خطى متسارعة تعمل الإمارات العربية المتحدة على توسيع قاعدة نفوذها في منطقة القرن الإفريقي، الذي أصبح الآن يضم القاعدتين العسكريتين الوحيدتين للإمارات خارج حدودها.
وبينما تعزو الإمارات نهج توسعها هذا لكونه جزءًا من دعم عمليات الحصار البحري في البحر الأحمر ضد الحوثيين، فهي تتنافس حتى مع حليفتها المملكة العربية السعودية لتحقيق مآرب أخرى كما يبدو، كالخروج من إطار العمل في منظومة خليجية موحدة، ومكافحة «الإرهاب» في إفريقيا التي أصبحت مرتعًا للجماعات المسلحة المتطرفة، والتي ترى فيها الإمارات تهديدًا كبيرًا.
قاعدة ثانية للإمارات في إفريقيا
«قاعدة بربرة» هي القاعدة العسكرية الثانية التي تتمكن الإمارات من تأسيسها خارج أراضيها، بعد قاعدة «عصب» الساحلية الإريترية. وتقع هذه القاعدة الجديدة في مدينة بربرة على ساحل خليج عدن، والتي تعد أكبر وأهم مدن إقليم «أرض الصومال- صوماليلاند»، وبذلك باتت الإمارات تملك منفذين حصريين على مضيق باب المندب، وخليج عدن.
ووافق برلمان أرض الصومال، التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن الصومال عام 1991، على إنشاء القاعدة الإماراتية، مقابل توفير الأخيرة التدريب والدعم الأمنيين لها. وتقربت الإمارات كثيرًا من حكومة «أرض الصومال» بدعمها، هذه الجمهورية التي لا يعترف بها المجتمع الدولي كدولة مستقلة، بينما تستفيد سلطات أرض الصومال من الإمارات في توفير غطاء أمني ضروري لها أمام دولة الصومال، حيث تنشط جماعة الشباب المجاهدين المرتبطة بالقاعدة.
وسبق أن حصلت هيئة موانئ دبي العالمية على حق إدارة ميناء بربرة لمدة 30 عامًا في مايو (أيار) 2016، وحق توسيعه كمركز نشاطات إقليمي، وذلك نتيجة اتفاق موقع منذ العام الماضي، بلغت قيمته 442 مليون دولار، ويهدف لتطوير الميناء الذي يستخدم أساسًا لتصدير الماشية إلى منطقة الشرق الأوسط.
كما أن الإمارات تقربت في ذات الوقت من الحكومة الفيدرالية في العاصمة الصومالية مقديشو، هذه الحكومة التي قالت إنها ستتقدم بشكوى رسمية ضد الإمارات بعد إعلان إنشاء قاعدة بربرة، متهمةً إياها بـ«انتهاك القانون الدولي»، فقد سبق وأن درّبت الإمارات وحدات مكافحة الإرهاب والمخابرات، وافتتحت مركز تدريب بالعاصمة مقديشو، كما تعهدت في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2015 بدفع رواتب قوات الأمن الفدرالية الصومالية لمدة أربع سنوات، وهي تعمل منذ فترة طويلة مع وحدة مكافحة الإرهاب، و«جهاز الأمن والمخابرات الوطني» في الصومال، وافتتحت مركز تدريبٍ جديد في مقديشو، كما أنه في أواخر مايو (أيار) عام 2015، زوّدت الإمارات «إدارة جوبا المؤقتة» في مدينة كيسمايو الصومالية بمجموعة من مركبات مقاومة للألغام، ومحمية من الكمائن.
وبالعودة إلى ميناء «عصب» الإريتري، فهو يشكل نقطةً لوجستية مهمة للإمارات، وذلك بسبب موقعه القريب نسبيًّا من منطقة الصراع الرئيسية في اليمن، إذ يسمح بتواجد السفن الكبيرة، بالإضافة إلى الحركة الأسهل للسفن الصغيرة المخصصة للإنزال بين عدن، والموانئ الأقرب لها، دون الحاجة إلى المرور عبر الخليج العربي، أو عبر البحر الأحمر.
وتبدو منطقيّة خطة الإمارات لتشكيل وحدة بحرية وجوية بين قاعدتي بربرة وصعب، وهو ما يُؤكده المحلل الأمني في مركز «هورايزون كلاينت أكسيس» الأمريكي، ألكسندر ميللو، الذي يعتقد أن خطة الإمارات تشمل إقامة طويلة في منطقة القرن الإفريقي، وبالإمكان رُؤية ملامح ذلك في عملها الدؤوب على تطويل قاعدتها في إريتريا، وتوسيعها لملاجئ الطائرات، ومخابئ العربات المصفحة، وبنائها رصيفًا حربيًّا جديدًا.
الدوافع الإماراتية للتواجد في القرن الإفريقي
«إن الوجود العسكري الإماراتي في القرن الإفريقي يهدف إلى إظهار القوة الإماراتية«، هذا ما أكّده كل من أليكس ميللو، والزميل الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، مايكل نايتس.
وانتهجت الإمارات نهجاً يقوم على إنشاء تمركز لها في القرن الإفريقي، وبدأت هذا النهج بالتبرع السخي لفقراء إفريقيا ومؤسساتها، ليلحق بهذا التبرع استثمارها في البنوك، والموانئ، والمشاريع الإنسانية من قبل المؤسسات الاستثمارية الإماراتية الكبرى، حتى شمل هذا الاستثمار مجالات الغاز الطبيعي، والأمن الغذائي، ليأتي في مرحلة لاحقة لهذا النهج الانخراط في علاقات تعاون أمني مع مجموعة من الدول الإفريقية، كما توجهت السياسة الخارجية الإماراتية نحو كينيا، والصومال، وأوغندا مستخدمة الاستثمارات، والدعم الأمني.
ويعد واحدًا من دوافع الإمارات لتوقيع اتفاقيات ثنائية مع دول القرن الإفريقي، رغبتها في الخروج من إطار العمل في منظومة خليجية موحدة، كما يرجع وجود الإمارات، وبالتحديد في شرقي إفريقيا المنطقة التي لا تزال مُضطربة؛ إلى حرب الإمارات ضد الجماعات الإسلامية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى البعض أن التواجد الإماراتي هناك قد يكون مُتعلّقًا بهدف تطويق النفوذ الإيراني في منطقة الممرات الملاحية الاستراتيجية بالقرب من باب المندب. المحلل السياسي في مجموعة «جيوستراتيجيك ميديا»، شهاب المالكي، يقول إن انطلاق الإمارات وخروجها عما أسماها بـ«سياساتها الخارجية الحذرة»، مدفوعٌ برغبتها في اتخاذ خطوات استباقية ضد «صعود الإسلام السياسي» الذي قال المالكي إنه يتمثل بالنسبة للإمارات في جماعة الإخوان المسلمين، وإيران.
وربما يُعزز من موقف شهاب المالكي احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاثة في الخليج العربي، إلا أنّ ما قد يُؤخذ عليه في المقابل، تغافل العلاقات الاقتصادية المتينة بين البلدين، بميزان تجاري قُدّر رسميًّا بنحو 17 مليار دولار في 2014.
في إفريقيا.. صراع بين الإخوة الخليجيين
وعلى ما يبدو أصبحت منطقة القرن الإفريقي شاهدة على وجود صراع خليجي خليجي، بين كل من السعودية والإمارات، لتنافسهما على النفوذ الاقتصادي، والسياسي، وأيضًا العسكري في مداخل القارة السمراء. وبينما يحاول الإماراتيون «الضرب فوق قوتهم الحقيقية في إفريقيا»، بتعبير الباحثين أليكس ميللو، ومايكل نايتس، والمسارعة في إنشاء نقاط ارتكاز لنفوذهم في القرن الإفريقي، فإنّ للسعودية دورًا متعاظمًا في تلك المنطقة، تحديدًا عبر استثمارات رجال أعمالها في إثيوبيا، وللعلاقات التعليمية بين دول تلك المنطقة والسعودية؛ إذ يفد طلاب من شرق إفريقيا بشكل متزايد سنويًّا للدراسة في الجامعات السعودية.
المؤسسة الدينية السعودية تلعب هي الأُخرى دورًا مُؤثرًا في تلك المنطقة بالدعم المالي والدعوي، وإنشاء المساجد والمدارس الدينية على الطريقة السلفية الوهابية، هذا فضلًا عن دعم اقتصادي وعسكري مُباشر، يُمكن رُؤية أحد ملامحه بدعم السعودية لجيبوتي بقوارب لخفر السواحل، ومروحيات، وأسلحة، وسيارات إسعاف، وفقًا لصحيفة الجارديان البريطانية.
أما الإمارات فقد شكّلت علاقاتها مع جيبوتي محطة مهمة، كون هذه الدولة الإفريقية تضمَ موانئ بدائية على البحر الأحمر، إلا أن أزمةً كبيرةً نشبت في يوليو (تموز) 2014 مع جيبوتي، أدّت إلى تراجع حكومة جيبوتي عن الامتياز الممنوح إلى شركة دبي العالمية (DP World) لتشغيل المرفأ الأضخم في إفريقيا «دوراليه» للحاويات. ووصل الأمر لحد قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين في مايو (أيار) 2015، إذ أُغلقت قنصلية الإمارات العربية المتحدة في جيبوتي في أعقاب شجار بين نائب القنصل الإماراتي، وقائد سلاح الجو الجيبوتي، كما أنه في 29 أبريل (نيسان) 2015، قررت جيبوتي طرد القوات الخليجية من أراضيها.
وما لبث أن سارعت كل من السعودية والإمارات لإيجاد بديل عن العلاقات مع جيبوتي في القرن الإفريقي، فكانت القبلة هي إريتريا الجارة والمنافسة الإقليمية لجيبوتي، فالسعودية التي خافت من أن يشكل فقدان العلاقة مع جيبوتي خطرًا استراتيجيًّا عليها في حربها ضد الحوثيين، تمكنت من عقد اتفاق تعاون عسكري وأمني منحها حق إقامة قواعد عسكرية لها في إريتريا، بينما تمكنت الإمارات من إنشاء ميناء جديد بالقرب من مطار عصب الدولي في إريتريا، ثم مؤخرًا أصبح لها أول قاعدة عسكرية دائمة في بلدٍ أجنبي.
ساسة بوست-