تتجه بوصلة التحركات الإماراتية في الملف اليمني، نحو تشكيل قوة إقليمية، بتمويل إماراتي، تخدم أجندة «أبوظبي»، وسط مخاوف وتحذيرات من أنها قد تدفع الإمارات للغوص أكثر في المستنقع اليمني.
وركزت الإمارات جهودها على بناء قوة يمنية منذ أن قلصت وجود قواتها على الخطوط الأمامية في أعقاب هجوم صاروخي شنه الحوثيون أسفر عن مقتل العشرات من جنود الإمارات ودول خليجية أخرى في شرق مأرب في سبتمبر/ أيلول عام 2015.
ومنذ استعادت قوة يمنية دربتها ومولتها الإمارات العربية المتحدة ميناء «المكلا» الجنوبي من مقاتلي «تنظيم القاعدة» قبل عام، أصبحت مساعي الإمارات لتعزيز ما تحقق من تقدم في مهب الريح بفعل الخصومات التقليدية.
فالانقسامات داخل المجتمع اليمني القبلي بالإضافة إلى النزعات الانفصالية بين القوات والقيادات في الشطر الجنوبي الذي كان دولة مستقلة في يوم من الأيام تجعل بناء جيش وطني حقيقي مهمة شبه مستحيلة بالنسبة للإمارات في الوقت الراهن.
ويقول ضباط من الإمارات، إن «الوضع جعل من الصعب عليهم الزحف شمالا بما يعزز ما حققوه من مكاسب إقليمية». ويضيفون أن الهجوم الجنوبي تباطأ منذ عبر حدود محافظة «تعز».
وقال ضابط بجيش الإمارات «تعز جزء من الشمال والجنوبيون لا يريدون القتال خارج حدودهم، وكان أخذهم إلى هناك تحديا كبيرا».
والإمارات عضو قوي في التحالف العسكري الذي تقوده السعودية ويحارب الحوثيين المتحالفين مع إيران تأييدا لحكومة الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» المعترف بها دوليا.
ومنذ مارس/ آذار عام 2015 سقط أكثر من عشرة آلاف قتيل في الصراع وأصبح اليمن على شفا كارثة إنسانية يعاني فيها الملايين من الجوع.
وقد استفاد «تنظيم القاعدة» و«تنظيم الدولة» من هذه الفوضى في تحقيق أغراضهما.
وكانت استعادة «المكلا» من تنظيم القاعدة في أبريل/ نيسان من العام الماضي إنجازا كبيرا للقوة التي ترعاها الإمارات. فالمكلا الواقعة على خليج عدن عاصمة محافظة «حضرموت» التي تضم أغلب الثروة النفطية اليمنية.
وفي فترة من الفترات كان الميناء يمثل مصدر دخل يبلغ ملايين الدولارات لـ«تنظيم القاعدة» من الرسوم الجمركية وذلك قبل أن تدفع قوة مؤلفة من 30 ألف فرد رجاله إلى الجبال القريبة.
وبعد مرور 12 شهرا على تحرير «المكلا» عادت بعض مظاهر الحياة إلى طبيعتها في شوارعها المتربة المزدحمة رغم أن سيارات مدمرة تركها مقاتلو التنظيم ما زالت تقبع على جوانب الطرق حيث يقف جنود شبان يبدو عليهم التوتر عند حواجز أمنية فيما يشير إلى هشاشة ما تحقق من مكاسب عسكرية.
قال جندي نحيف اسمه «أحمد الخشاف» يرتدي ملابس عسكرية لا تناسبه ويقف في حراسة الميناء،«كنت أعرف دائما كيفية استعمال السلاح لكن جيش الإمارات علمنا الانضباط العسكري وأتاح لنا وظائف».
ويقول ضباط كبار من الإمارات إن قواتهم دربت أكثر من 11 ألف جندي يمني من حضرموت و14 ألفا من عدن وثلاث محافظات وتدفع لهم أجورهم. ومع ذلك يصعب تحقيق الوحدة.
وقال مسؤول عسكري كبير من الإمارات، مشترطا عدم الكشف عن اسمه، «في اليمن الحضرمي لا يقاتل إلا من أجل حضرمي آخر. ومن المهم الاحتفاظ بتجمعات إقليمية عندما تؤسس الكتائب»، وفق ما نقلته «رويترز».
غير أن المجهود الحربي قد يصبح الآن في المرتبة الثانية بعد الحماس لإحياء دولة جنوبية الذي تدعمه استعادة قوات التحالف عدن من أيدي الحوثيين في يوليو/ تموز عام 2015.
والآن يبدو أن القوات المحلية تعطي الأولوية للقتال على حدود الشطر الجنوبي على القتال في أراض تعتبرها بلدا أجنبيا.
وقال اللواء «أحمد بن بريك» محافظ حضرموت في مقر إقامته الخاضع لحراسة مشددة في المكلا: «إذا لم يحدث سلام مع الشمال سننفصل».
وفي «عدن» على مسافة 480 كيلومترا إلى الغرب من «المكلا» بدأت الانقسامات تتصاعد بين قوات هادي والقوات المؤيدة للانفصال.
ووقعت احتجاجات في الشوارع على قرار «هادي» الأسبوع الماضي عزل «عيداروس الزبيدي» محافظ عدن الانفصالي الذي يحظى بدعم الإمارات.
وربما يزداد تعقيد دور الإمارات في اليمن بسبب مشاركة مقاتلين ملثمين مزودين بعتاد عسكري زودتهم به أبوظبي.
«سارة ليا ويتسون» مسؤولة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في «هيومن رايتس ووتش»، الحقوقية الأمريكية، علقت قائلة: «بالضبط هذا ما فعلته في ليبيا(أي قدمت دعما عسكريا واسعا لأحد أطراف الصراع بينما البلاد تتفكك)».
وسبق أن علقت «سارة ليا ويتسون»، في تغريدة لها، قائلة: «يبدو أن هادي يقاتل في حربين.. الحوثيين والإمارات».
يشار إلى أنه في 12 فبراير/ شباط الماضي، شهدت عدن، التي تتخذ منها الحكومة الشرعية «عاصمة مؤقتة»، توتراً أمنيا، بعد تصاعد الخلافات بين قوات الحماية الرئاسية الموالية لـ«هادي»، وأخرى تتولى حماية مطار عدن الدولي، وتدعمها الإمارات.
وليس سرا أنّ الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي» لا يحظى بشعبية لدى الإمارات. ويرغب الإماراتيون أن يصبح رئيس الوزراء اليمني السابق «محمد باسندوة»، الذي استقال عام 2014 في أعقاب اشتباكات مدمرة بين المتمردين الحوثيين والجيش في صنعاء، ليكون الرئيس المقبل لليمن لأنّه لديه علاقات طيبة مع «علي عبد الله صالح»، الرئيس اليمني الذي أُطيح به في عام 2012. وعلى وجه التحديد، ترى أبوظبي فائدةً في إبقاء «باسندوة» على مقربة بدلًا من الأشخاص المقربين من جماعة الإخوان المسلمين، لأنّه سيخدم أهداف الإمارات في اليمن.
ومن المرجح أن تسهل زيارة «محمد بن زايد» إلى موسكو، الشهر الماضي، عودة روسيا إلى جنوب اليمن. ويأمل المسؤولون الإماراتيون والروس أن يعزز تعاونهم في الملف اليمني المصالح المتبادلة بين الدولتين فيما يتعلق بالأزمة اليمنية، وتأمين المياه والممرات الحرجة للتجارة البحرية العالمية.
رويترز-