يوسف حمود - الخليج أونلاين-
لم تمنع الأزمة السياسية السابقة بين تركيا ودول خليجية من أن تقف الأخيرة إلى جانب أنقرة في أحداث وكوارث مأساوية جديدة، فقد كانت ضمن أوائل الدول التي قدمت المساعدات المختلفة لتركيا في سبيل الحد من الآثار السلبية لتلك الأحداث.
وخلال السنوات الماضية، عاشت تركيا موجة من الكوارث الطبيعية، تمثلت في الفيضانات والحرائق وصولاً إلى الزلازل التي ضربت عدة مدن، مخلفة ضحايا وخسائر مادية كبيرة.
وكعادتها، تسارع دول مجلس التعاون لمساعدة معظم الدول التي تعيش الأحداث المأساوية، وكانت تركيا إحدى هذه الدول التي مرت بأحداث مختلفة، فكيف كتب الخليج تاريخاً في وقوفه إلى جانبها؟
تفاعل سريع مع زلزال 2023
كانت تركيا على موعدٍ مع زلزال مدمر ضرب المدن الجنوبية في البلاد، في الـ6 من فبراير 2023، بقوة 7.7 درجات على مقياس ريختر، ما أسفر عن مقتل 1121 شخصاً وإصابة أكثر من 7000 آخرين، وأدت لانهيار 2824 مبنى.
وسارعت دول الخليج إلى تعزية تركيا في الحدث المأساوي، حيث أجرى أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني اتصالاً هاتفياً مع الرئيس رجب طيب أردوغان، أعرب خلاله عن تعازيه ومواساته له وللشعب التركي في ضحايا الزلزال.
كما أعربت السفارة القطرية في أنقرة عن "تعازي الدوحة للحكومة التركية والشعب التركي الشقيق في ضحايا الزلزال"، متمنية للمصابين والجرحى الشفاء العاجل.
وبعث سلطان عُمان هيثم بن طارق ببرقيتي تعزية للرئيس التركي ورئيس النظام السوري بشار الأسد في ضحايا الزلزال الذي ضرب مناطق مختلفة في البلدين.
وقدمت الخارجية العُمانية تعازيها للبلدين، وأعربت عن تضامنها معهما في هذه الأزمة، وأكد عدم وجود وفيات أو مصابين بين العُمانيين الموجودين في البلدين.
وفي السياق قالت الخارجية السعودية إنها تتابع مجريات الحادث من كثب، وأعربت عن تعازيها وتضامنها مع الأشقاء في البلدين، وقدمت تعازيها في الضحايا، وتمنياتها للمصابين بالشفاء.
وأجرى الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اتصالين هاتفيين مع نظيره التركي والسوري، متضامناً مع بلديهما إثر الزلزال الذي شهده البلدان.
وبعث أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد، وولي عهده الشيخ مشعل الأحمد، برقيتي تعزية للرئيس التركي بضحايا الزلزال الذي ضرب ولاية كهرمان مرعش جنوب تركيا.
كما أمر ولي العهد الكويتي بإيقاف الاحتفالية المصاحبة لنهائي كأس ولي العهد؛ تضامناً مع تركيا وسوريا وشعبيهما إثر الزلزال المدمر.
وفي البحرين بعث الملك حمد بن عيسى آل خليفة برقيتي تعزية ومواساة إلى أردوغان والأسد، معرباً فيهما عن خالص تعازيه وصادق مواساته.
جسر جوي إغاثي
قطر، وبتوجيهات من الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أطلقت أولى رحلات الجسر الجوي الذي خصصته لدعم تركيا ومواجهة كارثة الزلزال، بحسب وكالة الأنباء القطرية (قنا).
ويرافق أولى رحلات الجسر الجوي فريق من مجموعة البحث والإنقاذ القطرية الدولية التابعة لقوة الأمن الداخلي (لخويا)، مجهز بآليات متخصصة بعمليات البحث والإنقاذ، إضافة إلى مستشفى ميداني ومساعدات إغاثية وخيم ومستلزمات شتوية.
من جهتها أعلنت جمعية "قطر الخيرية" إطلاق حملة لإغاثة ضحايا الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا.
وقالت الجمعية القطرية، في بيان، إنها ستبذل أقصى جهودها الإغاثية والطبية الميدانية في جنوب تركيا والشمال السوري، وأطلقت على الحملة شعار "أغيثوا متضرري الزلزال" في تركيا وسوريا.
ودعت للمساهمة في إغاثة مئات الأسر المنكوبة، عبر توفير احتياجاتها الضرورية، "لنحول دون تفاقم الوضع على المتضررين".
من جهته أمر رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، بإنشاء مستشفى ميداني وإرسال فريقي بحث وإنقاذ، إضافة إلى إمدادات إغاثية عاجلة إلى المتأثرين من الزلزال في كل من تركيا وسوريا، بحسب وكالة أنباء الإمارات (وام).
من جانبها أعلنت جمعية الهلال الأحمر الكويتي تقديم مساعدات عاجلة للمتضررين جراء زلزال تركيا وسوريا.
وقالت الأمينة العامة للجمعية مها البرجس، في بيان، إن الجمعية تواصلت مع جمعية الهلال الأحمر التركي والمنظمات الإنسانية الأخرى للوقوف والاطلاع على الاحتياجات الملحة للمتضررين في المناطق التي أصابها الزلزال.
تضامن خليجي سابق
لعل الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وتسبب بسقوط أكثر من 1000 قتيل، وآلاف الجرحى، قد أعاد الذاكرة إلى أحداث مختلفة عاشتها البلاد، خلال السنوات القليلة الماضية، كان من بينها حرائق الغابات التي امتدت من يوليو وحتى أغسطس عام 2021.
يومها سارعت ثلاث دول خليجية إلى إرسال مساعدات لتركيا، حيث توجه فريق قطري من مجموعة البحث والإنقاذ القطرية الدولية التابعة لقوة الأمن الداخلي "لخويا" إلى مدن تركية للمشاركة في عمليات البحث والإنقاذ.
كما أهدت الكويت 6 سيارات إطفاء بمعداتها كاملة لتركيا، وأرسلت فريقاً مؤلفاً من 45 شخصاً للمساهمة في جهود إخماد الحرائق.
أما الإمارات فقد أعلنت تقديم 36.7 مليون درهم (10 ملايين دولار) للمساهمة في إعادة تأهيل المناطق التركية التي تضررت من حرائق الغابات، إضافة إلى الفيضانات التي شهدتها مدن تركية، في أغسطس من ذلك العام.
مساعدات سعودية
وعلى الرغم من الأزمة الخليجية التي كانت تركيا طرفاً فيها فإن ذلك لم يمنع السعودية من تقديم المساعدات لأنقرة.
وتمثل هذا الأمر بمسارعة السعودية، في نوفمبر 2020، بإرسال مساعدات في أعقاب الزلزال الذي ضرب مدينة إزمير التركية.
ويومها أمر ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز بإرسال "المساعدات الطبية والإنسانية والإيوائية العاجلة للمتضررين من الأشقاء في تركيا جراء الزلزال الذي ضرب بحر إيجة"، والذي أدى لمقتل 114 شخصاً وجرح المئات.
العمل الإنساني أولاً
يرى المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو أن الأخوة والصداقة موجودة ومستمرة بين تركيا والدول الخليجية والعربية مهما كانت الأحداث.
ويوضح لـ"الخليج أونلاين" أن المساعدات الخليجية التي قدمت لتركيا، خلال الأحداث المأساوية، "هي إنسانية بالدرجة الأولى، فيما تتنحى الخلافات السياسية جانباً".
وأضاف: "لا يتعلق الأمر فقط بدول الخليج في هذا الأمر، حتى من لديها خلافات مباشرة مع تركيا كاليونان وبلغاريا أو السويد وغيرها ستسارع في تقديم المساعدات؛ لأن الأمر بعيد عن السياسة، كما حدث عند تقديمها للمساعدات خلال الحرائق التي شهدتها تركيا".
وتابع: "هذا أمر جيد، وهذه كارثة ستجمع الأشقاء والأصدقاء؛ لأن العمل الإنساني هو عمل الجميع"، لافتاً إلى أن دول الخليج "ستكون من أوائل من ستقدم تلك المساعدات؛ لما لها من شهرة في العمل الإنساني في كل دول العالم".
التقارب الخليجي التركي
ولم تكن المساعدات هي وحدها التي عبرت عن وقوف الدول الخليجية إلى جانب تركيا، فسرعان ما تخرج بيانات من الدول الخليجية المتضامنة معها، والتي تعزي في ضحايا الأحداث، وكان آخرها الانفجار الذي وقع في ميدان تقسيم، في نوفمبر 2022، حيث اعتبرت دول الخليج العمل "إرهابياً يحاول زعزعة أمن واستقرار تركيا".
وخلال العام الماضي 2022، شهدت العلاقات التركية الخليجية تطوراً ملحوظاً، حيث تحولت الأنظار مجدداً إلى العلاقات التركية الخليجية بعد لقاءات وزيارات بين الجانبين.
وإلى جانب العلاقات التركية الثابتة والمستقرة مع الكويت وعُمان، عززت أنقرة تحالفها الاستراتيجي مع قطر، كما نجحت في تحقيق اختراق كبير في العلاقات مع الإمارات، وإحراز تقدم ملحوظ في العلاقات مع البحرين.
وبُذلت مساعٍ كبيرة من أنقرة والرياض لتحسين العلاقات بينهما، خصوصاً أن السعودية تعد أكبر دول الخليج، وتمكنت من رفع مستوى التقارب بينهما بشكل كبير بعد أكبر أزمة عاشها البلدين مؤخراً.