قال «عبد الخالق عبدالله» الأكاديمي والمحلل السياسي ومستشار ولي عهد أبو ظبي الشيخ «محمد بن زايد»، إن ثمة حالة من «الإحباط والاستياء» الخليجي من أداء نظام الرئيس المصري، «عبد الفتاح السيسي»، داخليا وخارجيا، والذي «بات يمثل عبئا سياسيا وماليا يصعب تحمله طويلا».
وشدد في الوقت نفسه على أن »التخلي عن مصر غير وارد حاليا، لما تمثله من أهمية، وهي قادرة على تجاوز عثراتها».
ومضى موضحا، في حديث للأناضول، أن «حجم المساعدات الخليجية لمصر، منذ أحداث يوليو/تموز 2013، تجاوزت 20 مليار دولار أمريكي، لكنها لم تنعكس (إيجابا) على المستوى المعيشي للشعب المصري».
ومدعوما باحتجاجات شعبية وقوى سياسية ودينية، أطاح الجيش المصري، حين كان «السيسي» وزيرا للدفاع، في 3 يوليو/ تموز2013، بـ«محمد مرسي»، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا.
والسعودية والإمارات من أبرز الداعمين لنظام «السيسي»، سياسيا واقتصاديا، منذ الإطاحة بمرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.
ورغم الاستياء والاحباط، فإن دول الخليج، بحسب المحلل السياسي الإماراتي، «حريصة على استقرار مصر، وملتزمة بدعم القاهرة بكل ثقلها السياسي والمالي، فالتخلي عن مصر غير وارد حاليا، لكن في الوقت نفسه ميزانية الدعم ليست مفتوحة، وهناك جهد لتنويع مصادر مساعدة مصر، مثل دخول صندوق النقد الدولي على الخط، وربما الصين أو الولايات المتحدة الأمريكية».
وحصلت مصر في 11 نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، على 2.75 مليار دولار قيمة الشريحة الأولى من قرض صندوق النقد الدولي، البالغ 12 مليار دولار على مدار ثلاثة أعوام.
ووفق الأستاذ في قسم العلوم السياسية بجامعة الإمارات، فإنه «يوما بعد آخر يتصاعد شعور الإحباط تجاه أداء النظام في مصر، وتحوله إلى عبء سياسي ومالي يصعب تحمله طويلا».
وأوضح أن «دول الخليج استثمرت أكثر من 20 مليار دولار خلال فترة قصيرة، وهو مبلغ تم اقتطاعه من ميزانيات دول الخليج، في ظل انخفاض أسعار النفط، إذ أن دول الخليج كانت بحاجة لهذه المبالغ أكثر من أي وقت آخر، ليس فقط داخليا، ولكن أيضا لمواجهة أعباء الحرب في اليمن».
ومنذ 26 مارس/ آذار 2015، تقود السعودية تحالفا عسكريا عربيا في اليمن، يضم معظم دول الخليج، في مواجهة تحالف جماعة «أنصار الله» (الحوثي) والرئيس اليمني المخلوع، «علي عبد الله صالح»، المتهم بتلقي دعما إيرانيا للإطاحة بالحكومة الشرعية في اليمن.
ورغم تلك الأوضاع، بحسب «عبد الله»، «كانت دول الخليج حريصة على تقديم مساعدات ومنح (..) دول الخليج لا تقول إن هذه منة، فالقاهرة تستحق كل دولار أنفق واستثمر فيها؛ فاستقرار مصر هو المهم».
قبل أن يستدرك بقوله إن «دول الخليج بدأت تثار فيها تساؤلات حول: كم سنصرف.. كم سننفق كم سنساعد.. لكن مصر أهم من أن تتخلى عنها دول الخليج؛ فاستقرار مصر من استقرار دول الخليج، وانتعاشها وقوتها قوة إضافية لدول الخليج».
أسباب الإحباط، وفق المحلل السياسي الإماراتي، تتلخص في «الأداء الذي لم يتحسن ولم يصل إلى مستوى التوقعات مع بداية نظام الرئيس السيسي (قبل أكثر من عامين)، فالأوضاع بدلا من أن تتحسن ظلت على ما هي عليه، وأحيانا في تراجع».
كما تحدث عن «انتشار الفساد بنسب أعلى من أي وقت آخر، ويبدو أنه لا توجد نية للتعامل مع هذا الوباء الذي استشرى في النظام (..) دول الخليج أعطت وقدمت واستثمرت الكثير، بل أكثر مما كان متوقعا، ولكن لم تجد نتائج ملموسة على الشعب المصري، وفي المؤسسات، والاقتصاد، والوضع المعيشي».
وتابع بقوله إنه «بعد سنتين من استثمارات ومساعدات دول الخليج (في مصر)، لم تأت نتائج ملموسة، وهذا يضيف إلى رصيد الإحباط من أداء النظام في مصر».
الإحباط الخليجي لا يقتصر على أداء النظام المصري داخليا فحسب، إذ كشف المحلل السياسي الإماراتي عن «استياء يتصاعد من الدبلوماسية المصرية، التي يصعب تحقيق حد أدنى من التنسيق معها تجاه قضايا مصيرية».
ومفسرا، تابع «كان متوقعا أن يكون هناك حد أدنى من التوافق والتنسيق في القضايا المصيرية، لكن لم نصل إلى هذا الحد بين أهم الأطراف العربية حاليا: الرياض، والقاهرة، وأبو ظبي، العواصم التي تمثل الاعتدال العربي حاليا.. هذا الحد من التنسيق، أصبح ضائعا وغير متبلور.. ومن هنا الاستياء».
ذلك الاستياء، وبحسب عبد الله، «يمكن رصده في قضايا عديدة، فمثلا في مواجهة إيران، توجد مؤشرات مختلفة وأحيانا متناقضة في سياق غزل ما يدور بين القاهرة وطهران، فضلا عن عدم وضوح موقف مصر بشكل حازم تجاه التمدد الإيراني (في العالم العربي)».
وأعرب وزير الخارجية المصري، «سامح شكري»، في تصريحات يوم 10 ديسمبر/كانون أول الجاري، عن متانة علاقات القاهرة مع الرياض، ونفى وجود تقارب مع طهران إلا عبر مؤتمرات متعددة الأطراف.
إضافة إلى ملف إيران، ووفق «عبد الله»، «يظهر الاستياء أيضا تجاه قضية سوريا، فقد أصبح هناك انقطاع أو اختلاف بشأن المسألة السورية (..) لقد ابتعدنا كثيرا عن بعضنا (دول الخليج ومصر)».
وبينما تدعم معظم دول الخليج قوات المعارضة السورية، أعرب «السيسي»، في تصريحات في نوفمبر/ تشرين ثان الماضي، عن تأييده لما وصفها بالجيوش الوطنية في الدول العربية، ومنها سوريا، في إشارة إلى قوات نظام بشار الأسد.
ومعاتبا، أضاف أن «الدبلوماسية الخليجية كانت داعمة بقوة في كل المجالات بمصر، لتخفيف الضغط عليها وإعطاء صورة مشرقة عنها، بعد أحداث يوليو/تموز 2013، لكن الدبلوماسية المصرية لم تكن بمستوى يمكنها من أن تعين الجهد الدبلوماسي الخليجي، بل كانت مترهلة (..) الدبلوماسية المصرية لم تقدم ما يجب أن تقدمه، لكي تعيد لمصر بريقها، وتعطي صورة إيجابية عن بلدها».
وفي رده على سؤال حول ما إذا كانت جهود الإمارات مستمرة للوساطة، كما يتردد، بين مصر والسعودية، اعتبر المحلل السياسي الإماراتي أن «الإمارات أكثر دولة في العالم قادرة وراغبة في القيام بأي دور مطلوب منها لتخفيف حدة الخلاقات وسوء الفهم القائم بين القاهرة والرياض، في سيبل إصلاح ما يمكن إصلاحه».
واستطرد بالقول «مصر تثق بالإمارات، التي هي أقرب للقاهرة، والسعودية تثق أيضا بالإمارات، التي هي الأقرب إليها خليجيا». بل واعتبر أن »الإمارات مهيأة لهذا الدور (الوساطة)، ومن مصلحتها أن يكون هناك توافق كلي وكامل بين الرياض والقاهرة؛ لأنه عندما تضع إمكانيات الإمارات بجانب قدرات السعودية، إضافة إلى ما لدى مصر من رصيد وثقل، فسيكون الوضع العربي بمجمله في أحسن حال».
وكالات-