شؤون خليجية –
تعاون استراتيجي عسكري متنام بين تركيا وقطر، بتوقيت شديد الحساسية تتصاعد فيه التهديدات (الروسية - الإيرانية) للمحور "القطري - التركي - السعودي"، وتخضع فيه سوريا لعملية تشكيل خارطة عسكرية جديدة قسرية، تحت وطأة الضربات الجوية الروسية وحرب الميليشيات الإيرانية، والصمت الأمريكي والدولي، وتتجدد فيه الخروقات الروسية للأجواء التركية، فهل يستطيع التعاون (التركي - القطري) العسكري تقليص مصادر الخطر المحدقة بالبلدين وبالأمن القومي الخليجي والعربي، وبخاصة في ظل تقارب استراتيجي مماثل على صعيد العلاقات (التركية - السعودية)، وهل تأتي زيارة وزير الدفاع القطري لتركيا في إطار التمهيد للتحالف الإسلامي العسكري، والاستعدادات المحتملة لتدخل بري عربي في سوريا؟
استقبل رئيس هيئة الأركان التركية "خلوصي أكار"، وزير الدفاع القطري "خالد بن محمد العطية" والوفد المرافق له، الذي يجري زيارة رسمية إلى العاصمة التركية أنقرة، وذلك في مقر القيادة، وجرى اللقاء بين الطرفين، بعيداً عن عدسات الصحفيين، ولم يتم الإدلاء بتصريحات حول فحوى المحادثات التي جرت بينهما.
كما أجرى العطية لقاءً مغلقاً مع الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" ورئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو"، خلال زيارته الرسمية، حيث استمر اجتماعه بداود أوغلو قرابة 50 دقيقة، وذلك بحسب مصادر في رئاسة الوزراء، وحضر وزير الدفاع التركي "عصمت يلماز" كافة الاجتماعات التي عقدها الوزير القطري مع المسؤولين الأتراك.
تعزيز القدرات الدفاعية
تأتي هذه الزيارة في ظل تنامي العلاقات (القطرية - التركية)، وبخاصة عقب إسقاط الطائرة الروسية وفرض العقوبات على أنقرة، وتهديدات بوتين المبطنة للبلدين بسبب موقفهما الداعم للمعارضة السورية المعتدلة للإطاحة بنظام الأسد، بما أوجد بدائل استراتيجية للبلدين في مواجهة التغول الروسي، إلا أن تعزيز العلاقات الاستراتيجية بينهما كان مخطط له مبكرًا، وأسفرت عن حزمة من الاتفاقيات المهمة.
جاء تعزيز الشراكة الاستراتيجية "القطرية - التركية" على مستوى القمة، حيث شكلت زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى العاصمة التركية أنقرة حجر الأساس في 19 ديسمبر 2014، ووقّع خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وأمير قطر، على مذكرة تفاهم بشأن تأسيس اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين.
في الأول من ديسمبر 2015، زار الرئيس أردوغان العاصمة القطرية الدوحة، وتم التوقيع على 15 اتفاقية بين البلدين، وتكفلت قطر بتأمين احتياج تركيا من الغاز الطبيعي، إذا ما أقدمت روسيا على تقليل أو قطع إمدادات الغاز الروسي عنها.
التطور الأهم كان توقيع البلدين على اتفاق عسكري يسمح لتركيا ببناء قاعدة عسكرية في قطر، وقد سبقته اتفاقية تدريب الجيش القطري من قبل خبراء عسكريين أتراك، وأيضًا إقامة معرض "التكنولوجيا المتقدمة" والصناعات الدفاعية من قبل رجال الأعمال الأتراك المستقلين "الموصياد"، حيث جمعت لفيفًا من رجال الأعمال الصناعيين العسكريين من البلدين، مع 67 شركة تركية متخصصة في الصناعات الدفاعية في العاصمة القطرية الدوحة.
كانت قد صادقت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي، في 5 مارس على عدد من مشاريع القوانين، بينها "اتفاق تعاونٍ عسكري" بين تركيا وقطر، تتيح تبادل خبرات التدريب العملياتي، وتطوير الصناعات العسكرية، مع إمكانية تبادل نشر قوات مشتركة بين البلدين إذا اقتضت الحاجة، وإجراء مناورات عسكرية مشتركة، وفي ترجمة فعلية لهذا الاتفاق، نفذت القوات المسلحة القطرية بالتعاون مع القوات التركية في قطر تمرين "نصر 2015" في شهر أكتوبر الماضي.
التدخل البري في سوريا
تأتي زيارة وزير الدفاع القطري لتركيا وسط تهديدات كبيرة للمحور السني "التركي- السعودي- القطري"، وبالتزامن مع إعلان الرياض استعدادها للمشاركة بأي عملية برية في سوريا تحت قيادة التحالف الدولي، وإرسال قوات خاصة، حيث أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أمس الاثنين، أن "ثمة مناقشات تتعلق بإرسال فرقة من القوات البرية أو فرقة قوات خاصة للعمل في سوريا، إلى جانب التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، والسعودية تبدي استعدادها لتوفير قوات خاصة لمثل هذه العمليات إذا تمت". ورفض الجبير تحديد عدد القوات التي قد ترسلها بلاده، ولا الدول التي ستشارك في أي عملية برية محتملة مقبلة في سوريا.
تحركات عسكرية نوعية
يأتي ذلك وسط أنباء عن تحركات عسكرية سعودية وتركية باتجاه سوريا، فقد كشف مصدران سعوديان مطلعان الجمعة 5 فبراير لـCNN ، عن "خطط المملكة للتدريبات العسكرية كجزء من إعدادها للتدخل في سوريا لمكافحة تنظيم (داعش)"، وأفادت الشبكة أن "عدد المتدربين قد يصل إلى 150 ألف جندي، وأن معظم الأفراد سعوديون مع قوات مصرية وسودانية وأردنية موجودة داخل المملكة حاليًا". والتزمت المغرب وتركيا والكويت والبحرين والإمارات وقطر بإرسال قوات، ومنذ أسبوعين عيّن السعوديون والأتراك قيادة للقوات المشتركة، التي ستدخل سوريا من الشمال عبر تركيا".
في المقابل نفت مصادر من رئاسة الوزراء التركية، الأنباء الواردة حول استعداد 150 ألف جندي للدخول في عملية عبر الأراضي التركية، مشيرةً إلى أن "تلك الأنباء التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام، لا تعكس الحقيقة". ونقلت وكالة الأناضول التركية للأنباء، عن المصادر نفسها، أن القواعد التركية مفتوحة لقوات التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة "داعش"، وأن تركيا منفتحة لعقد أي تعاون مشترك في هذا الإطار.
في هذه الأثناء تسربت أنباء غير رسمية عن تحركات عسكرية تركية باتجاه سوريا، نقلتها صحيفة "اليوم" السعودية أمس، عن المقدم عماد نديم شحود، قائد حركة تحرير حمص، حيث صرح بأن "الوقت حان لتتدخل السعودية عسكرياً في سوريا تحت أي صيغة كانت"، مشيراً إلى أن الروس والإيرانيين تدخلوا بحسب زعمهم لضرب تنظيم داعش، في حين أنهم يضربون فعلياً القوى المعتدلة والجيش الحر".
وأشار "شحود" إلى أن "الاستطلاعات على الحدود (السورية - التركية) تشير إلى وجود تحركات عسكرية جدية، تتمثل بتحرك حشود عسكرية ملحوظة على طول الحدود (السورية - التركية)، والقيام بعمليات استطلاع مرابض مسلحة، وتدريب قسم من الجيش التركي بنظام المجموعات بما يخالف تكتيكه كجيش نظامي على شكل أنساق وكتائب وألوية، وأيضاً تقديم سلاح الهندسة إلى النسق الأول، إضافة إلى سلاح المدرعات، وهو ما يحدث في حالات التحضير لعمليات هجومية، إضافة إلى قيام طيران الاستطلاع بطلعات على مدار الأربع والعشرين ساعة". بحسب قوله.
يأتي ذلك بالتزامن مع انطلاق أقوى وأكبر المناورات العسكرية على مستوى الشرق الأوسط، "رعد الشمال" أمس الاثنين، والتي يشارك فيها الآلاف من القوات الخليجية والعربية والإسلامية بقيادة السعودية، وتعد خطوة مهمة في ظل التطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة.