جابر الحـرمـي- الشرق القطرية-
يحل فخامة "السلطان" رجب طيب أردوغان، رئيس الجمهورية التركية الشقيقة ضيفاً عزيزاً كريماً على أخيه سمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى اليوم، لترؤس الجانب التركي في اجتماعات اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين مع أخيه سمو الأمير، حفظهما الله.
من المؤكد أن هذه الزيارة ستضيف لبنة أخرى في صرح العلاقات بين البلدين الشقيقين، خاصة أن الوفد المرافق لفخامة الرئيس أردوغان عالي المستوى، يضم 9 وزراء، وهو ما يمكن وصفه بـ "مجلس وزراء مصغّر"، إضافة إلى رجال أعمال ومستثمرين، وسيتم خلال هذه الزيارة التوقيع على عدد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون، في العديد من القطاعات، أبرزها الاقتصاد والأمن والتعليم والمالية والاستثمار والبنوك والبحث العلمي والتكنولوجيا والبيئة.. وغيرها من القطاعات، لتنتقل بذلك علاقات البلدين رسمياً وشعبياً إلى مرحلة جديدة، تتعزز من خلال هذه الشراكات في مختلف المجالات.
كما سيتم خلال الزيارة افتتاح المركز الثقافي التركي بالدوحة، الذي سيكون منارة ثقافية مهمة للتواصل بين الشعبين الشقيقين، فالمشتركات بينهما لا تعد ولا تحصى، والمرجعية الدينية والثقافية والفكرية.. واحدة.
لم يسبق للعلاقات بين الجمهورية التركية ودولة قطر أن تبوأت مكانة مرموقة وغير تقليدية كما هي عليه اليوم، فقد تحولت هذه العلاقات من مجرد علاقات دبلوماسية بين بلدين، الى حلف عسكري، وشراكة اقتصادية، وتعاون استراتيجي، لتصبح العلاقة القطرية التركية هي الأكثر تميزاً بين علاقات تركيا في العالم العربي.
منذ مجيء حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا في 2002، بدأ الجانبان خطوات تقارب متسارعة، سرعان ما توجت باتفاقيات اقتصادية، بعد زيارات متبادلة لكبار المسؤولين في البلدين، وعلى رأسهم فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وسمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير البلاد المفدى، فالرجلان يمكن أن يظهر أحدهما في عاصمة الآخر في أي لحظة، بعيداً عن ترتيبات الزيارات المعقدة، التي تكون عادة بين رؤساء الدول، فقد تم تجاوز هذه المرحلة بين هذين الرجلين.
العلاقة بين البلدين دخلت مرحلة جديدة من التحالف؛ عندما توج الجانبان في 19 ديسمبر 2014 علاقاتهما بإنشاء لجنة استراتيجية عليا بين البلدين، يترأسها كل من الرئيس أردوغان وسمو الشيخ تميم، لحسم الملفات الخاصة مباشرة، بعيداً عن روتين اللجان المشتركة بين الدول، والتي في الغالب تخضع لإجراءات وروتين يؤخر حسم الاتفاقيات بين البلدين، فما كان من تركيا وقطر إلا أنهما انشأتا هذه اللجنة الاستراتيجية، التي تعتبر أرفع آلية لضبط العلاقات الثنائية بين البلدين في مجالات السياسة والاقتصاد والتجارة والاستثمار والتعليم والثقافة والعلوم والتكنولوجيا والطاقة والزراعة والاتصالات..، وبما يضمن تحصين المنجزات السابقة، التي تم تحقيقها خلال مسيرة التعاون بين الجانبين.
وفي الجانب العسكري، وقع الجانبان اتفاقية للتعاون في مجال الدفاع تتيح للجانبين تبادل نشر قوات مشتركة بين البلدين، كما وقع البلدان في 3 يوليو 2012 اتفاقية تعاون في مجال التدريب العسكري، ومذكرة تفاهم في مجال الصناعات الدفاعية، وشهدت الدوحة مؤخرا إقامة تدريبات مشتركة لقوات البلدين، كما استضافت الدوحة معرض الصناعات الدفاعية والتكنولوجيا المتقدمة، الذي يقام لأول مرة خارج تركيا، وهو ما يمثل مرحلة جديدة يبدأها البلدان في مجال التعاون العسكري.
أما في المجال الاقتصادي، فان حجم التبادل التجاري يتوقع أن يبلغ هذا العام 1.5 مليار دولار، بعد أن كان 800 مليون في 2014، بينما في عام 2000، كان الرقم لا يتجاوز 38 مليون دولار.
واليوم في قطر أكثر من 60 شركة تركية كبرى، ونحو 150 شركة صغيرة تعمل في مجال المقاولات والإلكترونيات والتجارة والبنية التحتية، باستثمارات يتوقع أن تصل الى 30 مليار دولار، بينما الاستثمارات القطرية المباشرة في تركيا تصل إلى 930 مليون دولار، في مجالات الطاقة والمشاريع العقارية والزراعية والسياحة، وهناك حديث عن دراسات لمشاريع بالمليارات، تعتزم قطر تنفيذها في الشقيقة تركيا خلال المرحلة المقبلة.
وينتظر أن تشهد الفترة القادمة الشروع في إنجاز القرية التركية بالدوحة، بعد أن قام كل من سمو الأمير والرئيس أردوغان بوضع حجر الأساس لهذه القرية على مساحة تبلغ نحو 400 ألف متر مربع، والتي ستمثل مدينة اسطنبول بصورة مصغرة، وستتضمن مشاريع استثمارية ضخمة، من بينها مبان وإنشاءات على الطراز العثماني من أسواق ومرافق خدمية وفنادق ومسجد..، ويجسد هذا المشروع فكرة جوهرية ألا وهي البعد الحضاري والتاريخي الذي يربط البلدين والشعبين الشقيقين، ويؤكد العلاقة المميزة التي تربط بين البلدين.
أما سياسياً، فلا وصف أدق من تصريح للرئيس أردوغان، عندما التقيته في مقابلة صحفية في 13 فبراير 2010، عندما كان رئيساً للوزراء، قال لي عندما سألته، كيف ينظر البلدان (تركيا وقطر) لقضايا المنطقة: "رؤيتنا واحدة تجاه قضايا المنطقة، كأننا ننظر من نافذة واحدة".
وهو ما يحدث بالفعل، فهناك تطابق تام في رؤية البلدين للعديد من القضايا والملفات الملتهبة في المنطقة، أبرزها سوريا وليبيا وثورات الربيع العربي..، هذا التطابق المبني على الشفافية وصدق المواقف والنوايا المخلصة والصادقة والرغبة الحقيقية لإيجاد حلول لقضايا المنطقة، دفع بهما لتشكيل حلف قوي، بات اليوم يمثل نموذجاً للعلاقات بين الدول.
لقد أثبتت الأحداث أن مواقف قطر وتركيا حيال أزمات المنطقة، هي الأدق والأصوب، ولو استمعت الأطراف بالمنطقة والعالم لأصوات هذين البلدين خلال السنوات الماضية؛ لتمت معالجة الكثير من هذه الأزمات، ولما رأينا هذه الانهار من الدماء التي تنزفها شعوب المنطقة، الباحثة عن الحرية والكرامة، ولم تجد من يقف معها بصدق سوى تركيا وقطر، فقد انحاز البلدان إلى خيارات الشعوب في كل مراحل الربيع العربي، وثورات الشعوب في عالمنا العربي.
نحن في قطر نعتز بهذه العلاقة التي تربطنا بالأشقاء في تركيا، والتي تجاوزت اليوم الأطر الدبلوماسية التقليدية بين الدول، لتصبح علاقات أخوية قوية، يحرص كل أخ على مصلحة أخيه، كما لو كانت مصلحته الشخصية، وعلى ثقة أن المرحلة المقبلة سوف تشهد مزيداً من التعاون والتكامل في جميع المجالات، لتكون نموذجاً يحتذى،
ونحن في هذا العام نحتفل معاً بعام الثقافة القطري التركي، وهو دليل على أن علاقاتنا متجذرة ومترابطة وتتجاوز الجوانب السياسية والاقتصادية والاستثمارية.. لتدخل في علاقات مرتبطة بالهوية والثقافة الواحدة التي تجمعنا.
أيها الرئيس أردوغان نشد على يديه في الحفاظ على هيبة وكرامة واحدة من أكبر الدول الإسلامية في مواجهة فوضى تقودها روسيا، بلغت حدا من الممارسات غير المسؤولة بانتهاك سيادة تركيا مرة وأخرى وثالثة، حتى نفذ صبر الجيش التركي ، وهو يرى سماءه يتم انتهاكها من قبل المقاتلات الروسية وسط تجاهل تام للتحذيرات التي أطلقها الجانب التركي ، حتى تم إسقاط الطائرة الروسية لوقف هذه التصرفات غير المسؤولة وهو حق مشروع.
هذا الموقف أثبت عدالة الموقف التركي وسط تعاطف وتأييد دولي كبير لموقف الرئيس رجب طيب أردوغان وموقف الحكومة التركية التي رفضت الاعتذار للجانب الروسي، وهو موقف يعبر عن موقف كل عربي ومسلم حر يرفض هذه العربدة الروسية في أجواء دولة عربية هي سوريا.