عدنان عبد الرزاق- العربي الجديد-
تتسق آمال الاقتصاد التركي مع سياسة الحكومة الجديدة التي أعادت الشأن الاقتصادي إلى النهج التقليدي، من خلال رفع سعر الفائدة وفرض الضرائب ورفع نسبها، والتعويل على الاستثمارات الخارجية بعد تقليل الإنفاق الحكومي، لتكون بلدان الخليج العربي، أولى الدول المستهدفة بجذب الاستثمارات وزيادة التجارة، بعد أن أسس وزير المالية والخزانة محمد شيمشك ونائب الرئيس التركي جودت يلماظ، لزيارة الرئيس رجب طيب أردوغان ومهّدا، بحسب التصريحات، لتوقيع اتفاقات جديدة مع الإمارات خلال زيارة الوفد التركي الأسبوع الماضي ولقائه رئيس الدولة، محمد بن زايد آل نهيان، ومع الدوحة أول من أمس الأحد ولقاء الأمير تميم بن حمد آل ثاني.
السعودية على الجدول
تأتي زيارة الرئيس التركي والوفد المرافق، المقررة إلى السعودية في 17 الشهر الجاري، في بداية للجولة الخليجية التي يرى فيها المحلل التركي علاء الدين شنكولر "الثقل الخليجي المالي والسياسي".
ويقول المحلل لـ"العربي الجديد" إن استعادة "العلاقات الطيبة مع السعودية" هدف استراتيجي لبلاده، بعد الهزات التي شابتها وبمقدمتها قتل الإعلامي جمال خاشقجي في أكتوبر/تشرين الأول 2018، مشيراً إلى السعي المستمر من أنقرة، لزيادة عمق العلاقات والتجارة البينية وجذب الاستثمارات السعودية.
من جهته، يرى المستثمر مصطفى محمد صالح من مدينة جدة السعودية، أن المناخ التركي مغر للمستثمرين السعوديين، مبيناً خلال اتصال مع "العربي الجديد" أن للسلع والمنتجات التركية حظوة بأسواق المملكة، وكثير من رجال الأعمال، يتطلعون إلى توطيد العلاقات ليزيدوا من أعمالهم في تركيا، مشيراً إلى وجود أكثر من 200 شركة تركية في المملكة "متميزة بالصناعات الغذائية والعقارات".
ويضيف المستثمر في القطاع الزراعي التركي أن نهج أنقرة الجديد تجاه المنطقة العربية، يمكن أن يشكل تكتلاً مهماً، نظراً لحجم الأموال وسوق الاستهلاك الكبير، خاصة بعد تحسن العلاقات بين تركيا ومصر والزيارة المتوقعة للرئيس، عبد الفتاح السيسي إلى أنقرة نهاية الشهر الجاري.
وشهدت العلاقات الاقتصادية بين أنقرة والرياض انفراجات متتالية بعد الحظر والعقبات خلال أعوام 2019 و2020، ما أوصل حجم التبادل التجاري العام الماضي إلى أكثر من 5 مليارات دولار متنامياً عن عام 2021 الذي لم تزد قيمة التبادل فيه على 3.7 مليارات دولار، في حين تذهب الآمال التركية لبلوغ حجم التبادل 10 مليارات دولار خلال فترة قصيرة ومن ثم إلى 30 مليارا على ضوء خطة السعودية 2030، وفق ما يقول المحلل التركي شنكولر لـ"العربي الجديد".
العودة إلى الإمارات
وفي ما يتعلق بأهداف تركيا من التقارب الأخير مع دول الخليج، يقول المحلل التركي إسلام أوزكان إن بلاده تحضر لجذب الاستثمارات الخليجية، خاصة بقطاعات الزراعة والدفاع والطاقة، فضلاً عن العقارات، مستهدفة 100 مليار دولار خلال العام الجاري، متوقعاً أن تتهافت الاستثمارات الكبرى من دولة الإمارات التي تشهد علاقاتها مع بلاده، تطورات متسارعة بعد قطيعة دامت سنوات.
ويتوقع أوزكان في تصريح لـ"العربي الجديد" أن يدخل الاستثمار الإماراتي قطاعات الدفاع والصناعة والمرافئ التركية، إذ "ربما تطرح تركيا ميناء آل سانجام المطل على بحر إيجة بإزمير للتشغيل أمام الإماراتيين"، لأن الحكومة الجديدة، برأيه، وضعت خطة للنمو المستدام تعتمد على الاستثمارات والصادرات والسياحة، في سبيل تقليص العجز المالي وتحقيق الرفاه وتحسين نسب التضخم وسعر الليرة.
وحول ما يقال عن جذب تركيا استثمارات خليجية بقيمة 10 مليارات دولار "فوراً" واستهداف 100 مليار دولار، يلفت أوزكان أن ذلك مرتبط بالفرص المتاحة في تركيا والمناخ الجاذب والتسهيلات، وإن كان لقرارات القادة بكلا البلدين الدور الأهم في توجيه الرساميل ودعم قراراتها.
وكان الوفد الحكومي التركي برئاسة نائب الرئيس جودت يلماظ ووزير الخزانة والمالية محمد شيمشك قد زار الإمارات أخيراً والتقى رئيس الدولة محمد بن زايد آل نهيان، حيث تم بحث العلاقات وفرص التعاون الاقتصادي، بعد توقيع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في مارس/آذار المنصرم.
وقال وزير المالية التركي الأسبوع الماضي إن الرئيس أردوغان سيزور الإمارات حيث يوقّع على اتفاقيات ثنائية شاملة بين البلدين، مضيفاً في تصريح عقب اجتماع الحكومة التركية الأخير: "قطعنا شوطاً طويلاً في العمل الفني الخاص بالاتفاقيات"، ومبيناً أن الاستثمارات المتوقعة من دول الخليج "ستظهر الثقة في الاقتصاد التركي لأنها ستكون استثمارات مباشرة، وهو أمر بالغ الأهمية".
وبحسب رئيس لجنة الأعمال التركية-الإماراتية في مجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، توفيق أوز، بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 10 مليارات دولار في نهاية 2022، مشيراً خلال تصريح سابق إلى أن "التوقعات تشير إلى أن حجم التبادل التجاري سيرتفع من 10 مليارات دولار إلى 25 مليارا في غضون 5 سنوات" بعد توقيع الاتفاقية الشاملة التي قضت بتخفيض الرسوم الجمركية على منتجات وبضائع محددة بنسبة 82%.
استراتيجية دولة قطر
وبالنسبة لزيارة الرئيس التركي للدوحة، يقول المحلل التركي شنكولر لـ"العربي الجديد" إن علاقات بلاده مع دولة قطر "استراتيجية وبنيت بهدوء ومصالح متبادلة على مدى 20 عاما" على الرغم من أنها أخذت الشكل الراسخ منذ عام 2014، بعد تأليف اللجنة الاستراتيجية العليا المشتركة، لكن حجم التبادل لم يرتفع إلى مستوى الآمال المعقودة، إذ لم يزد على مليارين و200 مليون دولار في العام الماضي.
ولكن المحلل التركي يلفت إلى أن الاستثمارات القطرية في تركيا تتنامى، كما أن الشركات التركية في قطر والناشطة في الإنشاءات والصحة والتكنولوجيا والمفروشات قد لعبت دوراً مهماً في التنمية، "خاصة خلال مونديال كأس العالم"، مقدراً عدد الشركات التركية في قطر بنحو 710 شركات، منها نحو 50 شركة برأسمال تركي خالص، في حين يتخطى عدد الشركات القطرية في تركيا الـ180 شركة.
وحول آثار التقارب التركي مع الإمارات والسعودية، وما يقال عن البحرين وسلطنة عُمان لاحقاً، على العلاقات التركية القطرية الإستراتيجية، يؤكد شنكولر أن بلاده تفصل في علاقاتها، كما هو الحال مع أوكرانيا وروسيا، رغم أن العلاقات بين دول الخليج ليست سيئة.
وكان أمير دولة قطر قد استقبل في مكتبه بالديوان الأميري أول من أمس الأحد، نائب رئيس الجمهورية التركية جودت يلماز والوفد المرافق. وقال الديوان الأميري في بيان، إنه جرى خلال المقابلة استعراض علاقات التعاون وسبل تعزيزها خاصة في مجالي الاقتصاد والاستثمار.
كما التقى وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك، محافظ مصرف قطر المركزي بندر بن محمد بن سعود آل ثاني، في الدوحة، وتم، حسب وكالة الأنباء القطرية "قنا"، استعراض علاقات التعاون الثنائي وسبل تعزيزها في المجالات المالية والمصرفية.
وصرح يلماز عبر حسابه في تويتر بأنه تمت مناقشة العلاقات بين تركيا وقطر وفرص التعاون الاقتصادي في الاجتماعات الثنائية والمشتركة بين الوفدين في الدوحة، مشيرا إلى التخطيط لعقد الاجتماع التاسع للجنة الاستراتيجية العليا هذا العام، حيث يُحتفل بالذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وقد تم التوقيع على 95 اتفاقية في 8 جلسات سابقة للجنة الاستراتيجية العليا.
وذكر أن الزيارة تركز على تعميق التعاون في مجالات الصناعة الدفاعية والطاقة، والهدف تعزيز العلاقات وتعميق التعاون، على أن يكون للخطوات المتخذة في هذا الاتجاه تأثير إيجابي مستقبلا.
ويقول المحلل الاقتصادي معمّر عواد لـ"العربي الجديد" إن زيارة الرئيس التركي والوفد الحكومي الأسبوع المقبل، ستركز على زيادة الاستثمارات القطرية في تركيا والتي تزيد عن 35 مليار دولار، بعد سماع الجانب القطري خطة تركيا الاقتصادية الجديدة التي أعلن عنها الوزير شيمشك، في حين أن استمرار تراجع سعر صرف الليرة التركية كان مؤذيا لبعض الأعمال والاستثمارات القطرية.
وتوقع عوّاد أن تلقى تركيا الدعم والمساندة من الجانب القطري، نظراً لعمق العلاقات ووقوف الجانبين خلال الأزمات إلى جانب بعضهما، فقطر لن تنسى وقفة تركيا خلال الحصار والتي عبرت عنها وردّت مقابلها بمبادرات عديدة، كما تحفظ الدوحة ما فعلته أنقرة خلال المونديال وقبله، ولكن، يؤكد المحلل عواد من الدوحة، أن لا بد من وضوح الرؤية التركية الجديدة، خاصة فيما يتعلق بالسياسة النقدية.
ويضيف المحلل الاقتصادي أن الدوحة وأنقرة أسستا لعلاقات متينة واستراتيجية عبر اللجنة الاستراتيجية العليا، وسبق أن عبرت الدوحة عن عمق العلاقات، سواء خلال محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، أو عقب الزلزال الذي ضرب ولايات جنوبي تركيا في فبراير/شباط العام الجاري، بينما يحرص البلدان على تقوية العلاقات والاستثمارات، معتقداً أن تركيا تخصص للدوحة عروضا استثمارية بقطاعات الصناعة والطاقة المتجددة والخدمات والقطاع المالي.
مناخ استثماري بحاجة لمراجعة
لكن ما الذي يجب على تركيا عمله لجذب مزيد من الاستثمارات الخليجية؟ يؤكد الاقتصادي التركي أوزجان أويصال لـ"العربي الجديد" أن مناخ بلاده الاستثماري بحاجة إلى "إعادة نظر" وإلغاء البيروقراطية التي تشوبه منذ سنوات، لأن رأس المال ينظر إلى الربح والأمان وحسن التعامل أولاً، ولا تكفي العلاقات السياسية لجذب الاستثمارات، مشيراً إلى أن الاستثمارات الخليجية ومهما بلغت، لا يمكن أن تسعف اقتصاد بلاده الذي وصف وضعه بأنه صعب جراء عجز الميزان التجاري وارتفاع الديون الخارجية وجموح التضخم وتهاوي سعر العملة.
ويلفت أويصال إلى أن تركيا لن تتخلى عن علاقاتها الاقتصادية مع أوروبا أو شرق آسيا أو الولايات المتحدة، وربما ينطوي التوجه الجديد وإعادة تعزيز العلاقات مع دول المنطقة، والخليج خاصة، على رسائل بوجود بدائل لبعض الدول الأوروبية التي ترفع من جدرانها في وجه تركيا، سواء على صعيد التجارة أو رفض الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ويشير أويصال إلى أنه من خلال إقامته وعمله لسنوات في دول الخليج العربي، تبيّن له تطور تلك الدول وفتح الأبواب للاستثمارات العالمية، إنما لا يمكن فقط الاعتماد على السياسة ومحبة الشعب الخليجي، بل لا بد من حوافز تُغري رؤوس الأموال.
البيروقراطية التركية "تخيف" المستثمرين
يقول المحلل والمستشار علاء الدين شنكولر لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة التركية أعادت النظر في العديد من القوانين المعيقة للاستثمار، وأزالت بعضها، وأصدرت بدلا منها قونين جديدة، لكن مع ذلك لا تزال هناك عقبات كثيرة تخيف المستثمر، وفي مقدمتها البيروقراطية.
وأضاف: "نحن الأتراك اعتدنا على التعامل والالتفاف، لكن المستثمر يهرب أمام مطبات الاستغلال"، وأوصى بتشديد العقوبات. وحول الاتجاه إلى الخليج، يضيف شنكولر أن بلاده لا يمكن أن تجازف بعلاقتها مع الغرب أو روسيا، بل يمكن أن تنفتح على الجميع بتوازن، وهو ما استطاع الرئيس رجب طيب أردوغان تحقيقه فعلاً.