بعد سيطرة الحوثيين على عدن أواخر عام 2014، لجأ الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي إلى المملكة العربية السعودية، بحكم الضرورة. وأثناء فترة غياب الشرعية في الرياض نشأت مراكز قوى جديدة في المناطق التي طرد منها الحوثيون، في كل من مأرب وتعز وعدن.
وعند عودة الرئيس والحكومة إلى عدن كانت القوى الجديدة في المدينة والمشكلة في مجموعها من قوات المقاومة والحزام الأمني، وبعض ألوية الجيش، قد أصبحت المسيطرة على عدن، الأمر الذي جعل من الضروري مراعاة مصالحها، وحقيقة أنها موجودة على الأرض، خاصة مع تأخر عمليات دمجها في المؤسستين الأمنية والعسكرية.
عندما جاء التحالف العربي إلى اليمن، تولى الإماراتيون مسؤولية عدن والمحافظات المجاورة، وقد نسقوا مع قوى سلفية وأخرى موالية للحراك الجنوبي في عدن كيلا ينسقوا مع تجمع الإصلاح، نظراً لإشكالية العلاقة بين الإمارات وتيار الإخوان المسلمين بشكل عام.
ومع الزمن، ومع طول فترة غياب مؤسسة الشرعية خارج البلاد، أصبحت عدن مقسمة إلى مربعات أمنية تخضع لفصائل من المقاومة منها ما يتبع الحراك حيث تخضع المعلا وكريتر والتواهي للسلطة المحلية ممثلة بمحافظ عدن ومدير أمنها، فيما توجد قوات أخرى تتبع تيارات سلفية في المطار والمنصورة والبريقة، فيما ألوية الحماية الرئاسية في خورمكسر وحول القصر الرئاسي، بالإضافة إلى الحزام الأمني المتولي مسؤولية الأمن في عدن وأبين ولحج والضالع.
السلطة المحلية في محافظة عدن المُشَكَّلة في معظمها من الحراك تناغمت بشكل أو بآخر مع القوى العسكرية المسيطرة على مناطق شاسعة في المدينة، وهو ما أوجد نوعاً من التضارب في الصلاحيات بين مؤسستي الشرعية والسلطة المحلية، الأمر الذي تفاقم مع محاولة قوات من ألوية الحماية الرئاسية استلام المسؤوليات الأمنية في المطار.
وهو ما قوبل برفض كتيبة حماية المطار المكونة من تيار سلفي مدعوم من الإماراتيين، حيث تدخلت طائرات إماراتية عاملة ضمن قوات التحالف لصالح قوات حماية المطار ضد قوات الحماية الرئاسية، الأمر الذي جعل هادي يوجه قوات الحماية بالانسحاب من محيط المطار تمهيدا لحل الإشكال بالحوار، حيث عقد الرئيس اجتماعات أمنية في عدن، لوحظ غياب محافظ عدن ومدير أمنها منها، الأمر الذي عكس خلافاً حول الصلاحيات والرؤى والبرامج السياسية في المدينة.
والإثنين الماضي قام الرئيس هادي بزيارة للإمارات، على خلفية التطورات الأخيرة في عدن، حيث حمل الرئيس معه ملفات منها دمج الحزام الأمني وقوى المقاومة في المؤسسة العسكرية والأمنية، وطبيعة العلاقة بين السلطة المحلية في عدن من جهة ومؤسسة الشرعية من جهة أخرى، وإجراءات التجنيد والتسليح، وتحديد العلاقة بين مؤسسات الشرعية وقوات التحالف في عدن، وقضايا المطار والموانىء والتنمية وإعادة الإعمار والجبهة الساحلية، بالإضافة إلى قضايا مكافحة تنظيم القاعدة و»داعش»، كل ذلك كان في صلب الزيارة.
لم يصدر بيان رسمي حول زيارة هادي ولقائه بنائب رئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في أبوظبي، غير أن ذهاب هادي بعد أبوظبي إلى الرياض ينبئ عن خلافات حول الملفات التي حملها هادي إلى الإماراتيين.
مصادر ذكرت أن هادي يريد ضبط العلاقة بين سلطته والتحالف على أساس أن تخضع السلطة المحلية في عدن لسلطة الشرعية، وهو الأمر الذي قوبل فيما يبدو برفض الجانب الإماراتي، على أساس أن القوى المحلية أقدر على ضبط الأمن في المدينة.
تقول المصادر إن أبوظبي تريد– كذلك – ضبط علاقة هادي بالتجمع اليمني للإصلاح، الذي تبدو علاقته بالإمارات غير منسجمة، وهو ما يحتم طرح الأمور للنقاش بشكل شفاف داخل مؤسسة الشرعية، وبينها وبين الإماراتيين، حتى لا تحول هذه العلاقة الإشكالية دون تحقيق أهداف استعادة الدولة، ودحر الانقلاب. لدى الإماراتيين تحفظ – كذلك – حول بعض الشخصيات القيادية في مؤسستي الجيش والأمن، ويقولون أن عليهم قضايا فساد.
فيما ترجع مصادر في مؤسسة الرئاسة ذلك إلى محاولات أبوظبي إبعاد المحسوبين على هادي في الجيش والأمن، وفي الحالين فيجب ان تناقش هذه النقطة بشكل يخدم هدف إعادة الشرعية في البلاد، وهو الهدف المعلن من قبل قوات التحالف العربي منذ اليوم الأول لانطلاق العمليات العسكرية.
واضح ان أبوظبي تتمسك بالسلطة المحلية في عدن، وهذا يخلق المزيد من المتاعب للرئيس الذي يسعى لممارسة مهامه في عدن، لكن واضح أيضاً أن على هادي أن يقنع التحالف بقدرة سلطته على ضبط الأوضاع في عدن، بتقديم خطط واضحة لدمج الفصائل المقاومة والحزام الأمني بشكل سلس في اجهزة الجيش والأمن، بالتنسيق مع السلطة المحلية، بشكل لا يتعارض مع اعتبار هادي المسؤول الأول الذي يملك الصلاحيات الدستورية التي بموجبها تكون السلطة المحلية تابعة للشرعية، لا موازية لها.
الإمارات دولة محورية في التحالف العربي، ولها جهود كبيرة في ضبط الأوضاع الأمنية في المناطق التي تتواجد فيها، كما أن لها جهوداً في الجوانب الإغاثية وإعادة الإعمار وتشغيل المطارات والموانئ، والإماراتيون متواجدون على الأرض بشكل يمكن أن يشكل رافعة لإسناد تواجد الدولة، وبناء مؤسساتها، على أن تحيد الخلافات الداخلية بين اليمنيين أنفسهم، وعلى أن تنسق الجهود مع التحالف بشكل يخدم الهدف الأساس من وجود التحالف العربي ذاته، على أن يعي الإماراتيون أن مهمة التحالف العربي جاءت لدعم الشرعية، ولن يتم دعم هذه الشرعية إلا بإخضاع كافة مؤسسات الدولة لسلطة واحدة، هي سلطة الرئيس المعترف به دولياً.
وفي تصوري أن التحالف لن يعترض على دمج مجاميع المقاومة في المؤسسة الأمنية، والإماراتيون سيوافقون على دمج الحزام الأمني، لكنهم لا يريدون أن يتفكك الحزام الذي استثمروا فيه كثيراً، وأصبح قادرا على ضبط الوضع الأمني بصورة جيدة في عدن وجوارها الجغرافي.
من حق الرئيس هادي أن يكون مرجع جميع القرارات في الجوانب الأمنية والعسكرية والسياسية، لأنه رئيس الجمهورية، ومن واجبه أن ينظر ببصيرة إلى خريطة التحالفات، وتشابك المصالح والقوى على الأرض، وأن يكون مظلتها جميعاً نحو تحقيق أهداف استعادة الدولة والتخلص من الانقلاب، والانطلاق نحو استكمال عملية التحول السياسي في البلاد.
السعوديون – بدورهم – سيكون لهم جهد في المساعدة على إعادة ترتيب الأوضاع في عدن بالتنسيق مع الرئاسة والإمارات.
التحالف العربي يدرك شرعية الرئيس هادي وسلطاته، وهو ما يحتم تهيئة عدن لكي تستوعب متغير عودة الرئاسة والحكومة إليها، وهذا ما على السلطة المحلية في عدن أن تستوعبه، كي لا تضيع جهودها الماضية في ضبط الأوضاع، وحتى لا تظهر بمظهر المتمرد على قرارات أو تعليمات رئيس الجمهورية.
وذلك يتطلب عدم التصادم مع مؤسسة الرئاسة، وفتح عدن لتكون مدينة كل اليمنيين، والتخلي عن عقلية التفكير السائدة والقائمة على النظر إلى عدن على أساس أنها مدينة مغلقة على توجهات سياسية بعينها، وكيانات تقبل أو ترفض على أساس جهوي أو مناطقي، لأن ذلك يمكن أن يعد ضمن معرقلات عملية التحول السياسي الذي يمكن أن يؤخذ بعين الاعتبار في الأمم المتحدة.
والخلاصة، على الجميع ألا يتعاملوا مع أوضاع عدن عام 2017 تعاملهم مع أوضاع صنعاء عام 2014، وهو الأمر الذي أدى إلى ما وصلنا إليه اليوم.
د. محمد جميح- القدس العربي-