تحل اليوم الذكرى ال35 لتأسيس مجلس التعاون الخليجي في 25 مايو 1981 بينما يعيش في محيط العاصفة وحزمة من التغيرات الإقليمية والدولية وحروب أهلية وحدود ملتهبة، جعلته يعيش وشعوبه على صفيح ساخن، وتهديدات متنامية، الأمر الذي دفع دوله إلى تبني استراتيجيات جديدة في مواجهة المخاطر بمفهومها الشامل تصدرها تحقيق الأمن والعمق الاستراتيجي عبر تحالفات بينية وإقليمية ودولية لتحقيق توازن الردع، وبخاصة تجاه التهديدات الإيرانية، مع زيادة الإنفاق العسكري والمناورات المشتركة، وتوجيه ضربات استباقية وقطع الأذرع الإيرانية، وتقوية الشراكة مع حلف الناتو وواشنطن وتركيا وباكستان ومحاولة تعزيز القوة الدفاعية الخليجية، في مواجهة الصواريخ البالستية الإيرانية وتهديداتها بغلق مضيق هرمز، وانتشار وتغلغل الميلشيات الإيرانية والشيعية والمرتزقة.
تجفيف منابع حزب الله بعد تصنيفه إرهابيا ومحاولة تحجيم خطر الميلشيات التابعة له بعد قطع أو تجميد العلاقات مع إيران تصدر أولويات المجلس، ولكن لا تزال هناك صعوبات في حسم الملف اليمني والسوري بسبب التدخلات الإيرانية، والتي تشكل مصدر تهديد لأمن الخليج وبخاصة مع التصعيد العسكري الروسي، فيما يظل خطر داعش والإرهاب محدقا بدول الخليج ويترصدها.
تهتم دول الخليج بتنويع مصادر التسليح وتقوية ملف التصنيع العسكري الذاتي، وتوسيع مجلس التعاون ليضم اليمن، في إطار حماية الأمن الخليجي، يركز أيضا على ملف النفط وتداعياته والتحول إلى مرحلة ما بعد النفط، وعملية التوطين للوظائف، والانتقال لاقتصاد إنتاجي فيما يعد عاصفة اقتصادية تعيشها دول الخليج، بجانب سعيها إلى تعزيز المشروعات التنموية المشتركة.
تهديدات إيرانية متنامية
هدد الجنرال حسين سلامي، نائب قائد «الحرس الثوري» الإيراني، بإغلاق مضيق هرمز الحيوي لتجارة النفط، أمام السفن الحربية للولايات المتحدة وحلفائها، إذا «هُددت» طهران، كذلك وضعت القيادة الإيرانية على رأس أولويات إستراتيجيتها للعشرين سنة المقبلة، الحفاظ على نظام بشار الأسد، وملشيات حزب الله اللبناني، وتمكينهما.
يعد التحدي الإيراني بالإصرار على تعظيم قدرات حزب الله ردا مبطن على قرار دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية اعتبار "حزب الله" اللبناني، بجميع قادته وفصائله والتنظيمات التابعة له والمنبثقة عنه، منظمة إرهابية، وتصنيف وزراء الداخلية العرب حزب الله اللبناني على أنه منظمة إرهابية أيضا.
الأخطر رصد موقع "ميدل إيست آي" في لندن في تقرير حصري أعده ديفيد هيرست، أن مسؤول الجناح العسكري لحزب الله تم تعيينه مباشرة من قيادة الحرس الثوري الإيراني، مشيرا إلى أن الجناح العسكري للمنظمة اللبنانية تلقى تعليمات من إيران لوقف عملياتها ضد إسرائيل، واستهداف السعودية عوضا عن ذلك.ويشير التقرير إلى أن التعليمات الجديدة جاءت بعد مقتل القيادي العسكري مصطفى بدر الدين في دمشق يوم الجمعة، الذي حمل الحزب مسؤولية مقتله لـ"القوى التكفيرية"، التي تحظى بدعم من الرياض.
كذلك أعلنت إيران تجهيز إرسال خمس ألوية إيرانية برية إلى العراق، ودعا مسؤول بارز فيها إلى تأسيس حرس ثوري عراقي.
الرياض تقود الردع الخليجي..خطوات استباقية
يرى مراقبون أن الرياض تقود عملية صنع استراتيجية الردع الخليجي، والشبكات والتحالفات الإقليمية في مواجهة الخطر الإيراني، فهناك تحولات جذرية طرأت على المشهد الاستراتيجي في الإقليم. من الغزو الأميركي للعراق إلى هبوب رياح عاصفة في عدد من الدول العربية. ولم يعد الوضع اليوم كما كان عندما وجه مجلس التعاون دعوته إلى المغرب والأردن قبل أربع سنوات. انكشف الأمن الخليجي في المحيط الهندي، خصوصاً بعد تمرد الحوثيين بدعم إيراني فاضح. مثلما انكشف شمالاً. فقد سقطت دمشق بعد بغداد في قبضة إيران.
فك الطوق
وجاءت التطورات في مصر لتشغل القاهرة عن دورها الريادي في المنطقة. فقدت السعودية ركيزتين من ركائز الحد الأدنى لثبات الأمن القومي العربي. لم يعد أمامها سوى فك الطوق الذي أحكم عليها وعلى شبه الجزيرة كلها. فهي معنية بأمن الخليج مثل اهتمامها بأمن المشرق عموماً في وجه تمدد إيران. فهي تدرك أن الممرات الثلاثة، مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس، تربطها استراتيجية واحدة أساسية لصادرات النفط وحماية أمن مجلس التعاون. وكان لا بد من مقاربات مختلفة عجل بها انكفاء الولايات المتحدة عن الإقليم، وعدم تحركها فعلياً للحد من نفوذ إيران، بحسب مراقبين.
في هذا الإطار أطلقت الرياض التحالف العربي و«عاصفة الحزم» لاستعادة اليمن إلى الفضاء الخليجي، ونجحت في ضم السودان ميدانياً إلى هذا التحالف بعد إخراجه من «جبهة» إيران، وذهبت المملكة بعيداً بإعلان التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، وأعادت بقوة علاقاتها بتركيا، التي أصبحت شريك استراتيجي للخليج في إطار سعي الرياض لبلورة ناتو إسلامي نواته المجلس العسكري الإسلامي الناشيء.
في القمة الخليجية - المغربية قبل أيام، حلت الشراكة الاستراتيجية بين المغرب ودول مجلس التعاون محل العضوية الكاملة. وفي قمة الملكين سلمان وعبدالله الثاني، حل مجلس التنسيق السعودي - الأردني محل العضوية. تجاوزت الرياض تباينات في السياسات بينها وبين الرباط وعمان، في سبيل مواجهة «التحديات نفسها ولا سيما في المجال الأمني».
انضمام اليمن مكاسب استراتيجية
مكاسب استراتيجية بانضمام اليمن لمجلس التعاون حيث سيبلغ عدد سكان دول مجلس التعاون الخليجي 70 مليون نسمة، لو ضمّ إليه اليمن بسكانه ال 25 مليون شخص. وسيكون المجلس أقوى في جغرافيته السياسية، حيث يشرف على كل الممرات البحرية في ثلاثة بحار استراتيجية. إضافة إلى أهمية الثقل الديموغرافي والنفوذ الجيوسياسي الذي يمنحها ضمه للمجلس، فالحرب الأخيرة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، أن اليمن الشارد، يمكن أن يكون الباب الذي تهب منه رياح الفوضى والتدخلات الخارجية.وقد دفعت تحركات الحوثيين وإخلالهم بالأمن وتجاوزهم على الشرعية الدستورية، للحديث مجدداً حول إمكانية ضم اليمن لدول المجلس، لإنقاذه من وضع كارثي.
يقع اليمن في جنوب غرب آسيا بين سلطنة عمان والسعودية. ويشرف على مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالمحيط الهندي عن طريق خليج عدن. يحدها من الشمال السعودية ويبلغ طول الشريط الحدودي بين البلدين 1,458 كم و 288 كم مع عُمان من جهة الشرق.
تعزيز القدرات الدفاعية
في هذا السياق أكد الدكتور عبد اللطيف الزياني، الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، في تصريح صحفي أن "التنسيق بين دول الخليج والولايات المتحدة يجري من أجل مشروع الدرع الدفاعية" وكشف الزياني، في 20 أبريل 2016 عن الخطوات الخليجية الأمريكية ومن بينها منظومة الدفاع الصاروخي والأمن البحري، تعزيز القدرات العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي وتمكينها من بناء جاهزيتها الدفاعية للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها، رفع الجاهزية والكفاءة القتالية للقوات المسلحة بدول المجلس، عن طريق التمارين المشتركة للقوات البرية والجوية والدفاع الجوي والبري والقوات البحرية والقوات الخاصة، ومكافحة الأنشطة البحرية الإيرانية المخالفة من خلال العمليات المشتركة لاعتراض الأسلحة الإيرانية الموجهة لليمن أو غيرها من مناطق الصراع.
الناتو وأمن الخليج وداعش
بالتزامن مع اقتراب مرور 12 عام على مبادرة اسطنبول بين حلف الناتو ودول خليجية دعا نائب الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي (ناتو) ألكسندر فيرشبو إلى تعزيز العلاقات بين الحلف ومجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية في ضوء الأوضاع الحالية التي تشهدها المنطقة.ويكشف خطاب حلف الناتو عن أن أهم سبب للتعاون القضاء على الفوضى والعنف التي أعقبت ما وصفه ب"إخفاقات الربيع العربي" حيث أضعفت دول المنطقة وسببت حروب أهلية تعرقل التفرغ لمحاربة داعش.
الخليج ما بعد النفط
تحولات هيكلية عاصفة بسبب أزمة النفط وبداية تحولات اقتصادية للخليج بمرحلة ما بعد النفط، لم تتبلور ملامحها بالكامل إلى أنها عملية معقدة ومتنامية، كان من أبرز تداعياتها استغناء الشركات شبه الحكومية في أبوظبي عن آلاف العاملين في مؤشر جديد على تأهب الدول الخليجية الغنية بالنفط لفترة تقشف طويلة مع تعرض اقتصاداتها لضغوط بسبب هبوط سعر النفط الخام.
وقالت مصادر مطلعة لوكالة "رويترز" إن شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) التي يعمل بها نحو 55 ألفا قد ألغت مئات الوظائف في الأشهر الأخيرة وستقلص أعداد العاملين بها بواقع خمسة آلاف على الأقل بنهاية 2016.
من بين التطورات النوعية وجود احتجاجات عمالية بسبب ملف النفط فقد بدأ عمال النفط وصناعة البتروكيماويات في الكويت الأحد 17 إبريل إضرابا شاملا عن العمل احتجاجا على مشروع البديل الاستراتيجي الذي يرون فيه مساسا بمزاياهم المالية والوظيفية، واستهدف الإضراب الذي أعلنته النقابات النفطية الضغط على الحكومة من أجل استثناء القطاع النفطي من مشروع البديل الاستراتيجي الذي تريد الحكومة تنفيذه، ومشروع البديل الاستراتيجي هو هيكل جديد للرواتب والمستحقات المالية والمزايا الوظيفية تريد الحكومة تطبيقه على العاملين بالدولة وترفضه النقابات النفطية وتطالب باسثناء العاملين بالقطاع النفطي منه.
في خطوة استباقية ناقش ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رؤيته لخطة 2030 والتي ركزت على ملفات رئيسية أهمها الخصخصة والدعم، وكيفية تنويع مصادر الدخل عبر الاستثمارات والسياحة والصناعة، والتصنيع العسكري، ودخلت رؤية بن سلمان حيز النفاذ بعد أن أقرها مجلس الوزراء السعودي.
شؤون خليجية-