على مدار الحرب الأهلية القائمة في اليمن، ساهمت دولة الإمارات العربية المتحدة في القوات البرية للتحالف الذي تقوده السعودية والذي يساند الحكومة ضد حركة التمرد الحوثي والمقاتلين الموالين للرئيس السابق «علي عبد الله صالح». الآن تقوم دولة الإمارات العربية المتحدة بالتخلي عن دورها العسكري في اليمن. وقد أعلن القائد العام للقوات المسلحة في الإمارات في 16 يونيو/حزيران عبر حسابه على تويتر أن الحرب في اليمن قد انتهت عمليا بالنسبة إلى القوات البرية لبلاده.
لم يحو الإعلان الكثير من التفاصيل مما أثار الكثير من التكهنات قبل ظهور مزيد من المعلومات. وأوضح مسؤولون إماراتيون آخرون أن البلاد ستظل حليفا صادقا للسعودية مما يشير إلى أنها لا تعتزم الانسحاب.
المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لديهما خلافات بشأن الشركاء المحليين المفضلين في اليمن. على سبيل المثال، تعاونت المملكة العربية السعودية مع حزب التجمع اليمني للإصلاح، الفرع التابع لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن. كانت دولة الإمارات تنشط بشكل رئيسي في جنوب اليمن، وكانت ترفض هذه الشراكة مع الإصلاح وفي المقابل فإنها تحالفت مع الحراك الانفصالي وحركات المقاومة في الجنوب. يشير بيان 16 يونيو/حزيران السابق الإشارة إليه إلى انتقال دولة الإمارات إلى مهام الأمن والمساعدة، مما يعني أن الشركاء المحليين في البلاد سوف يضطلعون بالدور الرئيسي في القتال المباشر في حين ستكتفي قوات الإمارات بدعمهم.
ووقع معظم النشاط الأرضي العسكري للإمارات في جنوب اليمن. تحاول القوات هناك تأمين ميناء عدن في حين تدعم المقاومة الجنوبية في جهودها لطرد تنظيم القاعدة من المراكز الواقعة تحت سيطرة الجماعة المسلحة. الرياض، في الوقت نفسه، تبدو أكثر اهتماما بالشمال وهي ترى أن حركة الحوثي تمثل تهديدا مباشرا للمصالح السعودية وأنه لا مانع من التحالف مع تجمع الإصلاح لأجل سحقها.
وقد خفتت وتيرة معظم المهام القتالية في جنوب اليمن. إعادة الإعمار ومطاردة فلول القاعدة هي المهام الرئيسية الآن. لكن الاشتباكات لا تزال مشتعلة في الشمال، حيث تقوم قوات الحوثيين بتصعيد مقاومتها الشرسة في تعز وصنعاء والحديدة. كان هذا الإعلان الأولي بمثابة اعتراف من قبل دولة الإمارات أن الصراع كان يهتم توشك على الانتهاء. وأوضحت البيانات المتتابعة أن الإمارات من المرجح أن تستمر في عملياتها الأمنية في جنوب اليمن لتجنب تعافي قوات القاعدة. وفي ظل ذلك الوضع، ومع وجود قليل في شمال اليمن، فإن قوات الإمارات ربما تتجنب التورط المباشر في العمليات البرية في صنعاء.
محادثات السلام
يتم طي صفحة محادثات السلام ببطء في الكويت في الوقت الذي يستمر فيه القتال في اليمن بلا هوادة. في بعض المناطق، بما في ذلك المناطق الوسطى في البلاد إلى شرق وجنوب شرق صنعاء، فقد اشتدت وتيرة الصراع على مدى الأسابيع القليلة الماضية. وكانت محافظات مأرب وشبوة والضالع ونهيم هي الأقل تأثرا بالوقف الفضفاض للأعمال العدائية الذي كان من المفترض أن يكون ساريا خلال فترة المفاوضات. استمر القتال أيضا على طول المناطق الحدودية للبلاد. وقد قامت السعودية باعتراض صاروخ تم إطلاقه من اليمن في 30 مايو/أيار كما رصدت التقارير عدة مناوشات في منطقة نجران في وقت سابق من هذا الشهر. لم يتم الحفاظ على وقف إطلاق النار سوى بشكل محدود في صنعاء، حيث تباطأت وتيرة الغارات الجوية السعودية بشكل كبير منذ بدء المحادثات في منتصف أبريل/نيسان.
ويمكن أن يعزى القتال المستمر في جزء منه إلى المتمردين الحوثيين، الذين يحاولون الاستيلاء على الأراضي قدر الإمكان خوفا من تؤدي المفاوضات إلى اتفاق يؤثر على وضعهم في السياسة اليمنية. حقق المتمردون مكاسب جزئية في شمال غرب شبوة، بما في ذلك إعادة احتلال أجزاء من أصيلان وانتزاعها من يد قوات التحالف. وهم يتنافسون أيضا للسيطرة على بيجان، والتي تقع بالقرب من طريق حيوي نحو صنعاء.
ومع ذلك، فقد أضاف تواجد المسلحين المنتمين إلى الحراك الجنوبي إلى عدم الاستقرار في شبوة وتعز وعدن في الجنوب. وعلى الرغم من أن الحراك قد اصطف في البداية مع الائتلاف الداعم للرئيس «عبد ربه منصور هادي» فقد شابت العلاقات بين الطرفين توترات دائمة. واشتعلت وتيرة هذا الخلاف في 31 مايو/أيار عندما اشتبكت قوات أمن التحالف مع مسلحي الحراك الذين تدفقوا نحو مبنى إدارة الأمن في عدن.
في الوقت نفسه، وفي جنوب حضرموت ولحج، أصبحت الغارات التي تقودها الإمارات ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية أقل تواترا. ولكن مهمة أبوظبي في الإطاحة بأعضاء التنظيم والمتحالفين معه من مناصب السلطة في المحافظة وتقليل حيازاتهم الإقليمية لم تنته بعد. تستمر الهجمات من قبل القاعدة في جزيرة العرب والدولة الإسلامية في تهديد المدن الجنوبية. في 15 مايو/أيار، أسفر اعتداء على المكلا عن مقتل 47 شخصا. في وقت لاحق خلال ذات الأسبوع، تسبب هجوم في عدن في قتل عشرات من مجندي الجيش اليمني.
وعلى الرغم من العنف المستمر، هناك بعض المؤشرات على أن محادثات السلام في اليمن يمكن أن تؤتي بعض ثمارها ولكن ببطء. يصر التحالف الموالي لهادي على الالتزام التام بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة برقم 2216 الذي يطلب من الحوثيين تسليم الأسلحة التي استولوا عليها من الدولة والانسحاب من كافة الأراضي التي استولوا عليها. في 2 يونيو/حزيران، أعرب المتحدث باسم الحوثيين عن استعدادهم للتخلي عن أسلحتهم والانسحاب من عض المدن، وربما حتى السماح بعودة «هادي» لرئاسة حكومة انتقالية، وهي المرة الأولى التي يعرض فيها الحوثيون مثل هذا التنازل. وكان من المقرر أن تدخل عملية تبادل تشمل آلاف الأسرى قيد التنفيذ في 5 يونيو/حزيران. لم يحدث تقدم ملموس حتى الآن، على الرغم من أن تبادل على نطاق شيق قد وقع بالفعل. إذا فشلت محادثات السلام في الكويت، فقد أوضح الحوثيون أنهم سوف يمضون قدما في تشكيل حكومتهم.
إلى الآن لم تتعثر محادثات السلام على الرغم من وجود العديد من القضايا الشائكة مثل تشكيل الجيش الانتقالي والمجالس الرئاسية للإشراف على تسليم السلطة. ومع بداية شهر رمضان، فإن وتيرة المحادثات والقتال عل الأرض قد بدأت في التباطؤ.
قبيل بداية المحادثات، كان التحالف الذي تقوده السعودية يواصل زحفه على صنعاء أملا في السيطرة على الأراضي المرتفعة قبل الحشد لاستعادة العاصمة. تبعد القوات الآن حوالي 10 كيلومترات عن مطار صنعاء الدولي الذي يبعد 8 كيلومترات فقط عن مركز المدينة. وسائل الإعلام الإماراتية تبشر بالفعل ببداية عملية تحرير صنعاء وقد كثفت تغطيتها لاجتماعات قبلية مختلفة تهدف إلى حشد الدعم لقوات التحالف في العاصمة.
وعين الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» المقيم في عدن الجنرال «علي محسن الأحمر» نائبا له في أواخر فبراير/شباط. ويأمل «هادي» في تأمين الحصول على دعم القبائل المحلية في إطار منافسته مع خصمه «علي عبد الله صالح» ومع الحوثيين. «علي محسن الأحمر» لديه تاريخ طويل من العداء مع «صالح» ولكنه أيضا شخصية شديدة الاستقطاب داخل المشهد القبلي. وهكذا فإن تواجده يمكن أن يؤدي إلى نتائج عسكية.
ورغم ذلك فإن هناك دلائل على أن «هادي» يتقدم بشكل جيد. وقد أوردت تقارير أن وحدات الحرس الجمهوري الموالية لـ«صالح» قد صدرت لها أوامر بالانسحاب من محافظات إب وذمار والبيضاء التي تقع إلى الجنوب الشرقي من صنعاء حيث نقلت هذه القوات لتحصين دفاعات المدينة.
تهميش «صالح»
شهدت مفاوضات وقف إطلاق النار على الحدود تهميشا واضحا لممثلي «صالح». وهو أمر قد يشير إلى أن الحوثيين والتحالف السعودي ربما يدرسون خطة لاستبعاد صالح والموالين له عن مستقبل البلاد. وكان تحالف «صالح» والحوثيين أشبه ما يكون بزواج مصلحة وقد بدأ يظهر تشققات مع اقتراب التحالف السعودي من صنعاء. هدف الرئيس الأسبق يكمن في استعادة كامل السيطرة على اليمن الذي خسره في عام 2011، ودول الخليج على وجه الخصوص تعارض مثل هذه النتيجة، كما يفعل كثير من اليمنيين المتضرريين من حكمه القمعي على رأسهم الحوثيين.
لن يخسر الحوثيون كثيرا جراء الوصول إلى اتفاق، حيث بإمكانهم العودة إلى مواقعهم في صعدة مع النص على وقف العدوان على الحدود السعودية والتسامح مع حكومة «هادي». لكن إمكانية التوفيق بين مصالح التحالف ومصالح الحوثي لا يعني بالضرورة أن التوصل إلى اتفاق سلام قد صار وشيكا ولكنه يعني أن المفاوضات بإمكانها أن تحرز بعض النجاح في تشكيل مستقبل قد يلقى قبولا لدى أحد جناحي حركة التمرد حتى وإن جاء ذلك على حساب الآخر.
ستراتفور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-