شؤون خليجية-
أربع زيارات استراتيجية عربية للأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع خلال شهر واحد من مصر إلى الأردن ثم الإمارات وأخيرا قطر، وبرغم قصر زيارة بن سلمان إلى الدوحة وقلة المعلومات حولها إلى أن توقيتها يحمل دلالات خاصة، وسقف توقعات مرتفع، تترقبه الأوساط السياسية والشعبية، من هذه القيادات الشابة، وبخاصة فيما يتعلق بالملف السوري، فالمحور السني الذي تتزعمه الرياض وأنقرة والدوحة، تتصاعد المطالب بشأن تفعيله لمنع استئصال المعارضة السورية وضمان تسليحها نوعيا، ووقف مجازر حلب والإطاحة بالأسد، بما يتطلبه بالتبعية من تفعيل محتمل للتحالف الإسلامي العسكري بقيادة الرياض، أو دعم تدخل عسكري تركي، خاصة مع تصريح أنقرة بأن كل الخيارات مفتوحة إزاء استهداف مناطق مهمة على حدودها.
تأتي الزيارة الثنائية أيضا في ظل مسارات مفتوحة ومحتملة للحسم العسكري ليس فقط في سوريا بل واليمن أيضا بما يجعل الأمن القومي الخليجي والسعودي يفرض نفسه على رأس أجندة لقاءات بن سلمان بسبب الفشل الكبير للمسار التفاوضي السلمي بأهم نقطتين ساخنتين، ملف النفط أيضا يفرض نفسه.
يرى مراقبون أن الجولات الخارجية التي تجري بخطى متسارعة لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تعكس في مجملها الدماء الجديدة الشابة بجسد السياسة الخارجية السعودية، والتي ترتكز على مفهوم أوسع للأمن القومي السعودي والخليجي تعتمد على تأمين الحدود في عمقها الاستراتيجي وليس فقط بالمعني التقليدي الجغرافي الضيق، ومن ثم يفهم تحركاته نحو الأردن ومصر وغيرها لتوسيع وتنويع دائرة التحالفات السعودية ضد المخاطر الأمنية والمشروع الإيراني، وتأمين حدود المملكة عبر حزمة شراكات استراتيجية مع دول محورية، مع محاولة إعادة ترتيب البيت الخليجي والعربي بالمعنى الاستراتيجي القائم على شراكات ومصالح متشابكة لتحقيق توازن الردع وتوجيه ضربات استباقية للخصوم.
قيادات شابة هل تحمل جديدا
لا زال الحديث عن دور المحور السني التركي العربي تتزعمه تركيا والسعودية وقطر لحسم الملف السوري، لذلك من المتوقع أن تكون الخطة باء في سوريا قد تصدرت مباحثات تميم وبن سلمان، فقد اجتمع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمس الثلاثاء بولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان حيث بحثا في الدوحة العلاقات الثنائية وتطورات المنطقة.
فيما يرى مراقبون أن هناك تناغماً بين الجانبين، وبخاصة الملف اليمني والسوري، باعتبار أن الأمير تميم وولي ولي العهد السعودي يمثلان جيل الشباب الجديد بدول مجلس التعاون المسلح بالعلم وروح العصر، وتعد هي الزيارة الثانية إلى الدوحة خلال أقل من عام، والثالثة خلال خمسة عشر شهراً، مما يعني المدى الذى وصل إليه التنسيق بين قطر والرياض عاصمة القرار العربي.
لقاءات بن سلمان بقلب العاصفة
الموقف السعودي من الأزمة السورية لا زال صلبا فيما يخص الأسد فقد جدد وزير الخارجية السعودي التزام المملكة بدعم المعارضة السورية والأشقاء السوريين حتى ينالوا حقوقهم المشروعة في بناء دولة مستقرة لا تشمل بشار الأسد.
مما يثير التساؤل هل ترتب الرياض لخطوات أكثر حسما تجاه مصير الأسد مع الفاعلين الداعمين لتحركها وأهمهم قطر، فزيارة بن سلمان لقطر تأتي بعد زيارة تاريخية للملك سلمان إلى تركيا، بينما تعاني أنقرة من تهديدات مباشرة على حدودها دفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى التهديد بالقول أمس بأن "كل الخيارات مفتوحة لوقف قصف مدينة كلس القريبة من الحدود السورية، وأن أوروبا تحتضن الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني الإرهابي."
اليمن أيضا تقترب من اشتعال مسار الحسم العسكري حيث أعلن المتحدث باسم قوات التحالف لإعادة الشرعية في اليمن العميد ركن أحمد عسيري، أنه إذا فشلت مفاوضات السلام الجارية حالياً في الكويت فستدخل الحكومة اليمنية صنعاء إثر عمل عسكري حاسم.
وقال عسيري، خلال لقائه مساء الثلاثاء ببرنامج العاشرة مساء على قناة دريم المصرية: "نعطي المسار السياسي وقتًا لتحقيق نجاح مع استمرار المسار العسكري. ولكن إذا أعلنت الأمم المتحدة فشل المفاوضات، فستحسم المسألة عسكرياً وتدخل الحكومة الشرعية صنعاء".
مصر..الأمن القومي السعودي من أين يبدأ؟
يرى مراقبون أن القيادة الشابة لبن سلمان تحمل رؤى جديدة للسياسة الخارجية السعودية ومفهوم ونمط إعادة ترتيب الأمن القومي السعودي والخليجي، وقد تأكد ذلك عبر سلسلة زيارات أجراها الوزير الشاب فقط خلال شهر واحد زار أربع عواصم مهمة لتوسيع دوائر عربية تضيق على إيران تدريجيا.
لأهمية مصر ومحورية دورها في أي تحالف عربي عسكري عربي أو إسلامي ووجودها على الحدود السعودية، مهد بن سلمان لزيارة الملك سلمان في 7 أبريل الماضي بهدف "التنسيق والتعاون على جميع الأصعدة بين البلدين في مواجهة ما يتعرض له الأمن القومي العربي والخليجي من مخاطر إقليمية وخارجية." ثم أكد الأمير محمد بن سلمان في عرضه لرؤية 2030 أن اتفاقية إنشاء جسر الملك سلمان والذي سيربط بين مصر والسعودية، والتي وقعها سلمان مع خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، سيكون أهم معبر بري في العالم.
في رصد لأهمية الجسر الاستراتيجية نشر معهد "ستراتفور" للدراسات الجيوسياسية تقريرا عن الجسر البري بين مصر والسعودية، وذكر المعهد أن الجسر الذي أعلن عنه في 8 أبريل يعكس التعاون الاستراتيجي بين مصر والسعودية وخاصة في المجال العسكري فإذا تم بناء الجسر سيكون بالإمكان انتقال القوات العسكرية بين مصر والسعودية بسرعة.
ولفت المعهد إلى أن هذه النقطة تأتي بعد مناورات "رعد الشمال" وتشكيل التحالف الإسلامي، ووعود مصر بحماية السعودية.
وأشار الموقع إلى أن حجم الجسر الذي تبلغ تكلفته 4 مليارات دولار وسيتم بنائه على 7 سنوات على مسافة 100 ميل، كما أن ارتفاعه سيبلغ 100 متر عن سطح البحر وبهذا سيكون الجسر البري متفوقا على جسر البوابة الذهبية في سان فرانسيسكو، والذي يبلغ ارتفاعه 67 مترا فقط.
كذلك أعلن الجانبان على هامش زيارة سلمان وبن سلمان عن ترسيم الحدود البحرية وشمل ترسيم الحدود إعادة مصر جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.
الأردن والبحر الأحمر والحدود البحرية
بعد زيارة بن سلمان لمصر بثلاثة أيام في 11 أبريل أكدت مصادر سياسية أردنية في تصريحات صحفية أن زيارة وليّ وليّ العهد السعودي بن سلمان للأردن مكملة للزيارة التي قام بها الملك سلمان بن عبدالعزيز لمصر واستغرقت خمسة أيّام.وقالت إن التركيز سيكون على أمن البحر الأحمر الذي يعتبر الأردن جزءا لا يتجزّأ منه من جهة وعلى العلاقات الأردنية ـ السعودية من جهة أخرى.
وترابط قوات متعددة الجنسية في الجزيرتين نتيجة معاهدة السلام. وليس مستبعدا أن يلعب الأردن دورا في عملية ترتيب انتقال الجزيرتين إلى السيادة السعودية في ضوء العلاقات التي تربطه بكل الأطراف المعنيّة، بما في ذلك إسرائيل.
وتعكس زيارة الأمير بن سلمان رغبة واضحة في أن تكون المملكة الأردنية الهاشمية طرفا في الترتيبات التي تشمل البحر الأحمر، كما أنّها إشارة إلى أنّ للأردن دورا لا يمكن تجاهله على صعيد الأمن الخليجي، خصوصا أن هناك اتفاقات في هذا المجال بين دول مجلس التعاون وكل من الأردن والمغرب.
الرياض والإمارات..
بعد زيارة إلى الأردن، بيوم واحد في 12 أبريل وصل ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان إلى أبوظبي، والتقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حيث دار اللقاء حول العلاقات الأخوية بين المملكة ودولة الإمارات سبل تعزيزها والقضايا الدولية ذات الاهتمام المشترك.
من جهته كشف صاحب حساب "مجتهد" السعودي المعارض الشهير على موقع التدوين المصغر "تويتر"، في عدة تغريدات على “تويتر”-: "رحلة بن سلمان لـ أبوظبي هدفها امتصاص مشكلة كبيرة بين البلدين وذلك بتفاهم مباشر مع بن زايد على نقطتين تكاد تدمر الخطة السعودية في اليمن."
وأضاف "مجتهد"، 1- "إصرار الإمارات على سحب الذخيرة والمعدات اللوجستية التي بحوزة قواتها وعدم تركها للمليشيات المتحالفة معها رغم أنها ملك التحالف كما تدعي القيادة السعودية."
وتابع: 2- "تبني بن زايد للانفصاليين الجنوبيين علنًا واستضافتهم في أبوظبي والسماح لهم بالتصوير مع مسؤولين إماراتيين دون أي تنسيق مع بن سلمان."