محمد أمين - الخليج أونلاين-
توشك العلاقات الخليجية التركية على دخول مرحلة جديدة أكثر تطوراً من سابقاتها، مع سعي الطرفين إلى إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم.
وتؤكد هذه المساعي قوة الشراكة الاستراتيجية التي تربط دول المجلس مع تركيا، حيث تهدف الدول الخليجية إلى فتح وتعزيز آفاق التعاون التجاري والاقتصادي إقليمياً ودولياً، وضمان وجود أسواق قوية وكبيرة للسلع والخدمات، في إطار جهودها الرامية إلى تنويع اقتصاداتها.
وشهدت العلاقات بين الخليج وتركيا نمواً وتقدماً كبيراً خلال العامين الماضيين مع حل الخلافات السياسية وإبرام سلسلة اتفاقيات لتعزيز التعاون في مختلف المجالات.
اتفاقية محورية
والخميس 21 مارس 2024 وقع الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي جاسم البديوي، ووزير التجارة التركي عمر بولات، إعلاناً مشتركاً لبدء مفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة بين العواصم الخليجية وأنقرة.
وقال البديوي، عقب توقيع الاتفاقية في أنقرة، إن "الإعلان المشترك يؤكد الأهمية الحيوية للتعاون الوثيق بين تركيا ودول المجلس لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، إضافة إلى تطلعهما المستمر إلى توسيع التجارة والاستثمار وتحقيق تعاون أكبر".
وأضاف أن "التوقيع يعد دلالة على ما حققته دول مجلس التعاون من مكانة إقليمية ودولية على كافة الأصعدة، ومنها المكانة التجارية الاقتصادية والمالية"، مؤكداً "مضي دول مجلس التعاون في ملف المفاوضات للتجارة الحرة مع دول أخرى".
أما وزير التجارة التركي فقد أكد أن الاتفاقية "ستعمل على تحرير التجارة في السلع والخدمات، وتسهيل الاستثمارات والتجارة، وزيادة الاستثمارات بين تركيا ومنطقة الخليج إلى مستويات أعلى بكثير"، مشيراً إلى أن المفاوضات ستكتمل في أقرب وقت ممكن.
كما شدد على أنه "من خلال الإعلان المشترك سيتم إنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم بقيمة 2.4 تريليون دولار".
جهود مستمرة منذ نحو 20 عاماً
فكرة إقامة منطقة تجارة حرة بين تركيا ودول الخليج ليست وليدة اللحظة، بل بدأت شرارتها الأولى قبل حوالي 20 عاماً.
ففي يونيو 2004، وتحديداً خلال الدورة الحادية والتسعين، وافق المجلس الوزاري لمجلس التعاون على إبرام اتفاقية إطارية للتعاون الاقتصادي بين دول المجلس وتركيا تمهيداً للدخول في مفاوضات لإقامة منطقة تجارة حرة بين الجانبين.
وفي مايو 2005، جرى التوقيع على الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي بين الطرفين في مملكة البحرين، لتبدأ بعد ذلك المفاوضات لإقامة منطقة التجارة الحرة، والتي شهدت عقد 4 جولات جرى خلالها مناقشة الملفات المتعلقة بهذه الخطوة.
كما شهدت العلاقات الخليجية التركية تطوراً على مختلف الأصعدة، وخاصة في المجال الاقتصادي والتجاري، وهو ما أكدته الجولة التي أجراها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في يوليو الماضي.
وشملت الجولة كلاً من المملكة العربية السعودية، ودولة قطر، والإمارات العربية المتحدة، حيث كان تعزيز الأنشطة التجارية والاستثمارية على رأس أولويات أردوغان في تلك الجولة.
وفي نوفمبر الماضي، استضافت إسطنبول أول منتدى اقتصادي يجمع نخبة من المسؤولين ورجال أعمال من دول الخليج وتركيا، بهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، ورفع قيمة التبادل التجاري.
وتطرق المنتدى الذي عقد تحت عنوان "المنتدى الاقتصادي الخليجي-التركي" إلى مجالات التجارة، والاستثمار والتمويل، والطاقة، والبنية التحتية، والصناعة، والنقل والخدمات اللوجستية، والسياحة، والزراعة والغذاء.
وفي مارس 2023، تم اعتماد خطة العمل المشتركة بين الجانبين للفترة 2023-2027، وذلك في إطار استئناف الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون وتركيا، بهدف توسيع نطاق التعاون.
نمو التبادل التجاري
وشهدت حركة التبادل التجاري بين دول الخليج وتركيا نمواً كبيراً، محققة أرقاماً غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة، وهو ما يؤكد سعي الجانبين إلى تعميق العلاقات وتطويرها.
ومنذ عام 2002 ارتفع حجم التجارة بين الطرفين من 2.1 مليار دولار أمريكي إلى 22.7 ملياراً في عام 2022، حيث أصبحت بذلك تركيا تاسع أكبر مورد لدول مجلس التعاون في 2022.
وخلال العام الماضي 2023، ارتفع حجم التبادل التجاري بين الخليج وتركيا إلى أكثر من 26 مليار دولار، ما بين استيراد وتصدير، حيث جاءت في المرتبة الأولى الإمارات، وحلّت السعودية في المرتبة الثانية، ثم سلطنة عُمان، ثم البحرين، بينما جاءت قطر في المرتبة الخامسة، تلتها الكويت.
ويشير المحلل التركي، محمد رقيب أوغلو، إلى أن "هذه الخطوة التي بدأت مراحلها الأولى في 2005، مهمة لتركيا ودول الخليج بناء على أن كلا الطرفين يسعيان لتوطيد العلاقات، وخاصة في المجال الاقتصادي".
كما يضيف رقيب أوغلو، في تصريح لـ "الخليج أونلاين"، أن "الاتفاقية ستسهم بزيادة حجم التجارة بين الدول، وستدعم السوق والبضائع التركية التي سيزداد حجمها في دول الخليج"، مرجحاً أن "يرتفع حجم التبادل التجاري بين الجانبين إلى 40 مليار دولار أمريكي".
وحول إمكانية مساهمة هذه الاتفاقية في خفض التضخم بتركيا قال المحلل التركي: "لا أعتقد أن نسب التضخم ستنخفض، لأنها مرتبطة بمشاكل كبيرة، ولا تتعلق فقط بالتجارة، بل ترتبط بأسباب سياسية".
كما توقع عدم استمرار المفاوضات لوقت طويل في ظل حاجة تركيا لدعم اقتصادها والخروج من الأزمة الحالية التي تعاني منها، مشيراً في الوقت ذاته إلى "اتفاقية التجارة الحرة الموقعة بين تركيا وبريطانيا في نهاية 2020 والتي يجري العمل على تحديثها".