كامل جميل - الخليج أونلاين-
يبدو أن تركيا تبدي ارتياحاً كبيراً بتولي دول الخليج أعمالاً استثمارية وإدارية لموانئها؛ وهو ما يشير إلى امتلاك دول الخليج خبرة كبيرة في إدارة وتشغيل الموانئ جعلها تنافس كبريات الدول والشركات العالمية العاملة في هذا المجال.
وتدرك دول الخليج جيداً أهمية الموانئ في السيطرة على عمليات التجارة العالمية، لا سيما أن الموانئ تسيطر على ما نسبته أكثر من 80% من عمليات النقل، الذي يمثل النقل البحري.
وباتت السيطرة على الموانئ والطرق التجارية تمثل مؤشراً يرتبط ارتباطاً طردياً مع ازدياد قوة الدولة، وذلك ما تعلمه جيداً دول الخليج التي تتوجه اليوم بقوة للاستثمار في الموانئ العالمية.
حصة الأسد
إضافة إلى خبرة كبيرة تمتلكها في الموانئ، تعتبر دولة قطر صاحبة حصة الأسد في مشاريع الموانئ التركية.
وتستحوذ شركة "كيوتيرمنلز" القطرية على ميناء "أكدينيز" التركي، منذ أكتوبر 2020، مقابل 140 مليون دولار.
وفي أبريل 2023، أعلنت الشركة القطرية نجاحها في تمديد اتفاقية استحواذها على "كيوتيرمنلز أنطاليا" لإدارة عمليات ميناء "أكدينيز".
وجرى الاتفاق على تمديد الاستحواذ على "كيوتيرمنلز أنطاليا"، الذي انضم إلى مجموعة كيوتيرمنلز في 2020، لمدة 19 عاماً حتى عام 2047.
وميناء "أكدينيز"، الواقع في أقصى الطرف الغربي من أنطاليا، هو ميناء متعدد الأغراض، يتضمن محطة للرحلات البحرية ومحطة للحاويات والبضائع السائبة والبضائع العامة ومحطة شحن.
ويرتبط الميناء بمناطق أنطاليا النائية من خلال طرق سريعة عالية الجودة تصل إلى المراكز الرئيسية للسياحة والصناعة والتجارة؛ مثل ألانيا ومرسين وقونيا وأكشهير وأفيون وبوردور ودنيزلي.
ويغطي الميناء مساحة إجمالية تبلغ 166 ألف متر مربع، وهو أكبر ميناء وأفضل تجهيزاً على طول 700 كيلومتر من ساحل بحر إيجه (البحر المتوسط) التركي، الذي يمتد من إزمير في الغرب، إلى مرسين في الشرق.
ويمكن للميناء التعامل مع 5 ملايين طن من البضائع السائبة والعامة، و500 ألف حاوية نمطية سنوياً، كما يحتوي على مرفق تخزين داخلي بمساحة 1260 متراً مربعاً لخدمة التخزين المؤقت.
ويضم الميناء أيضاً حاجز أمواج رئيسياً بطول 1600 متر، وحاجز أمواج جانبياً بطول 650 متراً، إلى جانب 8 أرصفة نشطة، يتراوح طولها بين 140 متراً و290 متراً.
استثمار عُماني
سلطنة عُمان، ومنذ ديسمبر 2021، دخلت في سباق الاستثمار بالموانئ التركية، حيث ضاعف صندوق الاحتياطي العام العُماني (جهاز الاستثمار العماني حالياً) حصته إلى 70% في ميناء "كومبورت"، الذي يعد ثالث أكبر موانئ الحاويات التركية.
وكان الصندوق أعلن، في وقت سابق، أنه سيحتفظ بحصته التي كانت تبلغ 35% في الميناء الواقع على مضيق البوسفور، الذي يمكنه مناولة أكثر من 1.2 مليون حاوية سنوياً.
يعود تاريخ استثمار الصندوق العُماني في ميناء "كومبورت" إلى عام 2011، عندما استحوذ على 35% من أسهم الميناء.
ويعد هذا الاستثمار الطويل الأمد ترجمة للاستراتيجية التي ينتهجها الصندوق في استثماراته، التي يعد قطاع الموانئ والخدمات اللوجستية أحد ركائزها الرئيسية.
وبحسب وكالة الأنباء العمانية قال عبد السلام المرشدي، الرئيس التنفيذي للصندوق، إن الاستثمار في ميناء "كومبورت" يعد أحد أنجح استثمارات السلطنة في تركيا.
وأضاف المرشدي أن الصندوق حقق عوائد جيدة من الميناء، خلال السنوات الماضية، مشيراً إلى أن التعاون الجديد سيمنح الميناء قيمة مضافة، وسيضاعف عمليات التشغيل؛ لأنه سيضعه على خريطة طريق الحرير الصيني.
عين تركيا على الخليج
تركيا يتضح من تحركها الأخير بإبداء الرغبة باستثمار خليجي لأحد أبرز موانئها أن للخليج خبرة واسعة في إنجاح الموانئ.
ذلك ما تبين من خلال ما كشف عنه وزير النقل والبنية التحتية التركي عبد القادر أورال أوغلو، بوجود مفاوضات بين تركيا ودول الخليج لبيع حقوق تشغيل ميناء ألسنجاك الواقع بمدينة إزمير المطلة على بحر إيجه.
وبحسب ما ذكرته وكالة "بلومبيرغ" الأمريكية، يوم 5 يوليو 2023، قال أورال أوغلو: "توجد محادثات استثمارية مع دول بمنطقة الخليج، وميناء ألسنجاك أيضاً يقع ضمن نطاق هذه الاستثمارات".
وتدير الميناء المملوك لصندوق الثروة السيادية التركي "TWF" شركة السكك الحديدية الوطنية التركية "TCDD".
ويمكن لميناء ألسنجاك معالجة ما يصل إلى 1.2 مليون وحدة مكافئة لـ20 قدماً من حاويات الشحن، و1.4 مليون طن من البضائع الجافة العامة والسائبة سنوياً، وفقاً لبيانات شركة السكك الحديدية الوطنية التركية.
تمدد عالمي
يقول المحلل الاقتصادي حسام عايش لـ"الخليج أونلاين" إن هناك نوعاً من التنافس الخليجي على التعاون مع تركيا، خاصة مع تحسن العلاقات بين تركيا وكل من السعودية والإمارات، والزيارات المتبادلة لقاداتها، يضاف إلى ذلك العلاقات الجيدة التي تربط تركيا مع بقية دول الخليج.
ويرى عايش أن الدول الخليجية تستشعر مكانة تركيا باعتبارها من أكبر الاقتصاديات في العالم، إضافة إلى موقعها الوسيط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا والعالم العربي والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كل ذلك، وفق عايش، يعتبر "مغرياً لإقامة سلاسل إمداد بحري وحتى سككي كما هو بين العراق وتركيا"، مشيراً إلى أن "إقامة علاقات تجارية بين دول خليجية وتركيا تعني تطوير العلاقات البحرية بين هذه الدول".
كما يعتبر تحسن العلاقة الخليجية مع تركيا وسيلة للتمدد إلى دول العالم التركي في آسيا الوسطى.
ويضيف: "الموانئ التركية توفر فرصاً متعددة بالنسبة لدول الخليج، منها توسع حضورها العالمي"، لافتاً إلى أنه "بحضورها في الموانئ التركية تغطي دولاً عديدة في أوروبا وأفريقيا وآسيا".
يتطرق عايش إلى ما سينتج عن الحرب الروسية الأوكرانية موضحاً: "لا شك أن العلاقة مع تركيا تساعد على استثمار النتائج الاقتصادية التي ستسفر عن توقف الحرب أو الوصول لنتيجة ما، ومن ثم الاستعداد لمرحلة جديدة"، مؤكداً أن الوجود في تركيا أو الاستثمار فيها سيكون ممراً رئيسياً للوصول إلى الإعمار في أوكرانيا.
يقول المحلل الاقتصادي: إن "العالم تعلم من كورونا والحرب الروسية الأوكرانية أهمية تقصير سلاسل الإمداد، أو أن تكون سلاسل الإمداد أكثر سهولة ولا تكون طويلة لكيلا تتعرض لمعوقات، وتركيا تؤدي دوراً مهماً لكونها تتوسط العديد من الشركاء التجاريين".
ويعتبر أن "المنطقة مقبلة على تغيرات كبيرة، والنقل البحري يعتبر عموداً من أعمدة الأنشطة التجارية والاقتصادية في العالم، ودول الخليج تملك المال والخبرة في إدارة الموانئ".
من جانب آخر يرى عايش أن الانتخابات التركية الأخيرة أعطت انطباعاً أن تركيا مستقرة سياسياً واجتماعياً، فضلاً عن وجود اطمئنان بعدم تعرض تركيا لعقوبات اقتصادية تؤثر على الاستثمار فيها، لافتاً إلى أهمية منطقة شرق المتوسط لغناها بالنفط والغاز، ويمكن أن تستثمر دول الخليج في هذه الثروة، وفق المتحدث.