عندما طلب مني أن أعنون مقالًا حول كيف ستبدو الحرب بين السعودية وإيران، بدا لي أولًا أن أسأل قرائي أن ينظروا حولهم حولهم، لأن الحرب دائرة بالفعل. وكما جاء عن المحلل المستقبلي «ويليام جيبسون»: «المستقبل يحدث بالفعل، ولكنه فقط ليس قريبًا كفاية». فالسعودية وإيران بالفعل يقتل كل منهم وكلاء الآخر، ويقتلون مستشارين وقوات بعضهم البعض بشكل غير مباشر في اليمن وسوريا والبحرين والمنطقة الشرقية السعودية ذات الأغلبية الشيعية.
تظل الطريقة المفضلة للحرب بين البلدين منذ وقت طويل عن طريق الوكالة. فمنذ حرب الثمانية أعوام مع العراق، استطاعت إيران أن تحترف الحصول على الأفضلية من خلال وكلائها مثل حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية في العراق وحماس. وبنفس الطريقة استخدمت السعودية وكلاء عنها لتجنب وقوع أضرار مباشرة في جيشها، وللتسبب بضربات مؤلمة لأعدائها، مثلما استخدمت ذلك ضد القوات المصرية في حرب اليمن الأهلية (1962 - 1970)، وضد السوفييت في أفغانستان.
الدعم الشديد من إيران للمليشيات الشيعية موثق جيدًا. فحزب الله يعد ركيزة أساسية لإيران ضد (إسرائيل) ومؤخرًا في دعم نظام «بشار الأسد». ولم يعد حزب الله مليشيا بالمعنى المعروف، فهو يملك صواريخ من نوع «زلزال1» يمكنها إصابة تل أبيب، كما يملك صواريخ مضادة للدبابات وألغام يمكنها تفجير أية دبابة إسرائيلية. كما زودت إيران حزب الله بصواريخ «ياخونت» مضادة للسفن.
ويبدو أن إيران قد زودت المليشيات الحوثية في اليمن بصواريخ «سي- 802» والتي استخدمتها في إصابة عد من السفن الحربية الإماراتية في الحرب الأخيرة التي كانت تقودها السعودية على الحوثيين في اليمن. كما تسببت في أضرار جسيمة في صفوف القوات السعودية باستخدام مضادات الدبابات الموجهة التي زودتها بها إيران. كما يحصل وكلاء إيران جنوب المملكة العربية السعودية على صواريخ سكود. كما حازت المليشيات الشيعية في العراق على دعم الطيران الإيراني، ومعدات إلكترونية، بالإضافة إلى الدعم الطبي. كما يساهم الحرس الثوري الإيراني بدعم جميع هؤلاء بصور مختلفة.
ما يقلق السعودية أكثر من كل ذلك، تزايد سيطرة الكتلة الإيرانية داخل البحرين، والمنطقة الشرقية السعودية الغنية بالنفط، والتي يقطن بها أغلبية شيعية. وفي 2011 تدخلت السعودية والإمارات من خلال قوات درع الجزيرة لحماية الأسرة الملكية في البحرين ضد ثورات الربيع العربي، وقد هزّ هذا التدخل طهران، وأفشل مؤامرتهم البائسة. وقامت إيران بعد ذلك عن طريق حلفائها في حزب الله ومليشيات بدر العراقية بمساعدة المجتمع الشيعي في البحرين وتزويده بمعدات متقدمة ليستطيع مواجهة ضربات السعودية المستقبلية، وهو ما دفع السعودية لإعدام شيخ الشيعة في المنطقة الشرقية «نمر النمر».
وقبل هذه الجلبة بوقت طويل، كانت السعودية ودول الخليج السنية الأخرى تزرع ببطء شبكتها من الوكلاء في المنطقة، وكان أول من حظي بدعم جيش الخليج هي حكومة لبنان المدعومة سعوديًا. فقد أرسلت الإمارات تسعة من مروحيات (جازل إس إيه-342 إل) مسلحة بالكامل لمساعدة حكومة لبنان ضد مجموعة فتح الإسلام المرتبطة بالقاعدة في المواجهات الدامية بمخيم نهر البارد شمال لبنان عام 2007. وفي عام 2009 شنت السعودية مع الإمارات والأردن حملة عسكرية لتسعة أسابيع على قوات الحوثي والتي فقدت فيها 137 جنديًا. وهذا ما دفع دول الخليج للبدء بالاعتماد على مرتزقة أو دول حليفة للوكالة عنها مثل باكستان والصومال للمساعدة في الحملة العسكرية على الحوثيين في اليمن.
إذًا، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ قد ترغب كل من السعودية وإيران في إصابة الأخرى في شكل من جس النبض، لكن لن تقدما على تدمير بعضهما البعض. ستبدأ إيران بإثارة العنف في المنطقة الشرقية والبحرين، وربما تذهب لأبعد من ذلك بدعم الحوثيين بحريًا من خلال بطاريات الصواريخ الساحلية.
ستبدأ المرحلة التالية من الحرب بين السعودية وإيران بتكثيف الحرب بالوكالة في سوريا، حيث تخطط السعودية أن تكون معركتها الرئيسية ضد إيران. وكما صرح وزير الخارجية السعودي في عام 2012 «سعود الفيصل» بأن «تسليح المعارضة السورية واجب»، وقد تم تزويد المعارضة بالفعل بمضادات موجهة للدبابات، وربما تشهد المرحلة المقبلة تزويد المعارضة بمضادات الطائرات.
إذًا، لن يقدم أي من الطرفين على بدء حرب تقليدية مفتوحة مع الطرف الآخر، وهي نتيجة وصفها الأمير «محمد بن سلمان» ولي ولي العهد ووزير الدفاع أنها «كارثة كبرى». وتظل مناطق التماس بين الطرفين مثل حقول الغاز المشتركة، والجزر المتنازع عليها، فرصة من وقت لآخر للشد والجذب بين الطرفين، وفرصة ليجرب كل طرف أدواته الدفاعية والهجومية.
ونعتقد أنه في وقت ما خلال السنوات القادمة، سيقدم كلا الجانبين على خطوات غير محسوبة بضربة عسكرية قصيرة وحادة ضد بعضهما البعض، وسيكون هذا نداء للاستيقاظ. وجدير بالذكرأن تسليح كل من إيران ودول الخليج قد أصبح أقوى من مما كان عليه في حرب الخليج الأولى بين إيران والعراق. فبإمكان القوات الجوية السعودية وحليفتها الإمارات تدمير موانئ إيران وحقول الغاز والبترول بشكل كبير، كما يمكن لإيران أن تغرق سواحل الخليج بصواريخ غزيرة غير موجهة، وأيضًا صواريخ موجهة طويلة المدى تصل إلى مسافات لم تصل لها من قبل. وفي عام 1988 دمرت الولايات المتحدة القوة البحرية الإيرانية في معركة استمرت ليوم واحد، وربما يحتاج الطرفان هذه المرة إلى الضغط على زر الحرب ليوم أو يومين لإدراك خطورة الدخول في صراع مباشر، ولكي يقتنعا بإبقاء المواجهة في إطارها المحدود دون الخروج عن ذلك.
فورين بوليسي - ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد -