أحمد الحناكي- الحياة السعودية-
لاحظنا في الآونة الأخيرة توجه بعض الكتاب إلى إقحام تركيا في الشأن السعودي، معتبرين أن ضررها سيؤدي إلى ضررنا، وأن مساعيها تهدف إلى رفعة شأن العالم الإسلامي، وأن الترابط النسبي الطردي حتمي، بل وواجب مقدس بينها وبين المملكة، وتناولوا أخباراً مفادها: أن الرئيس الروسي سيصل به الأمر لضرب السعودية وقطر.
وفي سبيل إقناع القارئ بدموية ووحشية بوتين ضربوا عدداً من الأمثلة، كالاغتيالات السياسية التي نفذها مع معارضين في بلدان عدة، تأكيداً على يد روسيا أو بوتين الطويلة. سأبدأ من هنا وأسأل الكتاب، ما هي السياسة الأخلاقية التي يتبناها الأميركان والأوربيون بحيث يصبح بوتين هو الشاذ من المنظومة؟
إن سيرة الولايات المتحدة في الاغتيالات والمؤامرات خارج حدودها يشيب لها الوليد، وإذا كان بوتين صنع نقطة في بحر أميركا الأسود، فهو للتذكير هاجم أو اغتال (على اعتبار أنه اعترف بذلك وهو لم يعترف بالمناسبة) مواطنين روس أو من منظومة الاتحاد السوفياتي سابقاً، بينما أميركا تضرب وبكل بقعة في العالم من تراه يمس بمصالحها جهاراً وعياناًً، أو تخطفه، فهم قتلوا ابن لادن في باكستان، وخطفوا الليبي في ليبيا، وقتلوا العولقي في اليمن، ناهيك عما تحتمه مصالح أمنهم القومي من الكتمان.
الروس لا يؤون ولا يحمون متطرفين كما تصنع أوروبا، وليس لديهم موقف من الإسلام فالروس لديهم 50 مليون مسلم، ولم نجدهم يشتكون من حكومتهم.
الروس وقفوا مع صديقهم السوري، وليسوا كمن يبيعهم في أقرب مناسبة، وآخرهم هو حسني مبارك، ولن نستعيد التذكير بمن قبله وهم كثيرون، أما السذاجة الأكبر فهي الإيهام أن السياسة الأميركية الحالية إنما بسبب أوباما.
والغريب أن هذه التحليلات لا تتناول من قريب أو بعيد الدور التركي من «داعش»، والذي أصبح يعرف فيه الصغير أو الكبير أن هناك علاقة بين الطرفين، ويكفي أنها الظهر الحامي والمنفذ الجاهز إلى سورية.
تركيا الخلافة تشكل حلماً لن يتحقق، فهي اندثرت مع سليمان القانوني، وحتى هذا الحلم لن يكتمل بسبب الأكراد الذين يوقظون أردوغان في كل دقيقة، أما مسألة التلويح بأن أردوغان قد رمى التحدي في وجه الروس بإسقاط الطائرة الروسية، فها هو الآن يعض أصابع الندم كل دقيقة على هذه الحادثة، ويشتكي من أن بوتين لا يرد على مكالماته.
المملكة تعي الآن أن السياسة متقلبة، وألا صديق دائم ولا عدو دائم كذلك، والاتكاء على سلة واحدة قصور سياسي، وإذا كان العدو المحتل ربيب أميركا وشرطيها في المنطقة يحرص على توثيق علاقته مع الروس، بل إن تركيا التي يتغنى بها البعض تملك علاقات قوية وما أفسدته حادثة الطائرة سيعود كما عادت العلاقة بين تركيا والمحتل، أقول إذا كان هؤلاء يصنعون ذلك فلِمَ نصبح نحن في هوة المدفع؟