خالد السيف- الشرق الاوسط السعودية-
أجِدني أقول معاداً إذا ما كررّت القول ثانية إنّنا كثيراً ما كّنا مُنتَجاً لِمُخرّجات: «الأزمات» ما جعلَ مواقفنا من الآخر قَلِقةً بعد أن أضحت تتأسس على فقهِ إدارة «المُغالبة» خصومةً فيما بين تيّارٍ وآخر!، وهي خصومة في الموقف من آخرٍ قد يترشّح إلى أن يتحوّل – الموقف منه – إلى يَقينياتٍ يتمّ الاعتقاد بها – فيما بين الفريقين – كما يُعتقد في الدين ولاءً وبراءً.!
ليس ثمّة توسّطَ بيننا في الموقفِ من: «أردوغان» من حيثُ قبوله أو ردّه، فطائفةٌ من بني جلدتنا تعدّ الرهانَ عليه (حصاناً أسود) فالفوز به تالياً من أوليّات: «شرائط الإيمان» لا من كمالاتِه؛ بينما تشتطُّ الطائفةُ الأخرى وَفق أيديولوجيّتها الأشد تطرفاً يومَ أن لا ترى في «أردوغان» إلا بوصفه: «جمرة العقبة» الذي استثمر غياب: «أربكان» فقبضَ قبضةً من أثر «الشيطان» على خطوٍ يتماهى فيه مع مِشيةِ الإخوان! فسوّلت له نفسه الاشتغالَ على إعادة: «الخلافة» بوجهٍ تظهر عليه ملامحُ: «الكماليين» على نحوٍ سافرٍ توشكُ مقدماتها أن لا تُخطئ رؤيتَها العين التي تُبصر الأشياء على حقيقتها.. في حين ظلَّ نبضُ باطنِ قلبه يُضخ بدم: «العثمانيين» سادةِ الدنيا لخمسة قرون قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت..!
على أيّ حالٍ.. فإنّ: «أردوغان» باقٍ ما بَقيَ في الحياة السياسيةِ مَفحص قطاةٍ للمتخيّل الديني/ وضدّه الليبرالي باعتباره حقلاً سيظلّ خصباً للصراع «المحلي»؛ إذ يُمكن الإتيان به عند الخصومة شاهداً على القول الفصل فيمن كان: «إسلامياً» خالصاً (يرجو الله والدار الآخرة) وبين مَن كان في الضدّ من ذلك من نفرٍ (لا يرقبون في مؤمنٍ إلا ولا ذمّة)!
ولئن تقاطع الديني والسياسي في إشكاليّة التعبئة الجماهيريةِ توظيفاً/ واستثماراً لأيّ من معطياتهما فإنّه لا مشاحة إذ ذاك في أنّ من كان: «إسلامياً» وقد تمنّى بالضرورةِ فوز (أردوغان/ وحزبه) لدليلٌ بيّنٌ على صدق إيمان من يبتغي عودة: «الخلافة» وصحّة إسلامه على الرغم من أنّ: «أردوغان» نفسه – وحزبه – إنما كان رهانهما المعلن على دولةٍ: «علمانيّة» أعلنت ولاءها في أيمانٍ مغلّظة قبالة ضريح: «أتاتورك»! الأمر الذي يتوكّد من خلاله أن الصراط المستقيم الذي هُدي إليه: «أردوغان» هو شأنٌ: «سلوكيٌّ» «يَحمده عليه المتدينون الخلّص باستثناء ما كان من: «فتح الله كولن» الذي يرى خطورة: «أردوغان» وحزبه على سير حراك التّدين في المجتمع التركي.!
لكن ما أريد التأكيد عليه ها هنا هو أن قواعد الفقه – سياسةً شرعيّة – باتت كما اللعبة؛ إذ ألفيناها تدوّن واقعاً بطريقةٍ مقلوبةٍ وتُكتب بالأسلوب المفخخ الذي يجعل من فعل أيّ حزبٍ مصنّف على أنه: «إسلاميٌّ» هو الفعل الإسلامي الذي لا تصحّ بأيّ حالٍ مُخالفته أو حتى مجرد مُساءلته.! يقول المفكر الكبير زين العابدين الركابي -رحمه الله تعالى-: «ليس في برنامج حزب العدالة والتنمية – في المراحل كافة – أي اتجاه أو دعوة لتطبيق شريعة الإسلام. ومن المعروف – بالضرورة – أن تطبيق الشريعة شرط رئيس من شروط تطبيق الإسلام كما ينبغي أن يطبق.. نعم.. هناك «ضرورة عدم الاستطاعة» – بالنسبة لحزب العدالة – وهي ضرورة معتبرة شرعا.. لقد كان ملك الحبشة النجاشي مسلما، على المستوى الشخصي، بيد أنه لم يطبق الشريعة، وهو معذور في ذلك كما قال علماء الإسلام النابهون الثقات، لكن الإعذار بالاضطرار لا يجيز وصف المضطر بأنه «قدوة ونموذج».
بقيت نقطتان:
إنّ في الأتراك من منافسي: «أردوغان» من هم لا يتفقون بالمطلق على أيّ توجه يدفع بهم بالاتجاه جنوباً نحو: «العرب» وباتجاه السعودية على جهةٍ أخص؛ إذ يضمرون عداواتٍ أبانت عنها فلتات ألسنتهم فضلا عما أسفر عنه مسرد تجاربهم: «السياسية»! في مقابل ذلك فإنّ مُضيَّ أردوغان بحميميّةٍ مسرفةٍ نحو الانتصار لمظلومية: «الإخوان» وبطريقةٍ سافرة أحسبها هي الأخرى ليست من السياسة في شيءٍ ذلك أنه ماضٍ بالاتجاه الذي يخلق له عداواتٍ «سياسيّة» من شأنها أن تبقى طويلاً وبصورةٍ معقّدة؛ فالعربُ في جملتهم ليسوا على قلب رجلٍ واحد!! ما يعني أن العربَ ممن يخطب ودّهم «أردوغان» قد يجعلون من نجاحاته داخلياً على صفيحٍ ساخنٍ بسبب من تدخلّ خارجيٍّ كم كان هو في غنىً عنه!
إنّ ما يتمتّع به: «أردوغان» من صدقٍ في المشاعر والحسن في النيات لم تكن لتمنع ما هو عليه من انفعالاتٍ فيه شيء ليس بالقليل من الحمق السياسي الذي طالما أفقده توازنه فورّطه واستحال عثرةً في مشروعه الداخلي.!
حتى ذلك الحين الذي سيخرج فيه أردوغان وحزبه من الحكم في تركيا ستبقى نجاحاته وحزبه لا تعدو أن تكون نجاحاتٍ اقتصاديّة لن يُسيء إليها إلا السياسة الخارجيّة التي ستتأذى منها: «تركيا» كثيراً.!