسي حديثه بالقول إن حصول تقدم في العلاقات بين البلدين لا يعني على الإطلاق مشاركة تركيا بشكل مباشر في حرب اليمن أو بيع طائرات "بيرقدار" بسهولة للمملكة لاستخدامها في حرب اليمن التي تحمل في طياتها تعقيدات كبيرة تتعلق بالمأساة الإنسانية.
بيرقدار التركية
وتعد الطائرات المسيّرة التركية ضمن أقوى المسيّرات في العالم، حيث تزايد الطلب الدولي على شراء الطائرات المسيّرة التي تنتجها شركة "بايكار" التركية، وخاصة طائرة (بيرقدار) التي حققت نتائج مؤثرة في مناطق الصراع خاصة في أوكرانيا وأذربيجان.
ونقلت وكالة "رويترز"، في 21 سبتمبر الماضي، عن مسؤول تركي لم يكشف عن اسمه، أن بلاده سلمت بعض الطائرات المسيرة للإمارات، وأن السعودية ترغب أيضاً في شراء طائرات مسيرة مسلحة وإنشاء مصنع لإنتاجها.
وبيّن المسؤول التركي أن "بايكار" تدرس الطلب السعودي لإنشاء مصنع، لكنه أوضح أن القرار الاستراتيجي يعود للرئيس رجب طيب أردوغان، وأن الموافقة التركية تتوقف على قضايا أخرى من ضمنها تسريع الاستثمارات السعودية في تركيا.
وحول أسباب سعي السعودية والإمارات للاستفادة من خبرات تركيا بمجال المسيّرات، رجّح مصدر عسكري غربي لـ"رويترز" أن أداء الطائرات التركية أفضل من الطائرات المسيرة الصينية أو الإيرانية التي نشرتها روسيا في أوكرانيا.
وقال المصدر إن طرازي الطائرات الإيرانية المسيرة (شاهد ومهاجر)، "يتسمان ببعض خصائص تي.بي 2، لكن دون السرعة والدقة" التي تتسم بها هذه الطائرات التركية.
وأعرب عن اعتقاده بأن السعوديين والإماراتيين لديهم الرغبة في القضاء على فعالية الطائرات الإيرانية المسيرة، وتحقيق نتائج مؤثرة في اليمن.