لا يمكن لأي دبلوماسي متمرس أو أكاديمي أن يغفل أهمية مجلس التعاون الخليجي. وهو يشكل التحالف الأكثر فاعلية وقوة بين الدول العربية السنية ويتمتع بالتوافق السياسي. لكنّ جهازه العسكري، وهو قوة درع الجزيرة، لا يزال آلية بدائية ضعيفة لأغراض الدفاع. ويعد درع الجزيرة آلية عسكرية جماعية لا تؤثر على الشؤون الإقليمية أو الدولية. ومثل هذا الضعف الجوهري في مجلس التعاون الخليجي يشكل عقبةً رئيسية أمام التغلب على تحديات الشرق الأوسط.
وفي وقتٍ مبكرٍ من عام 1991، حين تم غزو الكويت من قبل العراق، لم تلعب قوة درع الجزيرة دورًا في الحرب لوقف طموحات «صدام حسين» الإقليمية. وفي جوهر الأمر، فوت درع الجزيرة فرصةً كبيرةً لوضع بصمة في النظام الدولي. وقد تصرفت الولايات المتحدة بدلًا من ذلك مع تحالف ضم 91 دولة برعاية الأمم المتحدة. وظل درع الجزيرة على الهامش، ولم يقم أبدًا بإقامة علاقات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الأمر الذي كان سيزيد من مكانته فى العلاقات الأمنية الدولية. وظل درع الجزيرة عاملًا غير مؤثر في الشؤون العالمية، وكان ذلك بسبب تركيز مجلس التعاون الخليجي على الشؤون السياسية والاقتصادية. وبدا أنّ الدفاع والأمن الدوليين ليسا أولوية بالنسبة للبلدان الأعضاء في المجلس.
وقد مرت اثنا عشر عامًا على اختفاء درع الجزيرة عن حرب الخليج حين غزت الولايات المتحدة العراق ودمرت «صدام حسين». وواصل درع الجزيرة «سلوك العامل الصفري» من خلال عدم وجود دور له في أي مرحلة من مراحل الحرب. ويفتقر درع الجزيرة إلى المعدات الدفاعية والجنود والتمويل والأهداف الأمنية، لأنّ الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لا تركز على أهمية ذلك. وبالمناسبة، لم يبذل درع الجزيرة جهدًا لتخفيف أو رصد المناوشات الإيرانية العراقية، أو العدوان الإيراني الذي أعقب ذلك في شكل طموحات إيران النووية. وحتى إيران، القوة الشيعية في المنطقة، لم تتمكن من تحفيز مجلس التعاون الخليجي لتنفيذ إصلاحات هيكلية وتنظيمية لإحياء درع الجزيرة الفاشل.
ويركز القادة العرب على منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، لكنّهم لا يعيرون أهمية لمنظمة عسكرية جماعية يمكنها أن تكون الحل لانقسامات المنطقة. وتنظر الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي تحت أقدامها، ولا تؤمن بأفكار إنشاء وقيادة قوة عسكرية موحدة من شأنها أن تعزز توافق الآراء العربي ضد المعتدين والعنف الذي يعصف بالشرق الأوسط. ويجب على الدول العربية التي تشارك في المؤسسات الدولية الليبرالية أن تحول النموذج السياسي في المنطقة ليشمل أهمية التعاون العسكري والأمني.
ويعد النفط والبترول والوحدة العربية والولاءات السياسية السنية قوى ذات أهمية في الشرق الأوسط. ولا ينبغي إهمال أهميتها، غير أنّ وجود منظمة عسكرية جماعية متطورة في المنطقة من شأنه أن يوفر دفعة للأمام لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة. وكان الربيع العربي ليكون ظاهرة هادئة تمامًا في الخليج إذا امتلك درع الجزيرة القدرات اللازمة لحفظ السلام في الظروف الملحة. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ الوجود الحالي لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش وغيرها من المنظمات شبه العسكرية، يتطلب قوة عسكرية ذات قدرة على القضاء عليها. ويعد درع الجزيرة هو الجهاز العسكري الأبرز حاليًا في الشرق الأوسط. وقد تم إنشاؤه بنوايا كبيرة، لكنّ الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي لم تقم بتزويده بما يكفي لكي يزدهر. وستسجل كتب التاريخ مدى حكمة قرار إعادة تقييم هذا الأمر من قبل كل من يرغب في وقف الاضطرابات في الشرق الأوسط.
إنترناشيونال بوليسي دايجست- ترجمة وتحرير شادي خليفة - الخليج الجديد-